جلال غيازة.. من لاعب كرة يد إلى رجل أعمال

مؤسس «دليس».. تونسي وصل إلى {العالمية} بالحلويات والشوكولاته بأقل نسبة من السكر

جلال غيازة
جلال غيازة
TT

جلال غيازة.. من لاعب كرة يد إلى رجل أعمال

جلال غيازة
جلال غيازة

بعد ساعة من الحديث مع جلال غيازة، مؤسس شركة «دليس» للحلويات والشوكولاته، لا بد أن تخرج بشعور بالخفة ممزوجا بالذنب. خفة يشعر بها أي أحد يقابل رجلا عصاميا تلهمك قصة نجاحه، والذنب لشعورك بأنك اكتسبت كيلوغراما كاملا في هذه الساعة بسبب الحلويات التي سيضعها أمامك فوق الطاولة لكي تتذوقها مبررا أن الأمر ضروري لكي تفهم ما يتكلم عنه.
الصورة التي تتبادر إلى الذهن قبل مقابلته هي صورة «شيف» بينما هو في الحقيقة رجل أعمال من الطراز الأول. بادر بفخر «أن تحتل مكانا مميزا واستراتيجيا في محلات (هارودز) اللندنية فهذا أمر يتمناه كل صاحب مشروع، سواء كان من صناع العطور ومستحضرات التجميل والساعات أو من صناع الشوكولاته وغيرها. وأن تسعى إليك هارودز عوض أن تسعى إليها أنت وتطلب ودها، فهذا أمر نادرا ما يحصل، ويدل على أن المنتج أكثر من متميز. وهذا تحديدا ما حصل معي».
تجربته في «دليس» Delices قصة نجاح بكل المقاييس بدأها من الصفر في دبي بقرض قدره 15.000 جنيه إسترليني، والآن تقدر الشركة بـ6 ملايين جنيه إسترليني سنويا، ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم هذا العام بعد افتتاح عدة محلات عالمية، خصوصا أن أي أرباح يجنيها يستثمرها في الشركة عوض إطلاق أي مشاريع أخرى. بدأت قصة هذا الشاب التونسي منذ 32 عاما، عندما شد الرحال إلى قطر كلاعب كرة يد محترف. بعد خمس سنوات، توقف عن اللعب وأسس أول شركة تجارية تخصصت في استيراد وتصدير الكافيار الإيراني. كان ذلك في عام 1987. وبعد سبع سنوات، قرر التوجه إلى دبي، ربما لأن حسه التجاري دله بأن مستقبله سيكون فيها، بحكم أن الإمكانيات فيها أكبر. كان لا بد أن يغير تجارته واتجه لتمثيل مجموعة من الماركات العالمية، مثل قهوة لافازا والمعكرونة الإيطالية وغيرهما. يعترف «كانت هناك نجاحات وأيضا أخطاء تعلمت منها الكثير، لهذا عندما أطلقت شركة (دليس) لم يكن هناك مجال للخطأ، وكان لا بد أن أنجح لا سيما أن فكرتها كانت تتوفر على كل عناصر النجاح بالنسبة لي».
عند سؤاله عن الأخطاء الكثيرة التي يقول: إنه تعلم منها، يجيب:
«تعلمت أن لا أبدأ أي مشروع قبل أن أدرسه تماما من كل الجوانب وبطريقة متحفظة، وعاهدت نفسي بعدم الاقتراض أو الاعتماد ماليا على أي جهة خارجية. وإذا كانت هناك أي نصيحة يمكن أن أسديها لأي شخص يريد أن يطلق مشروعا خاصا به، فهي أن يبدأ بماله الخاص وأن يكون لديه ما يكفي لتغطية أول عامين. طبعا هذا هو الأمثل، لأني أعرف أنه ليس بإمكان الكل أن يبدأ من دون تمويل خارجي، لكني أركز على أهمية هذه النقطة لأن تفكير صاحب المشروع يكون منصبا على التطوير والتوسع وليس على الجري وراء تحقيق الربح لسد الدين. طبعا عدم الخبرة والطموح الجامح أيضا من العناصر التي تشكل عائقا». لا يخفي جلال أن كل إنجازاته وأخطائه كانت ميدانية، فقد تحول من لاعب كرة يد إلى رجل أعمال لأنه شعر بأن العمر يمر وبأن الوقت كان مناسبا لكي يتفرع إلى مجال آخر. لم تكن لديه أي خبرة تجارية أو تكوين إداري، إذ درس الفيزياء والكيمياء والهندسة الميكانيكية، وهي تخصصات لم تحضره لإدارة الأعمال «ربما يكون هذا هو السبب في المطبات التي تعرضت لها في بدايتي والقرارات التي لم تكن مدروسة بقدر ما كانت مندفعة» حسب تعليقه.
أول تجربة له في مجال الأعمال، كانت مع منتج لا يقل ترفا عما يقدمه الآن في «دليس» ألا وهو الكافيار. اعتمد فيه كليا على حسه، وكان درسا مفيدا في مجال التسويق وكيف يمكن تأسيس شركة بأسس قوية وصحيحة. يعترف: «كنت أشتري الكافيار الذي يجلبه الصيادون الإيرانيون إلى موانئ دبي بطريقة غير قانونية. كنت أشتريه بكميات كبيرة ثم أعلبه وأغلفه وأرسله لزبائن في ألمانيا وفرنسا وغيرها من البلدان. لكن لا يصح إلا الصحيح، فبعد بضع سنوات، وقعت دولة الإمارات اتفاقية مع إيران تفيد بأن أي شيء يصل إليها يجب أن تدعمه أوراق قانونية وتوقيعات رسمية، الأمر الذي أثر على كميات الكافيار التي أصبحت تصلني. تجربتي في مجال المنتجات المترفة، شجعتني أن أبقى في نفس المجال. وبالفعل أطلقت بعد ذلك ماركة زيت زيتون باسم (نجلا) ارتقت إلى المرتبة الثانية في الشرق الأوسط من حيث مبيعاتها، لكني عندما وجدت ثغرة في السوق في مجال الحلويات والشوكولاته المتميزة شكلا ومواد، لم أتردد وتفرغت لها تماما، لأني كنت مثل المتخبط الذي وجد ضالته أخيرا».
ما شجعه أيضا أنه يعرف كيف تصنع الحلويات في تونس منذ أن كان طفلا يتابع بعيون فضولية والدته ونساء العائلة وهم يعجنونها ويلولبونها أو يقطعونها ضمن طقوس جميلة، كانت تجعله يترقب بلهفة خروجها من الفرن لكي يتذوقها. أخذ الفكرة وطورها بأسلوب يواكب متطلبات العصر «إذ لم يكن من الممكن أن أطرحها بنفس الشكل التقليدي أو أصنعها بنفس الطريقة، فقد تغير الوقت، كذلك الأذواق لا سيما أني كنت أريد أن أتوجه بها إلى العالم، الذي أصبح واعيا لمخاطر السمنة وتبعاتها الصحية. من هنا جاءت فكرة أن أصنعها بنسبة سكر أقل وبمواد طرية لا تحتاج إليه كثيرا. أوليت أهمية كبيرة للشكل أيضا، وحرصت أن تكون بمثابة تحف فنية صغيرة تغذي العين وتمتعها قبل البطن. لم يكن هناك أدنى شك بأنها يجب أن تكون منتجا راقيا، لكي تبرر سعرها وتواجدها في أماكن بيع مهمة، سواء تعلق الأمر بمحلات مثل (هارودز) أو بفنادق خمس نجوم يزيد عددهم في كل عام».
على ذكر الفنادق، لا ينكر جلال فضل فندق مدينة الجميرة عليه، فنقطة التحول بالنسبة له بعد إطلاقه شركة «دليس» بثمانية أشهر فقط كانت تعاقد الفندق معه على توفير كميات كبيرة تقدر بـ12.000 علبة. بعد ذلك أصبح كل شيء في خبر كان، حيث ترامى الخبر إلى باقي الفنادق الذين تسابقوا للحصول على كميات لا يستهان بها، وبشكل منتظم إلى حد اليوم. بعد أسبوع فقط من تعاقده مع فندق مدينة الجميرة، توسعت شركته التي كانت تعتمد على 4 موظفين فقط لتضم 25 موظفا، يزيد عددهم كلما افتتح فرعا جديدا في بلد ما. فبالإضافة إلى الشرق الأوسط، تتواجد «دليس» حاليا في أرمينيا وأذربيجان كما في لندن وقريبا بلدان أخرى، مثل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
يشير بكل تواضع: «أعتقد أن أي شخص يمكن أن يحقق النجاح إذا كان يحب عمله وكان مستعدا للتفاني فيه. فكلما أعطاه من جهده ووقته جنى وحصد. أنا، مثلا، لم أطلب ود محلات هارودز بل هم الذين طلبوا التعاون معي، واستغرقت المفاوضات بيننا مدة طويلة لأني كنت في موقف قوة، وكان لا بد لهم أن يقبلوا بشروطي، الأمر الذي لم يكن ليحصل في حال ما كنت أنا بحاجة إليهم. أنا سعيد بالأمر لكن لا يزال أمامنا الكثير، فوجودي في هارودز مهم لأنه بمثابة استثمار للتعريف بالماركة لشرائح جديدة من الزبائن. يمكنني القول بأنه بمثابة مفتاح يمكن أن يفتح لي أبوابا أخرى، لأنني مؤمن بأن دليس ليست مجرد اسم آخر في مجال صنع الحلويات والشوكولاته، بل هي ماركة قائمة بحد ذاتها، بدليل أن زبائننا يتضاعفون كل عام، بعد أن باتوا يعرفونها ويثقون بها، كما أنها ترسخت في ذهنهم كماركة عالمية معروفة ومضمونة».
عندما يذكر اسم «باتشي» أمامه وبأنه قد يكون منافسا قويا، خصوصا أن الزبائن العرب تعودوا عليه وأصبح بينهم وبينه ما يشبه الولاء الناتج عن التعود، يرد متململا لكن بثقة: «أعد الكل منافسا لنا حتى صناع العطور المتخصصة. أما من ناحية المنتج نفسه فإني لا أعد (باتشي) منافسا لأنه مختلف تماما عما نقدمه. نحن نقدم أجود أنواع الشوكولاته في العالم ولا نستعمل أي ملونات ولا أي مواد غير طبيعية، كما توصلنا إلى وصفات نستعمل فيها نسبة أقل من السكر من دون تأثير على المذاق. لهذا اسمحي لي بالقول: إننا مختلفون عن غيرنا. منافسنا في الواقع هو أي شركة أو منتج يمكن أن يشكل هدية قيمة في أي مناسبة من المناسبات».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».