نصير شمه أبهر السعوديين... وأبهروه

قال إنه يكمل عمل أحد السومريين قبل آلاف السنين

مايسترو العود العالمي نصير شمه (الشرق الأوسط)  -  جانب من حفل نصير شمه على مسرح إثراء (الشرق الأوسط)
مايسترو العود العالمي نصير شمه (الشرق الأوسط) - جانب من حفل نصير شمه على مسرح إثراء (الشرق الأوسط)
TT

نصير شمه أبهر السعوديين... وأبهروه

مايسترو العود العالمي نصير شمه (الشرق الأوسط)  -  جانب من حفل نصير شمه على مسرح إثراء (الشرق الأوسط)
مايسترو العود العالمي نصير شمه (الشرق الأوسط) - جانب من حفل نصير شمه على مسرح إثراء (الشرق الأوسط)

«عشقي للعود مثل القدر، يمكن من خلال هذا العشق أن أكمل عمل أحد السومريين الذي بدأه قبل آلاف السنين، ويمكن أن تكون الجينات هي التي تدفعني لهذا المجال»، هكذا لخص الموسيقار العالمي نصير شمه شغفه بالعود.
«من آشور إلى إشبيليه، ورقصة الفرس، وغداً أجمل، وتانغو، وإشراق، وبينها أبجديات الموسيقى الشعبية العربية الدلعونه، ويا عين موليتين» تجلى نصير شمه بفرقة من 40 عازفاً جل آلاتها من العود، بأبهى إبداعاته، ففي الحفلات الثلاث التي أقامها على مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، أبهر السعوديين بإبداعاته وبمؤلفاته الموسيقية الشهيرة وبأدائه، كما قدم وصلات عزف مشتركة مع كارلوس بينانا، عازف الفلامنكو الإسباني، وأبهره الحضور الشغوف بالموسيقى.
في استراحة بين مقطوعتين موسيقيتين أعطى شمه ملخصاً لتاريخ آلة العود، أقدم آلة موسيقية في التاريخ، قال: «إن العود ابتكره السومريون في بلاد الرافدين، قبل أكثر من 4 آلاف عام من ثم انتقل إلى حضارة وادي النيل بعد ذلك بأكثر من ألف سنة، لينتقل بعدها إلى حضارة فارس، وهنا داعب الجمهور الحاضر «صحيح احنا مختلفين معاهم هالساع، لكن إحنا اللي قدمنا لهم العود»، ليضج المسرح بالتصفيق.
عندما يتحدث شمه عن العود، تختلط الموسيقى بكل شيء، تبدأ من التاريخ لتنتقل إلى الفيزياء ولا تتوقف عند الصوت «النغمة» التي ما زال يبحث عنها بشغف لا حد له كما يقول، فعندما يسكت العود يتحدث نصير شمه بلغة خاصة هي خليط موسيقي ثقافي علمي مبهر، تبدو هذه اللغة بسيطةً لكنها عميقة جداً.
ويقول شمه عن شغفه بآلة العود: «كنت أعزف 15 ساعة يومياً حتى أصل إلى صوت العود الذي أجده يتردد في رأسي»، وعندما سئل عن كثافة آلات العود في الفرقة والتي تضم 25 عازف عود في وقت واحد، كما يسعى شمه لأن تكون جميع آلات أوركسترا بيت العود الوترية من العود قال لـ«الشرق الأوسط»: «أسعى لأن تكون الأوركسترا بالكامل من الآلات الشبيهة بالعود»، وتابع: «هذه الأصوات»، أشار إلى الآلات المبتكرة العودلا، والعودلين، والعودلو - خارجة من التسلسل الموسيقي للعود، مؤكداً أنه يسعى للوصول عبر البحث إلى استخراج صوت جديد من العود، وشدد على أن الآلات المبتكرة هي عودة مرة أخرى للعود لاكتشاف نغمات جديدة وأصوات جديدة تثري الموسيقى العربية والعالمية وتأخذ مكانها.
يقول شمه: «كانت فرقة إسحاق الموصلي في العهد العباسي تتكون من 400 عازف عود، أريد أن أصل لهذا الصوت وهذا الانسجام الذي صنعه بين 400 عازف في وقت واحد».
وعن تقبل الموسيقيين لآلاته المبتكرة يقول شمه: «عندما نقدم آلات جديدة بحس وصوت جديدين لإضافة لمسة إبداع سيكون لها قبول».
مايسترو العود وعلى مدى ثلاث حفلات، أبهر جمهوره في السعودية بإبداعاته الموسيقية، إزاء ذلك كان شمه سعيداً بالحضور الكبير لحفلاته الثلاث، كما أشار أكثر من مرة إلى شغف السعوديين بالعود وأنهم زبونه الأول على مستوى العالم، حيث يشتغل بيت العود على إنتاج هذه الآلات وتسويقها، ويعتبر السوق السعودية الأكثر طلباً لآلة العود. ويقول شمه: «اليوم أعزف لهم هنا على مسرح إثراء وبهذا الحضور الرائع، وقبل ذلك كنت ألتقيهم في كل حفلة أقيمها سواء في الوطن العربي أو في أوروبا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».