ألعاب طفولة الفنانين.. في معرض جماعي بمراكش

يشارك فيه 24 تشكيليا من المغرب وخارجه

جانب من معرض «طفولات الفن» برواق «أسود على أبيض» في مراكش المغربية («الشرق الأوسط»)
جانب من معرض «طفولات الفن» برواق «أسود على أبيض» في مراكش المغربية («الشرق الأوسط»)
TT

ألعاب طفولة الفنانين.. في معرض جماعي بمراكش

جانب من معرض «طفولات الفن» برواق «أسود على أبيض» في مراكش المغربية («الشرق الأوسط»)
جانب من معرض «طفولات الفن» برواق «أسود على أبيض» في مراكش المغربية («الشرق الأوسط»)

فنانون تشكيليون ومصورون فوتوغرافيون، من المغرب ومن خارجه، يحضرون بأعمالهم في معرض جماعي، برواق «أسود على أبيض» بمراكش. عددهم 24، بينهم ماحي بينبين وعزيز أزغاي وأحمد بنسماعيل وصلاح بنجاكان وحسن نديم ومحمد مرابطي ومولاي يوسف الكهفعي وأحمد حجوبي وتيباري كنتور ورشيد بكار وجيهان ريحاني ونوال السقاط ومعاد الجباري وفرح الشاوي وعبد الحق اليوسي، فضلا عن فلورنس أرنولد ومارتين بيغوت وكريستوف ميراليس وبياتريس نيرتان وألان غاريز. فنانون، بقدر ما فرقت بينهم بلدان وأماكن وتواريخ الولادة والعيش، جمعهم مشترك فترة الطفولة في حياة كل واحد منهم.
المعرض الذي اتخذ له موضوع «طفولات الفن»، استطاع أن يلامس داخل كل فنان مشارك طفولة موشومة في ذاكرته، لذلك لم يفعل هؤلاء الفنانون أكثر من استعادة بساطة هذه الطفولة وترجمة الحنين الذي تحمله وتمثله عبر الألوان والألعاب ووسائل الترفيه التي مارسوها، في طفولتهم من قبيل «تيك شبيلة تيوليولة» و«حابا» و«السيس» و«الطعريجة» و«المونيكة» و«العروسة» و«تاغونجة» و«المقلاع» و«البي» و«الترومبية» و«فين دارنا» و«جرادة مالحة» و«لاستيك» و«ضاما» و«الكارطة» و«الحبل»، وغيرها من الألعاب واللعب المحلية، التي فجرت بين الفنانين المشاركين، خاصة المغاربة منهم، لحظات حنين جارف نحو طفولة ضاعت بساطتها في خضم تعقد الحياة وكثرة الانشغالات اليومية المتكررة التي أخذت الفرد من نفسه ومن ذاتيته.
ولكن استعادة ألعاب الطفولة في معرض فني لم تمنع المنظمين والفنانين المشاركين أن يكونوا جديين بصدد أسعار الأعمال المعروضة. وهكذا، فإذا كان لموضوع الأعمال المنجزة عنوان واحد يربط الطفولة وألعابها بالفن، فإن ترجمة ذلك قد جاءت بمستويات متباينة، تبعا لاسم الفنان المشارك ونوعية المشاركة، الشيء الذي جعلنا بصدد أعمال فنية تتراوح أسعارها ما بين 250 يورو و10 آلاف يورو. مثلا، منحوتة «عصافير الجنة» لمارتين بيجو وضع لها سعر ثمانية آلاف يورو، بينما وضع للوحة «غميضة» لصلاح بنجاكان 10 آلاف يورو، ولـ«طعريجة» لماحي بينبين خمسة آلاف يورو، ولـ«تاغونجة» لأحمد بنسماعيل 1800 يورو، ولـ«أستاذ الرياضيات» لعبد الحق اليوسي 2800 يورو.
كل ألعاب الطفولة بدت حاضرة في أعمال الفنانين المشاركين، رابطة بينهم كأنهم من نسيج واحد، تؤكد وحدة الطفولة ومشتركها، كما تؤكد أن الطفل طفل في لعبه وفي إقباله على الحياة، سواء كان في أقصى الشرق أو أقصى الغرب، في أقصى شمال الأرض أو في أقصى جنوبها، لا يفعل غير اللعب، لأنه لا يجيد غيره، في انتظار رجولة تتطلب مسؤولية وجدية لا لعبا.
هناك أمر آخر، غاية في الأهمية، يتلخص في أنه يوجد بين الفن والطفولة أكثر من رابط ومشترك، لذلك كتب الشاعر الفرنسي شارل بودلير قائلا إن «اللعبة هي أول تمرين يقوم به الطفل في عالم الفن». بل يذهب البعض إلى أن الطفولة، بذكرياتها، وبما تحمله من دفء وحنين إلى الماضي تجسد أساسات العمل الفني المستقبلي للفنان، فحين يبدع فنان ما، فإن الطفل الذي يوجد في داخله هو من يتكلم ويعبر، وهو نفسه الطفل الذي أراد المسؤولون عن تنظيم المعرض الجماعي تسليط الضوء عليه، بجعله مضمونا لأعمال الفنانين المشاركين، بشكل يؤكد أن الأطفال والفنانين، سواء كانوا أطفالا صغارا أم فنانين كبارا، يشتركون في أن لهم نفس النظرة التي تحاول اكتشاف اللامتوقع. لذلك، أتى المعرض، حسب إدارة الرواق لـ«إبراز بعض كتابات الفنانين المشاركين وتكريم كل الفنانين الذين عرفوا كيف يحافظون على روح الطفولة في داخلهم»، ألم يقل الفنان الإسباني بابلو بيكاسو «داخل كل طفل هناك فنان. المشكلة هي في معرفة كيف يبقى هذا الطفل فنانا مع التقدم في العمر»؟! وهو كلام يقابله كلام بنفس التوجه والمضمون، للفنان الفرنسي رونيه ماغريت، يقول فيه: «حافظت دائما على تلك العلامة وذلك السحر الذي يجسده الفن الذي عرفته في طفولتي».
وعن مشاركته في معرض جماعي يدور حول موضوع ألعاب الطفولة، لم يخف ماحي بينبين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما يمثله الاشتغال على موضوع «الطفولة والفن» من حنين واستعادة لطفولته بـ«رياض الزيتون» في عمق المدينة القديمة بمراكش، حيث لم يكن يعرف غير اللعب والتهام الحلوى، مشيرا إلى أنه فضل الاشتغال على «الطعريجة»، كآلة موسيقية، نظرا لما علق في ذاكرته بخصوصها، وأخذا بعين الاعتبار ما تمثله بالنسبة للمراكشيين، بشكل عام، على المستوى الاحتفالي والفرجوي، مبرزا أنه ظل مأخوذا، في صغره، بأشكالها العجيبة وتفاوت ألوانها وأشكالها بين الرجال والنساء.
من جهته، قال أحمد بنسماعيل إنه لم يفعل باستعادته لـ«تاغونجة» إلا العودة إلى ما علق بذاكرته وهو طفل في عمق المدينة القديمة لمراكش، وما مثلته أحياؤها وساحاتها من فرجة، سواء للكبار أو الصغار.
وانسجاما مع فكرة المعرض، فقد جاء حفل افتتاح المعرض متماهيا مع موضوع الأعمال المنجزة، حيث أعادت الحلويات، التي وضعت رهن إشارة الحضور الذي غصت به قاعة المعرض، إلى ما أثث لطفولتهم، خاصة حلويات «العب وكل» و«جبان كل وبان» و«باسطة» و«هنريس».. حلويات سعد الكبار بالتهامها، وهم، اليوم، رجال ونساء، آباء وأمهات، بنفس النهم والإقبال الذي ميز طفولتهم، حنين ممتع جعلهم يتمنون، في دواخلهم، لو أنهم عادوا أطفالا، لا يهتمون بشيء من الدنيا، إلا اللعب صباح مساء.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».