الأزمة الحكومية توسّع مهام اللواء عباس إبراهيم في اتجاه السياسة

المدير العام للأمن العام وسطي ويشكل تقاطعاً بين الرئاسات الثلاث

لقاء وزير الخارجية ومدير الأمن العام أمس (الوكالة الوطنية)
لقاء وزير الخارجية ومدير الأمن العام أمس (الوكالة الوطنية)
TT

الأزمة الحكومية توسّع مهام اللواء عباس إبراهيم في اتجاه السياسة

لقاء وزير الخارجية ومدير الأمن العام أمس (الوكالة الوطنية)
لقاء وزير الخارجية ومدير الأمن العام أمس (الوكالة الوطنية)

عكست المبادرة الحكومية التي تولاها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم بتكليف من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، توسيع مهامه من المفاوضات الأمنية الداخلية والدبلوماسية وذات البُعد الدبلوماسي، إلى المفاوضات السياسية، وهو ما كرّس الواقع القائل إن اختيار إبراهيم لهذا الملف ينطلق من أنه «شخصية مقبولة من الجميع» ووسطية، وتمثل تقاطعاً بين أركان الحكم والطوائف، بالنظر إلى أنه شيعي يحظى بدعم الثنائي الشيعي، فضلاً عن أنه موظف يتبع إدارياً وزارة الداخلية التي يتولاها سنّي، فيما يعدّ مستشاراً أمنياً لرئيس الجمهورية الماروني.
وتعزز موقع مدير عام الأمن العام في سنة 1998، عندما تولى الموقع شخصية شيعية لأول مرة (هو اللواء جميل السيد). وتولى الموقع من بعد ذلك، 3 ضباط، آخرهم اللواء إبراهيم الذي يتسلم المهام الآن بصفته المدنية وليست العسكرية، بعد بلوغه سن التقاعد العسكري قبل سنوات. ذلك أن الضابط من رتبة «لواء» يُحال إلى التقاعد في عمر الـ59 عاماً، بينما الموظف المدني يُحال إلى التقاعد بعمر الـ64.
وتعززت صلاحيات مدير عام الأمن العام إثر تفويض أعطي من وزير الداخلية (تفويض من الرئيس إلى المرؤوس) ببعض صلاحياته فيما يختص بالمديرية العامة للأمن العام، ويبقى تدخل الوزير في وضع توقيعه على القرارات، مما يعني أن مدير عام الأمن العام يتمتع بهامش لأن طبيعة موقعه أمنية وسياسية، خلافاً لمدير عام قوى الأمن أو مدير المخابرات في الجيش.
يقول مرجع قانوني لـ«الشرق الأوسط» إن مدير عام الأمن العام، في الأعراف السياسية، هو مستشار لرئيس الجمهورية في الأمور السياسية والأمنية. وتدخل في صلب صلاحياته القانونية كل الملفات المرتبطة بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويطلع الرئيس عليها.
من هنا يأتي تكليف اللواء إبراهيم، الذي يوصف بأنه مقبول من جميع الأطراف، ويمثل نقطة تلاقٍ بين الرئاسات الثلاث (الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة)، تضاف إليها سلسلة مهام أمنية ودبلوماسية تكفلها في السابق، بدءاً من المفاوضات مع أطراف فلسطينية في عام 2008 لتثبيت الاستقرار في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب (مخيم عين الحلوة) بعد معارك نهر البارد، وصولاً إلى صفقات الإفراج عن الزوار اللبنانيين الذين كانوا محتجزين في اعزاز السورية عام 2013، وبعدها راهبات معلولا في 2014، ومفاوضات الإفراج عن أسرى لـ«حزب الله» لدى فصائل المعارضة السورية، وإخراج المسلحين المتطرفين من الجرود اللبنانية الحدودية مع سوريا، إضافة إلى مبادرات الأمن لإعادة النازحين السوريين طوعاً إلى بلادهم.
ولا يخفي الوزير الأسبق ادمون رزق أن «المدير العام للأمن العام» مسؤول عن الأمن في الأساس، لكنه في وظيفة عامة «يمكن أن تُكلف بأي مهمة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تكليف اللواء إبراهيم «ينطلق من أنه رجل ناجح، وقادر على تأدية مهامه»، مستذكراً مهام شبيهة كانت تُعطى لمدير المخابرات في السابق، في إشارة إلى مهام لمديري المخابرات سيمون قسيس وجوني عبدو في الثمانينات.
وقال رزق: «من جهتي؛ أنا أثني على ما يقوم به اللواء إبراهيم، لأنه ينفذ مهام شائكة خارج إطار المهام الأساسية ومسؤولياته الأمنية والإدارية في المديرية، وهو لا يقوم بها بصفته مديرا عاما للأمن العام، بل بصفة شخصية، وهذا دليل على كفاءة شخصية»، لكنه قال إنه بالمبدأ، يتحفظ على فكرة المبادرات... «الاعتماد على المبادرات بدل حُسن التصرف على مستوى السياسيين المسؤولين، دليل عجز، لأن من هم معنيون بالقرار، يجب أن يكونوا أصحاب قرار ولا يذهبون إلى المبادرات، لأن ذلك دليل على خلل».
ويلتقي هذا الرأي مع ما نقلته «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر عدّت أن ما حدث «شكّل تهميشاً كبيراً للدستور اللبناني ولقواعد وأصول تشكيل الحكومات»، قائلة إن «المسعى التسووي حوّل الرئيس المكلّف إلى طرف في (تعقيدات) التشكيل، بينما يفترض أن يكون (الحكم) في هذه اللعبة؛ لا بل قائدها، بالتشاور والتنسيق مع رئيس الجمهورية».
غير أن العارفين بالوضع اللبناني يقولون إن الأوضاع الدقيقة تضطر المسؤولين للذهاب إلى المبادرات ومراعاة التوازنات السياسية والطائفية، وهو ما يشرع اللجوء إلى مفاوضات شاقة لتسوية الخلافات المحيطة بقضايا مختلفة، بينها تشكيل الحكومة، التي استقرت على مبادلة الوزير السني من حصة رئيس الجمهورية بوزير يمثل «اللقاء التشاوري».
وبدا من المداولات الإعلامية، أمس، حول تكليف اللواء إبراهيم خلفاً للوزير جبران باسيل، بعض التعجب من المهمة، وتساءلت مصادر عبر «وكالة الأنباء المركزية» عما إذا كانت ثمة جهات سياسية محلّية رفضت ذهاب «الإنجاز» الحكومي المنتظر إلى «رصيد» باسيل، نظرا إلى أن علاقتها به ليست في أفضل أيامها. وهنا تغمز المصادر من قناةٍ «حزب الله» الذي يفصل اليوم بين علاقته مع بعبدا وعلاقته مع رئيس التيار الوطني الحر، لتشير إلى أن مسار الاتصالات، حكوميا، أوحى بأن الضاحية لم تسهّل مسعى باسيل؛ إذ أحجمت عن التدخّل لتليين موقف حلفائها السنّة إبان اضطلاع رئيس التيار بالمبادرة. وبحسب تلك المصادر؛ «فإن دخول إبراهيم على خط المسعى يشكّل مكسبا مزدوجا لـ(حزب الله)؛ فالأخير سيُظهر من خلاله أنه بقي على موقفه في مساندة ما يراه سنة (التشاوري) مناسبا لهم؛ من جهة، وسيقطع الطريق أمام فوز باسيل (سياسيا)، ليجيّر هذا (الإنجاز) لصالح إبراهيم بما يمثّله؛ من جهة ثانية».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.