عروض الأزياء... سخاء ميزانياتها وسحر أماكن عرضها يعززان أهميتها تجارياً

مصمم دار «لويس فويتون» يفتتح عبر «إنستغرام» مجدداً ملف الـ«كروز»

سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»
سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»
TT

عروض الأزياء... سخاء ميزانياتها وسحر أماكن عرضها يعززان أهميتها تجارياً

سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»
سفينة «لابوزا» في عرض «شانيل»

نشر نيكولا غيسكيير، مصمم «لويس فويتون» في الأسبوع الماضي تعليقا على صفحته في «إنستغرام»، يعلن فيها أن عرض الدار الفرنسية من خط «الكروز» القادم، والمفترض أن يكون في الثامن من شهر مايو (أيار) العام المقبل، سيقام في نيويورك. ولمن لا يعرف أي شيء عن عروض «الكروز» فهي تقام سنوياً في شهر مايو، لهذا ليس غريباً أن يكون أول ما سيتبادر إلى الذهن بعد قراءة التعليق أن الوقت جد مبكر عن الإعلان عن مكان العرض. غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فقد يكون الأمر أيضاً تسويقاً، أو بالأحرى تذكيراً بأن الأزياء التي عُرضت في شهر مايو الماضي قد تم طرحها مؤخراً في المحلات لتنافس تشكيلات الخريف والشتاء التي أصبح وقتها محسوباً، لأنها ستتعرض قريباً إلى حملة تنزيلات كبيرة للتخلص منها لتحل محلها أزياء الربيع والصيف. خط الكروز في المقابل هو لكل المناسبات ولا يعترف بموسم أو فصل.
تعليق نيكولا غيسكيير يؤكد حقيقة باتت تعرفها أوساط الموضة جيداً، وهي أن البحث عن مكان مناسب لإقامة عرض الـ«كروز» بالنسبة لأي دار أزياء، أمر في غاية الأهمية. يبدأ قبل عام تقريباً من العرض إن لم يكن أكثر، بواسطة فريق متخصص، تقتصر مهمته على البحث عن وجهات تُلهب الخيال. الشرط أن تربطها بالدار علاقة ما، مثل وجود زبونات مهمات فيها، تريد استقطابهن أو الإبقاء عليهن، أو افتتاح محل رئيسي فيها وما شابه من أمور. فهذا الخط، كما تؤكده أرقام المبيعات، أصبح بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً لبيوت الأزياء والمصممين على حد سواء، وبالتالي لا يمكن التهاون فيه أو الاستهانة به.
لا تهم تكلفة عروضه حتى وإن تعدت الملايين من الدولارات، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل دار تستضيف نحو 600 ضيف أو أكثر على حسابها الخاص. من رحلات جوية من الدرجة الأولى إلى إقامة في فنادق فخمة من فئة الخمس نجوم، مروراً ببرامج ترفيهية لا تنتهي. فعندما أقامت «شانيل» عرضها في دبي لأول مرة، مثلاً، تردد أنها صرفت نحو 1.7 مليون دولار أميركي. المبلغ رغم ضخامته إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العرض لا يستغرق أكثر من 20 دقيقة تقريباً مُبرر لأنه يُرسخ مكانتها ويُشعل الحلم بمنتجاتها، لا سيما وأنها تعرف مُسبقاً أنها ستسترجع هذه الملايين أضعافاً مضاعفة. فهذا الخط يشكل حالياً نحو 70 في المائة من المبيعات بالنسبة لجميع بيوت الأزياء. ما يؤكد أهمية ذلك، تصريح سابق لرئيس دار «شانيل» التنفيذي برونو بافلوفسكي، أنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث المبيعات، وأحياناً الأولى، من بين الثمان تشكيلات التي تقدمها الدار سنوياً.
ما يُحسب له أنه يبقى في المحلات مدة أطول من التشكيلات الموسمية الأخرى. فبالإضافة إلى مراعاته لتغيرات أحوال الطقس فإنه يأخذ بعين الاعتبار تغيرات الخريطة الاجتماعية والاقتصادية أيضاً.
دور أزياء أخرى لم تُقصر في هذا المجال، مثل «ديور» و«غوتشي» و«لويس فويتون» و«برادا» وغيرهم ممن لهم الإمكانيات لإقامة عروض بإخراج ضخم. يؤكدون دائماً أن هذه العروض ليست عن الأزياء وحدها بقدر ما هي محاولة لتقديم تجربة يخصون بها ضيوفاً منتقين بعناية يريدونهم أن ينغمسوا في عالمهم الخاص، ولا بأس في الوقت ذاته أن يستقطبوا زبائن جدد لهم طموحات بدخول هذا النادي في يوم من الأيام. فحتى إن لم يتمكنوا من حضور هذه العروض، أو شراء قطعة أزياء باهظة الثمن، فإنهم سيُوفرون لشراء حقيبة يد أو حذاء أو حتى عطر، يحمل اسم الدار ويحملهم إلى عالم بعيد لا يربطهم به سوى الحلم والأمل.
المتعارف عليه في مايو من كل عام أن السفر إلى مكان بعيد وجديد مثل هافانا بكوبا أو لوس أنجليس أو اليابان أو جنوب كوريا وما شابه من وجهات، يعتبر جزءاً مهماً من التجربة ككل. هذا العام، وخلافاً للأعوام السابقة، كان اللافت أن أغلب بيوت الأزياء الفرنسية أو المملوكة لمجموعات فرنسية مثل «إل إف إم إتش» و«كيرينغ» اختارت البقاء في فرنسا، فيما أعطى انطباعاً بأنه حملة ترويجية للسياحة المحلية. بينما اختارت «شانيل» «لوغران باليه» وسط باريس، توجهت «غوتشي» إلى آرلز، جنوب فرنسا و«لويس فويتون» إلى «سانت بول دي فنس» أيضاً بجنوب فرنسا و«ديور» إلى «شانتيلي» شمال باريس. لا يمكن اتهام أي من هاته البيوت، بالتقشف أو بأنها تريد تقليص ميزانياتها، لأن هذا ليس وارداً. ما يمكن قوله إنه، وبكل بساطة، كان دعماً للاقتصاد الفرنسي، الذي تضرر في عهد فرنسوا هولاند، الرئيس الفرنسي السابق وانتعش في عهد الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون. وهكذا قدمت دار «غوتشي» عرضها في مقبرة رومانية قديمة، أشار إليها دانتي في كتابه «الجحيم»، الأمر الذي زاد من رهبة الأجواء ودرامية الأزياء. قالت الدار إن الحضور تعرفوا فيها على مكان تاريخي. لكن ما لم تتوقعه الدار أنها روجت بطريقة غير مباشرة للمنطقة التي لم يكن يضعها السياح ضمن أولوياتهم من قبل.
«ديور» هي الأخرى بقيت في فرنسا واختارت قصر شانتيلي، وتحديداً إسطبله الشهير الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، لكن أنظارها وروحها كانت موجهة نحو المكسيك. منذ الثانية الأولى التي بدأ فيها العرض، ظهرت فرقة مكسيكية مكونة من 8 فارسات على صهوة جياد وهن في فساتين بتنورات واسعة وطويلة تشدها من الخصر أحزمة عريضة من تصميم الدار في صورة أرادتها المصممة ماريا غراتزيا كيوري أن تكون امتداداً حملة نسوية بدأتها منذ توليها الإدارة الفنية للدار.
من جهتها، اختارت «لويس فويتون» الريفييرا الفرنسية. تبريرها أنها شهدت افتتاح أول محل لها فيها خارج باريس. كان ذلك في عام 1908، وقالت إنه كان تلبية لطلبات زبائن من أمثال الكاتب فرانسيس سكوت فيزتجرالد وفرنسواز ساغان وويليام سومرست موغام، ممن كانوا يعشقون المنطقة ومنتجات الدار على حد سواء. ولمزيد من التبرير، أشار مصممها غيكسيير أن اختيار متحف مايغت بالذات كمسرح للعرض يُمثل نوعاً آخر من السفر. أي السفر بمعنى الاكتشاف. رأي ربما كانت غابرييل شانيل ستختلف معه لو سمعته وهي على قيد الحياة، لأن فكرتها عن السفر هي البحر بمياهه اللازوردية وشعابه المرجانية والترحال من منطقة إلى أخرى برفاهية.
وهذا تحديدا ما احترمته الدار في عرضها لعام 2019. ظلت وفية لفكرة الـ«كروز» كما رسمت هي خطوطه في بداية القرن الماضي، إلى حد القول إن كارل لاغرفيلد ترجم هذه الخطوط بأسلوب شبه حرفي بتشييده سفينة أطلق عليها اسم «لابوزا» وصل طولها إلى 148 متراً. للدلالة على حجمها الكبير، فإنها استوعبت نحو 900 شخص استضافتهم الدار على حسابها. حينها صرح مصممها لاغرفيلد أنه كان ينوي أن يأخذهم في رحلة «كروز» حقيقية على شواطئ سانت تروبيه لمدة 24 ساعة، لكن لأسباب لوجيستية تم إلغاء الفكرة والاكتفاء ببناء سفينة تتوفر فيها كل عناصر الراحة، وتحاول المزج بين الإبهار والحقيقة، بإضافة مؤثرات مهمة مثل صوت طائر النورس والأبواق التي افتتح بها العرض، إضافة إلى الموج المتلاطم وما شابه من أمور.
لكن القاسم المشترك بين كل هؤلاء كانت الأزياء، بأقمشتها وألوانها وخطوطها. فالزبون إلى أي محل من محلات هؤلاء، من الآن إلى شهر فبراير (شباط) المقبل، سيلمس مدى نعومتها وخفتها كما سيُنعشه تفتح ألوانها ودعوتها لمعانقة الصيف والحياة. سيكتشف كيف أنها مناسبة لكل الفصول والمواسم وبأنها قطع يمكن أن تبقى معه طويلاً إن تريث في اختيارها، لأنها مزيج جميل بين أزياء موسمي الخريف والشتاء وموسمي الربيع والشتاء.
رغم أن هذا الخط يشهد انتعاشا كبيرا في العقود الأخيرة، فإن البداية كانت في عام 1919 على يد الآنسة غابرييل شانيل. خلال عطلاتها في دوفيل والريفييرا الفرنسية، انتبهت أن هناك شريحة كبيرة من الناس تبحث عن الشمس في عز الشتاء، ولم تكن تجد أزياء ملائمة، من حيث الأقمشة والتصاميم. كان النساء يقضين إجازاتهن في الشواطئ الفرنسية أو على اليخوت بأزياء رسمية تُقيدهن وتحرمهن من الانطلاق، فما كان منها إلا أن طرحت مجموعة بأقمشة منتعشة مثل القطن والجيرسيه، علماً بأن هذا الأخير، أي الجيرسيه، لم يكن يستعمل من قبل في التصاميم الأنيقة. كان استعماله يقتصر على الملابس الرجالية الداخلية. لكنها بحسها المعهود، وحسبما يقول البعض أيضاً، لشح ميزانيتها آنذاك، استعملته في بنطلونات واسعة وجاكيتات مريحة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خزانة المرأة الأنيقة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، التي وجدت فيها بُغيتها وراحتها. ومع ذلك لم تتبلور الفكرة كخط مستقل وقائم بذاته، بل ظلت فقط على شكل مجموعات جانبية ومحدودة جداً. بعد مرور قرن من الزمن، وتحديداً في عام 2000، أحيى كارل لاغرفيلد هذا التقليد. لكن شتان بينه في الماضي وبينه الآن. على العكس من غابرييل شانيل، حلق به كارل لاغرفيلد إلى عوالم بعيدة بلغة سلسة وراقية جعلت الكل ينتظره بلهفة. طبعاً لا ننسى أن الإمكانيات المتاحة له أكبر مما كانت تتوفر الآنسة غابرييل عليه في بداية القرن الماضي. بحس تجاري قوي، انتبهت الدار أن النتائج مضمونة ولا يمكن أن يستهان بها في عصر أصبحت فيه للموضة عدة أوجه تتطلب أدوات متنوعة لتجميلها وتلميعها حتى تتميز عن غيرها. منذ عام 2000 لم يعد هذا الخط يقتصر على من يتوفرون على يخوت أو إمكانيات عالية فحسب، بل أصبح يخاطب كل امرأة أنيقة تريد أزياء لا تعترف بزمان أو مكان. وهكذا زادت قوته سنة بعد سنة، خصوصاً مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وازدهارها. فقد قربت البعيد وحولت الصورة إلى أداة للتسويق. ومن هنا كان لا بد لهذه العروض أن تكون مبهرة شكلاً ومضموناً. الشكل من خلال الأماكن البعيدة التي تختارها والإخراج والديكورات وغيرها، والمضمون من خلال أزياء تجمع الكلاسيكي بالعصري مع بعض الابتكار الجريء الذي لا يتوفر في التشكيلات الموسمية التقليدية. كارل لاغرفيلد، الذي يمكن القول إنه كان عراب هذا الخط، شعر بأن الموضة بشكلها القديم، موسم للخريف والشتاء وموسم للربيع والصيف، لم تعد تكفي أو تُلبي حاجة أسواق عالمية متعطشة لأزياء لا تقل جمالاً وابتكاراً. مهم أن تكون بأسعار أقل مع الاستفادة منها في مناسبات ومواسم أكثر، بغض النظر عن أحوال الطقس. الآن قد لا يكون هذا الخط محتكراً من قبل النخبة فحسب، لكنه لا يزال يتضمن بين ثناياه وفكرته، كل معاني الرفاهية والفخامة. فهذا ما تريد هذه العروض الضخمة، التي تقام في أماكن بعيدة أن ترسخه.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.