الدين العالمي يسجل مستوى غير مسبوق

صندوق النقد يحذّر من خفض جديد لتقديرات النمو

سجل الدين العام العالمي رقماً قياسياً جديداً وصل إلى 184 تريليون دولار (رويترز)
سجل الدين العام العالمي رقماً قياسياً جديداً وصل إلى 184 تريليون دولار (رويترز)
TT

الدين العالمي يسجل مستوى غير مسبوق

سجل الدين العام العالمي رقماً قياسياً جديداً وصل إلى 184 تريليون دولار (رويترز)
سجل الدين العام العالمي رقماً قياسياً جديداً وصل إلى 184 تريليون دولار (رويترز)

في الوقت الذي أظهرت فيه تقارير دولية ارتفاع فيه الدين العالمي لأكثر من 180 تريليون دولار خلال العام الماضي، ليسجل أعلى مستوى على الإطلاق، وسط تحذيرات من مخاطر كبيرة لهذا الارتفاع، حذر مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي من احتمالية خفض توقعات النمو الاقتصادي العالمي، مشيراً إلى أن الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تؤثر بالفعل على ثقة الشركات والاستثمار في آسيا... بينما تتصدر نظرة متشائمة آفاق نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة وسط الحمائية التجارية، إلى جانب حالة عدم اليقين السياسية.
وسجّل الدين العام العالمي رقماً قياسياً جديداً وصل إلى 184 تريليون دولار، وذلك حسبما ذكر صندوق النقد الدولي في آخر تقدير أصدره للدين العام العالمي. ليسجل أعلى مستوى على الإطلاق، كما أنه أعلى بنحو تريليوني دولار عن تقديرات صندوق النقد الدولي السابقة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وحسبما ذكرته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية، ووفقاً للبيانات، فإن متوسط نصيب الفرد من الدين العالمي بلغ 86 ألف دولار، وهو أكبر من متوسط دخل الفرد بنحو مرتين ونصف المرة.
ويعادل حجم الدين العالمي المسجل نحو 225% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، حسب أحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد، والذي حذّر من المخاطر المحتملة لوصول الدين العالمي لهذا الرقم.
وأشارت البيانات إلى أن هذه الزيادة في الدين العالمي نتيجة لزيادة الدين العام في الاقتصادات المتقدمة، والدين الخاص في اقتصادات الأسواق الناشئة. وكان أكبر ثلاثة مقترضين في العالم، وهم على الترتيب الولايات المتحدة والصين واليابان، يمثلون أكثر من نصف الدين العالمي، وما يتجاوز نصيبهم من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي غضون ذلك، نقلت قناة «يورونيوز»، أمس (الاثنين)، عن مدير قسم آسيا والمحيط الهادئ بصندوق النقد الدولي تشانغيونغ ري، توقعه أن يقوم الصندوق بتخفيض توقعات النمو العالمي في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، مضيفاً أن اليابان وكوريا الجنوبية من الممكن لهما أن تتأثرا أكثر من أي دول أخرى بالحرب التجارية، وذلك لاعتمادهما على التصدير إلى الصين، مشيراً إلى أن «النمو العالمي سيشهد تباطؤا أكثر مما توقعنا في أكتوبر الماضي».
وأوضح التقرير أن صندوق النقد، آخذاً في الحسبان التداعيات المحتملة للحرب التجارية الصينية الأميركية، فإنه خفّض من توقعاته للنمو العالمي في أكتوبر الماضي إلى 3.7% لعامي 2018 و2019، مقابل توقعات سابقة للعامين بلغت 3.9% في يوليو (تموز) الماضي. وتوقع «النقد الدولي» أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في آسيا خلال العام المقبل إلى 5.4%، مقابل 5.6% العام الجاري.
وكان كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، قد توقع الأسبوع الماضي أن تلمس الولايات المتحدة تداعيات تباطؤ النمو الاقتصادي المسجّل في بقية أنحاء العالم، مستبعداً في الوقت الراهن انكماش أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وقال موريس أوبستفلد في تصريحات صحافية: «نحن نتوقّع منذ فترة تباطؤاً تدريجياً للنمو الأميركي في 2019 مقارنةً بالعام الحالي»، مع تراجع التحفيزات الضريبية والمالية التي تقدّمها الإدارة الأميركية. مشيراً إلى أن التباطؤ «سيكون أكبر في 2020 مقارنةً مع 2019، حسب معطياتنا»، في حين خفّض الصندوق توقّعاته للنمو الأميركي للعام المقبل من 2.9 إلى 2.5%.
وتابع كبير الخبراء الاقتصاديين: «بالنسبة إلى بقية أنحاء العالم، يبدو أن البالون بدأ يفرغ من الهواء (الفورة بدأت تخمد)، وهذا سيؤثر في نهاية المطاف على الولايات المتحدة»، مستنداً في ذلك إلى معطيات اقتصادية أقل من التوقعات في آسيا وأوروبا في الفصل الثالث.
وعلى غرار ما فعل منذ أشهر، ندد أوبستفلد، الذي يغادر منصبه في صندوق النقد نهاية العام لتحل محله البروفسورة في جامعة هارفرد غيتا غوبيناث، بالنزاعات التجارية التي تهدد النمو العالمي. لكّنه استبعد إمكانية العودة إلى حقبة مشابهة للكساد الكبير «حين انهار الاقتصاد تحت ضغط القيود التجارية»، واعتبر أن «التوترات الحالية يمكن أن تكون مضرّة لأن الاستثمارات والإنتاج على مستوى العالم مرتبطة بالتجارة، لكن ليس من شأن ذلك أن يقود إلى الانهيار الذي شهدناه في ثلاثينات القرن الماضي».



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»