بينما تحتفي عشرات الأسر المصرية بخطوبة وزفاف أطفالهم في حفلات صاخبة، لا تستطيع السّلطات المصرية مقاومة هذا التوجه المتكرر في الأقاليم المصرية المختلفة، رغم حملات التوعية الكبرى التي تقوم بها الحكومة في وسائل الإعلام المتنوعة، للحدّ من انتشار زواج الأطفال. ويتحايل الأهالي على عدم بلوغ سن الزواج القانونية والمحددة بـ18 سنة للفتيات، بعقد وثائق زواج عرفية يُحتفظ بها حتى بلوغ الفتيات السن القانونية.
وأثار مقطع فيديو لحفل خطوبة طفل في الصف الثالث الإعدادي 15 سنة، لطالبة في الصف الثاني الإعدادي 14 سنة، في مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ (شمالي القاهرة)، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج «التوك شو» الرئيسية في القنوات المصرية أول من أمس. وظهر طفل وطفلة في مقطع الفيديو يحتفلان بخطوبتهما على طريقة الكبار في الأفراح المصرية، وبينما قوبلت تصرفاته ورقصاته بحفل الخطوبة بتصفيق حاد من المدعوين، تعرض الطفل وأسرته لانتقادات حادة وسخرية من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والمتابعين في مصر. وقالت والدة الطفل فارس شريف، بطل مقطع الفيديو في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس، لقناة «دي إم سي»: إنّ «الحفل حقيقي، ويعد أمرا طبيعيا جدا في المنطقة». ولفتت إلى أن «فارس أبدى إعجابه الشديد بندى التي تصغره بعام واحد، والتي تربطه بأسرتها صلة قرابة، فقررنا إعلان خطوبتهما وإرجاء زواجهما لمدة 4 سنوات، كنوع من إشهار الخطوبة وتأكيد الارتباط». وأوضحت أنّ نجلها يبدو صغيرا في السن للكثيرين، لكنّه كبير في العقل وناضج، إذ أنّه يعمل مع والده في الإجازة الصيفية».
بدوره، علّق صبري عثمان، المنسق العام لخط نجدة الطفل، على واقعة خطوبة طفلين بكفر الشيخ، قائلاً: «إن تبرير أولياء الأمور للواقعة مخالف للواقع ولقانون الطفل والدّستور المصري». وأضاف في تصريحات صحافية أنّه «سيتقدم ببلاغ للنائب العام ضد الواقعة، وإخطار لجان حماية الطفل، وجمعيات الطفولة في المحافظات لاتخاذ اللازم»، وأوضح أنّه «جرى اختراق المادة 96 من قانون الطفل التي تنص على عدم تعريضه للخطر، مؤكداّ أنّ البنات لا يوجد لديهن مهارات لاكتشاف الذات وهنّ في سن صغيرة، ولا يقدرن على تحمل المسؤولية».
ووفقاً للمادة 80 من الدستور المصري، ومن بعدها المادة 2 من قانون الطفل «12 لسنة 1996»، وما أدخل من تعديلات في القانون «126 لسنة 2008»، فإنّ سن الطفولة لا ينتهي إلّا ببلوغ 18 سنة، وخلال تلك الفترة يحقّ للطّفل التمتع بالرّعاية. وحظر القانونان تعريضه لـ«الخطر»، أو «الإهمال»، أو «سوء المعاملة». واقعة حفل خطوبة الأطفال في كفر الشيخ، ليست الأولى من نوعها في المحافظة، فقد سبقها في بدابة العام الجاري، انتشار ألبوم صور على مواقع التواصل الاجتماعي لطفلين لا يزيد عمر كل منهما عن 12 سنة، في مركز فوه، بالمحافظة نفسها وأثارت الصور جدلاً واسعاً وقتئذ.
وفي أواخر 2017. أثارت صور خطوبة طفلين في الفيوم داخل قرية منشأة رحمي، بمركز إطسا، (جنوب غربي القاهرة)، جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، لخطبة الطفل أحمد شعبان عيد، 12 سنة، على عروس تكبره بـ4 أعوام. وفي عام 2016. شهدت قرية المعصرة التابعة لمركز بلقاس بالدقهلية، (شمال القاهرة) حفل خطوبة وزفاف «أصغر عروسين في العالم»، فارس السعيد، 12 سنة، ونانسي 10 سنوات، وسط مشاركة كبيرة من أهالي القرية والأهل، بمشاركة فرقة موسيقية وثلاث راقصات.
بدوره، أدان «مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية»، هذا الزواج، حينذاك وقال في بيان له: «الزّواج المبكر يعني بالضرورة حرمانا من التعليم، علاوة على أن القدوم عليه مخالف للقانون، لكنّ تحذيرات المسؤولين تقابل في كثير من الأحيان بتجاهل الأهالي الذين يتمتعون برغبات جامحة في إقامة حفلات الخطوبة والزفاف لأطفال يتشوقون للعب في الملاهي».
وكشفت نتائج المسح الصّحي في مصر عام 2014. أنّ نسبة الإناث المتزوجات في الفئة العمرية من 15 - 19 سنة تصل إلى 14.4 في المائة، وتزداد أعدادهن في المناطق الريفية وتقلّ في المناطق الحضرية والمدن.
إلى ذلك، اعتبرت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع في «مركز البحوث الجنائية والاجتماعية»، أنّ «واقعة حفل الخطوبة الأخيرة في محافظة كفر الشيخ شاذة وفردية، ولا ترقى لأن تكون ظاهرة اجتماعية». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «واقعة حفل الخطوبة الأخير، تنمّ عن خلل واضح في تفكير أهالي الطفلين، حتى لو كان الدّافع تحفيز الطفل على المذاكرة بشكل جيد». وأوضحت أنّ «حملات التوعية لا تفي بالهدف المنشود لأنّ مواجهة زواج الأطفال تحتاج إلى تضافر جهود وزارة التربية والتعليم والمؤسسات الدينية والتنويرية للحدّ من عشوائية الفكر والسلوك».
«زواج الأطفال» في مصر... أسر تتحدّى القوانين
وقائع «الخطوبة» و«الزفاف» تثير انتقادات
«زواج الأطفال» في مصر... أسر تتحدّى القوانين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة