حماية «التنوع البيولوجي»... شراكة بين «التقليدية» و«الحداثة»

المهندس عبد الحميد إسرافيل يعرض نباتات  نادرة تمت استعادتها («الشرق الأوسط»)
المهندس عبد الحميد إسرافيل يعرض نباتات نادرة تمت استعادتها («الشرق الأوسط»)
TT

حماية «التنوع البيولوجي»... شراكة بين «التقليدية» و«الحداثة»

المهندس عبد الحميد إسرافيل يعرض نباتات  نادرة تمت استعادتها («الشرق الأوسط»)
المهندس عبد الحميد إسرافيل يعرض نباتات نادرة تمت استعادتها («الشرق الأوسط»)

رغم ما وصل إليه العلم من تقنيات حديثة يمكن توظيفها في خدمة قضية «التنوع البيولوجي»، فإن جهات دولية معنية بالقضية أدركت أنه لا يمكنها تحقيق أي تقدم دون إدخال المجتمعات المحلية التقليدية في المنظومة؛ فقد أصبح ينظر لها بمثابة «الحارس الأمين للتنوع البيولوجي». وإذا كان التنوع البيولوجي يُعرف بأنه «التفاعل الناشئ بين الكائنات الحية في وسط بيئي ما؛ بدءاً من الكائنات الدقيقة وانتهاء بالكائنات الضخمة»، فإن وجود الإنسان هو الضمان لاستمرار هذا التفاعل، عبر ممارسات منضبطة، تعيها جيداً الأجيال القديمة من المجتمعات المحلية التي تعتمد على أنشطة الرعي والزراعة. وفي هذا السياق، ركز «مؤتمر التنوع البيولوجي» الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية بمشاركة 180 دولة، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على ضرورة الحفاظ على الأنشطة التقليدية، واستخدام التقنيات الحديثة التي أتاحها العلم لاستعادة هذه الأنشطة. أحد النجاحات يعود لمحافظة مرسى مطروح المصرية، التي كانت حاضرة في فعاليات المؤتمر، من خلال عرض لبعض نباتات المجتمع المحلي التي كادت تنقرض، ونجح «مرفق البيئة العالمي»، بالتعاون مع جمعيات أهلية، في استعادتها باستخدام أساليب الزراعة الحديثة. يقول المهندس عبد الحميد إسرافيل، مدير عام «وحدة بحوث المراعي» بمرسى مطروح، التابعة لـ«مركز بحوث الصحراء»، إن «الأجيال القديمة أدركت الأهمية الكبيرة للمراعي الطبيعية، لكن الأجيال الجديدة عدّت أنها مورد لا ينضب، فأسرفوا في استخدامها، وأعطوا اهتماماً كبيراً لرعاية حيوانات المرعى وتجاهلوا المرعى ذاته، مما أفقد كثيراً من المراعي تنوعها الحيوي».
ويشرح: «نجحنا من خلال المشروع في استعادة بعض النباتات الرعوية الآخذة في الانقراض، والتي لها أيضاً استخدامات طبية، مثل أشجار الحلاب».
والحلاب من الأشجار التي تنمو في بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط، وهي مستساغة لحيوانات المراعي بسبب أغصانها الغضة ومعامل هضمها المرتفع، كما أن لها كثيراً من الاستخدامات الطبية، مثل علاج ضغط الدم المرتفع. ويوضح إسرافيل أن تلك المزايا أهّلت هذه الشجرة لتكون على قائمة المشروع الذي يهدف لاستعادة النباتات الآخذة في الانقراض، حيث تم جمع البذرة من الشجيرات القليلة التي لا تزال تنبت في بعض المناطق، وتم استخدامها في إنتاج شتلات يتم وضعها بالمراعي قبل سقوط الأمطار مباشرة.
ونفذ «مرفق البيئة العالمي» تجربة شبيهة في الأردن، استهدفت استعادة المراعي الطبيعية التي تغطي ما بين 80 و90 في المائة من مساحة أراضي الأردن.
وتسبب الرعي الجائر بالأردن في تغيير المراعي كمّاً ونوعاً، حيث أدى إلى نمو أقل للنباتات، وإلى صغر حجمها، وإلى تآكل الغطاء النباتي، كما حدث انخفاض في عدد النباتات المستساغة والمغذية. ووفق الكتاب الصادر عن «مرفق البيئة العالمي»، بالتزامن مع «مؤتمر التنوع البيولوجي»، فقد قدم «المرفق» الدعم لأكثر من 150 مشروعاً بالأردن، نحو نصفها يغطي مجال التنوع الحيوي. وكما هي الحال في المشروع المصري، ركز المشروع الأردني على الدور الذي تقوم به المجتمعات المحلية في حماية التنوع البيولوجي من خلال توعيتها ومساعدتها على استعادة بعض النباتات الآخذة في الانقراض.
ويضم الأردن أكثر من 2500 نوع من النباتات الطبيعية التي تمثل واحداً في المائة من إجمالي الأنواع عالمياً؛ منها 100 نوع متوطن، و375 نوعاً نادراً.
ورغم أن «مرفق البيئة العالمي» كرر هذا المشروع في 120 دولة، فإن تقرير أداء «المرفق» الصادر هذا العام يرى أن النجاحات التي تحققت لا تزال أقل من الممارسات التدميرية المستمرة، وهو ما يتطلب، وفق التقرير، مزيداً من الدعم بالوسائل الحديثة لمساعدة المجتمعات المحلية التقليدية على حماية التنوع البيولوجي.


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.