عادت الحياة جزئيا إلى طبيعتها في مدينة ستراسبوغ التي شهدت ليل الثلاثاء - الأربعاء عملية إرهابية هي الثالثة من نوعها هذا العام في فرنسا أودت بحياة ثلاثة أشخاص وأوقعت ثلاثة عشر جريحا بينهم خمسة في حالة الخطر وأحدهم في حالة موت سريري. وعاد التلامذة إلى مدارسهم وفتحت صالات السينما والمسارح والساحة المفضية إلى كاتدرائية المدينة الشهيرة واستؤنفت المباريات الرياضية. لكن ألق ستراسبورغ لم يرجع بعد إليها فهي ما زالت تعيش كأنها في حالة حصار بسبب الانتشار الكثيف للقوى الأمنية ومن بينها أفراد من الجيش. السوق الميلادية التي تجتذب في هذا الوقت من كل عام ما لا يقل عن مليوني زائر وتوفر لها شهرة عالمية ما زالت مغلقة بسبب الخوف الذي لم يتبدد بعد.
وحققت الشرطة ليل امس، انجازاً في الحرب على الإرهاب الذي خيم على المدينة وفرنسا كلها، وذلك بقتل منفذ الهجوم الارهابي في ستراسبورغ شريف شيكات، اثر محاصرته ليلاً داخل المدينة.لكن ذلك لم يبدد الخوف الذي سيبقى حاضرا في النفوس رغم كل الإجراءات الأمنية المشددة.
وبعد أكثر من 48 ساعة مرت على الاعتداء الإرهابي على مدخل السوق الميلادية يبدو ان الشرطة تمكنت من شريف شيكات في مخبئه حيث سمع دوي تبادل اطلاق نار. وجاء ذلك بعدما وفرت الدولة إمكانيات بشرية وتقنية هائلة لتعقبه. وكان 720 رجلا لاحقوه وفتشوا كل الأماكن التي يمكن أن يكون قد اختبأ فيها. يضاف إلى ذلك كله وضع أربعة من أفراد عائلة شيكات رهن الاعتقال والاستجواب. وانصبت جهود فريق من المحققين على الغوص في شبكة علاقات شريف شيكات لمعرفة ما إذا كان له شركاء أو قد استفاد من مساعدتهم للتنقل والاختفاء عن أعين الأمن. وكانت تكهنات تحدثت عن أن الجاني ربما خرج من فرنسا، باتجاه ألمانيا أو سويسرا مباشرة بعد العملية التي قام بها، لذا شددت الرقابة على المعابر بين البلدين. وفي السياق عينه، تم تعزيز التعاون الأمني بين باريس وبرلين وكذلك مع سويسرا المجاورة.
وفي هذه البلدان الثلاثة ارتكب شريف شيكات جنحا وجرائم، تندرج فيما يسمى «الحق العام» وفي سجله 67 سابقة قضائية و27 إدانة في فرنسا وألمانيا وسويسرا. وعرف في هذا البلدان السجن وفي فرنسا وأمضى فيه فترتين ولم يخرج منه في المرة الثانية إلا في عام 2015 متحولا من مجرم «عادي» إلى متشدد إسلامي أصولي سائرا بذلك على درب كثيرين من الإرهابيين الذين عرفتهم فرنسا وأوروبا في السنوات الأخيرة، حيث السجن هو «أفضل مدارس» الأصولية والتطرف والعنف والإرهاب. وكان وكيل الجمهورية في باريس ريمي هيتز أشار أول من أمس إلى أنه «سجن مرات عدة وكان معروفا لدى مصالح السجون بتطرفه وغرابة السلوك في 2015». وأضاف أن المهاجم كان مدرجا أيضا في سجل الإبلاغ للوقاية من التطرف ذي الطابع الإرهابي وكان «موضع متابعة من الإدارة العامة للأمن الداخلي». وسعت قوة من الدرك إلى القبض عليه صباح الثلاثاء أي في اليوم الذي ارتكب فيه جريمته في السوق الميلادية في إطار تحقيق في قضية سطو مسلح ومحاولة قتل. لكنها لم تعثر عليه، وأفلت من التوقيف، الأمر الذي يظن أنه سرع في قيامه بارتكاب جريمته.
وعمدت الأجهزة الأمنية إلى ضم اسم شريف شيكات، بسبب تطرفه الديني الأصولي، إلى «لائحة إس» للأشخاص الذين يشكلون تهديدا للأمن في فرنسا. ويقدر عدد هؤلاء بـ12 ألف رجل ترى الأجهزة الأمنية أن بينهم ما لا يقل عن ألفي شخص بالغي الخطورة وتتعين بالتالي متابعتهم ليل نهار ومن بين هؤلاء شريف شيكات وأحد أخوته. ولدى كل عملية إرهابية يكون لأي من هؤلاء دور فيها، يعود الجدل قويا حول طريقة التعامل معهم في «دولة قانون» كفرنسا. ويدعو اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف إلى التشدد في المعاملة. ومن الإجراءات التي يقترحانها إبعاد الأجانب عنهم إلى بلدانهم الأصلية أو حجزهم إداريا في معتقلات خاصة، إضافة إلى إيجاد «نيابة عامة» متخصصة بشؤون الإرهاب وتعديل النصوص القانونية من أجل تسهيل «تحييدهم». ليل أول من أمس، وفرت الشرطة في البلاغ الذي أصدرته وصفا لهذا الرجل الذي نجح في الإفلات من الملاحقة ليلة الإقدام على جريمته الإرهابية التي لم يعد للسلطات أي تشكيك في طبيعتها. وشريف شيكات، المولود في حي نودورف في ستراسبورغ في عام 1989 وصف بأنه «شخص خطر»، طوله 180 سنتيمترا، داكن البشرة وعادي البنية كما يظهر في الصورة التي نشرتها الأجهزة الأمنية. وخلال اليومين المنقضيين، أصبحت تفاصيل حياته معروفة بالكامل: ميوله العنيفة منذ صباه، وكثرة الجنح التي ارتكبها، وقصته الطويلة مع القضاء... ويوما بعد يوم، تنبش قنوات التلفزة والوسائل الإعلامية الأخرى تفاصيل حياته وذهبت إلى حد استجواب تلامذة عرفوه في المراحل الدراسية الأولى، ناهيك من الجيران وأقاربه وأقارب أقاربه... ويضاف إلى هؤلاء أهل الاختصاص في المسائل الأمنية والنفسية بحثا عن الغوص في نفسيته ودوافعه وما تيسر... كذلك، فإن الجدل يدور بشأن تحول ستراسبورغ ومنطقتها إلى خزان بشري يحتضن المئات من الإسلامويين المتشددين. والعشرات منهم توجهوا في السنوات الأخيرة إلى سوريا والعراق للانضمام إلى صفوف التنظيمات المتطرفة.
حتى اليوم، لم يتبن أي تنظيم جهادي عملية ستراسبورغ ولا تم الكشف عن حصول شريف شيكات على مساعدة لوجيستية في فرنسا أو خارجها. كذلك لم تصدر حتى اليوم أي معلومات عن اتصالات ما له مع خلايا نائمة فرنسية أو مجموعات جهادية معروفة. لكن معلومات أمنية أفادت بأنه تلقى اتصالا «خارجيا» على هاتفه المحمول قبل أن يقوم بعمليته. ورغم اشتباكه بالرصاص مع الأمن مرتين، فإنه نجح بالإفلات عن طريق إلزام سائق سيارة أجرة إلى نقله إلى حي نودورف، القريب من الحي الذي يسكن فيه. ومن هناك اختفت آثاره ولم تنجح القوى الأمنية التي تعرفت سريعا على هويته رغم عمليات المداهمة الكثيرة التي قامت بها منذ ليل الثلاثاء من اكتشاف مخبئه حتى عثرت عليه ليل امس.
وكثفت ألمانيا وفرنسا البحث عن شريف شيكات الجزائري الأصل، منفذ الهجوم الإرهابي على سوق أعياد الميلاد في ستراسبورغ قبل يومين، الذي توارى عن الأنظار بعيد تنفيذ هجومه الذي أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 13 آخرين بينهم 6 إصابتهم خطيرة. ونقلت قناة «آر بي بي» الألمانية أن منفذ العملية الإرهابية تلقى اتصالا من رقم ألماني إلى هاتفه الجوال قبل التنفيذ، قبل دقائق من تنفيذه العملية. ونقلت القناة عن مصادر أمنية أن شيكات لم يرد على الاتصال. ولم يعرف من ولماذا اتصل به من رقم ألماني. ويعتبر هذا الاتصال خيطا مهما في التحقيقات الجارية والبحث عن الإرهابي الذي تبين أنه كان في ألمانيا وتم ترحيله قبل عامين إلى فرنسا. وهرب شيكات من موقع الاعتداء بعد أن أصابه شرطي بطلق ناري.
وذكرت صحيفة «بيلد» الشعبية أن شيكات هرب بسيارة والدته وهي من نوع «فورد إيسكورت» زرقاء اللون بعد أن غادر سيارة التاكسي التي استقلها للهروب من موقع الجريمة.
وكانت وسائل إعلام فرنسية قد نقلت أن شيكات هرب بسيارة أجرة من موقع جريمته. وذكرت صحيفة «لو باريزيان» أن شيكات تحدث لسائق التاكسي عن دوافعه وأبلغه بأنه «أراد الانتقام لأشقائه الذين قتلوا في سوريا». وأضافت الصحيفة أن الإرهابي «أراد أن يقتل سائق التاكسي في البداية، ولكنه تراجع بعد أن قال له السائق إنه مسلم ويمارس ديانته». ونصبت الشرطة الألمانية نقاط تفتيش في بلدة كيل الحدودية مع فرنسا، وبدأت بتفتيش السيارات العابرة على الجسر الواصل بين الدولتين، كما أنها فتشت أيضا قطارات الركاب في المنطقة.
وقالت متحدثة باسم الشرطة الألمانية: «نفتش كل القطارات القادمة من فرنسا وأيضا القطارات الكهربائية». ونقلت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية أن شيكات قد يكون فر إلى بلدة كيل الألمانية الحدودية، إلا أن الشرطة لم تعثر على أثر للإرهابي الفار في البلدة الألمانية بحسب ما نقل موقع «فوكس» الألماني عن متحدث باسم الشرطة.
وفتح الادعاء العام في ألمانيا تحقيقا بالحادث كذلك، ونقلت صحيفة «تاغس شبيغل» عن متحدثة باسم الادعاء، أن التهم الموجهة إلى شيكات تتعلق بمحاولة قتل مواطنين ألمان وتعريض غيرهم للإصابات.
ورغم أن الحادث وقع على الأراضي الفرنسية فإن 6 مواطنين ألمان كانوا من بين الضحايا وتعرضوا لصدمة وليس إصابات جسدية، بحسب الادعاء.
قتل الشرطة منفذ هجوم ستراسبورغ يهدّئ المخاوف من الإرهاب ولا يبدّدها
لا تبنيَّ خارجياً للعملية والادعاء الألماني فتح تحقيقاً
قتل الشرطة منفذ هجوم ستراسبورغ يهدّئ المخاوف من الإرهاب ولا يبدّدها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة