على غير العادة مقارنة بالأيام الماضية، استطعت كما سكان قطاع غزة استغلال ساعات الهدوء المريبة التي خادعتنا حتى صباح اليوم للنوم في سبات عميق بعيدا عن أصوات الصواريخ والقذائف التي كانت تسمع بشكل محدود جدا.
خرجت هذا الصباح، رغم القصف الذي تجدد على القطاع، لشراء بعض الخضار والمواد الغذائية اللازمة من سوق مخيم الشاطئ القريب من منزلنا، لعائلتي الذي يقطن في منزلها حاليا أكثر من 300 شخص بعد أن تكدست عائلات من أقربائي المشردين من الشجاعية وجباليا، ورافقني شقيقي الأصغر في رحلتي القصيرة جدا ونحن نرى القليل من المواطنين الذين يستطيعون التحرك بحذر عائدين بخفي حنين من السوق، وبعضهم يحدث الآخر «كيف بدنا نعيش والوضع هيك حتى الأكل مش لاقيين؟».
وصلنا إلى السوق علنا نجد بعضا مما يسد رمق 300 شخص في منزل واحد من بينهم أطفال ورضع بحاجة للألبان والحليب، لكن كل أحلامنا تبخرت، فلم نجد حتى الخبز لعدم توافر الكهرباء وعدم توافر الطحين لدى تلك المخابز، أو لأسباب أخرى تتعلق بتخوف أصحاب بعض المخابز من تعرضها لهجوم إسرائيلي.
بعض مما رأيته في السوق البندورة وقد تغير لونها إلى أصفر، والملوخية وقد تلفت، ناهيك عن غلاء الأسعار الفاحش، وحين سألت أحد الباعة عن السبب قال لي «لا تعجب فلا يوجد في غزة شيء، وقد دمرت المزارع بأكملها، ولا توجد معابر يمكن أن يدخل من خلالها شيء، وإن دخلت سلع لا أحد يستطيع أن يأتي بها للأسواق خشية التعرض للقصف».
رأيت أن من استطاع الوصول للتسوق مثلي ومثل شقيقي لا يجد ما يسره، في حين أن المعلبات قد نفدت بشكل كبير من المحال بعد أن تزاحم الناس على أبوابها يبحثون عما يمكنهم من البقاء على قيد الحياة، والخبز أيضا لا يتوافر مما يزيد من المعاناة الحياتية.
تحدث لي شقيقي واقترح أن نشتري بعض الحطب حتى تستطيع والدتنا أن تخبز «الفراشيح» أو المعروف باسم «الشراك» أو «الخبر العراقي»، حتى نتمكن وأقربائي النازحين إلى منزلنا من إيجاد بعض الخبز الذي يمكن تناوله مع بعض ما توافر من المعلبات. لكني فوجئت بطوابير مزدحمة من الناس في مخيم الشاطئ تنتظر منجرة «عبد الباري» لأن الخيار الذي كان أمامنا واجههم جميعا.
في غزة لا يكفي أن تتحدث عن القتل والدمار والصواريخ والقذائف، هناك ما هو أفظع، والمثال الحي أن يموت الأطفال جوعا، وقد يحصل ذلك قريبا في حال نفد ما تبقى من معلبات، فالألبان والحليب للصغار لم يعد متوفرا، والخضار والمواد الغذائية نفدت بشكل شبه كامل.
يوميات مراسل من غزة: أسواق غزة خالية من الخضار والمواد الغذائية
يوميات مراسل من غزة: أسواق غزة خالية من الخضار والمواد الغذائية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة