ثالث مقايضة روسية ـ تركية: جنوب إدلب مقابل شمال الرقة!

رجل يسير في أحد معسكرات اللاجئين في إدلب (أ.ف.ب)
رجل يسير في أحد معسكرات اللاجئين في إدلب (أ.ف.ب)
TT

ثالث مقايضة روسية ـ تركية: جنوب إدلب مقابل شمال الرقة!

رجل يسير في أحد معسكرات اللاجئين في إدلب (أ.ف.ب)
رجل يسير في أحد معسكرات اللاجئين في إدلب (أ.ف.ب)

موسكو ليست راضية على سرعة التزام أنقرة في تنفيذ اتفاق سوتشي الخاص بإدلب. أنقرة ليست راضية على إيقاع تنفيذ واشنطن لـ«خريطة طريق» خاصة بمنبج. عليه، هل يؤدي ذلك إلى مقايضة تتضمن دخول تركيا إلى مناطق شمال سوريا مقابل دخول قوات الحكومة السورية مناطق جنوب إدلب؟
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن أمس أن بلاده ستنفذ خلال أيام عملية عسكرية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، ما يهدد بتوتر أكبر بين أنقرة وواشنطن، لأن «الوحدات» تشكل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» حلفاء أميركا في الحرب ضد «داعش» شمال شرقي سوريا.
لم يذكر إردوغان تفاصيل العملية العسكرية، لكن مسؤولين في «الجيش الوطني»، وهو تحالف لفصائل معارضة موالية لأنقرة، توقعوا أن تشمل العملية «كل المنطقة، من منبج إلى تل أبيض من دون استثناء». وقال أحدهم: «فصائل الجيش الوطني تبلغت منذ زمن بالعملية، ومن قبل أن نبلغ نُعد العدة، لدينا معسكرات تدريب فتحت لكافة الفيالق العسكرية، أخضعت العناصر لدوريات تدريب، وانتدب إلى المعسكرات خيرة الضباط والمدربين» ذلك أن «ضباطا أتراكا يشرفون على التدريبات التي يقوم بها ضباط منشقون عن النظام».
مع قرب نهاية العام 2018، بدت سوريا تحت ثلاث مناطق نفوذ: ثلث المساحة في شمال شرقي البلاد تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم واشنطن. 60 في المائة من سوريا تحت سيطرة قوات الحكومة بدعم روسيا وإيران. 10 في المائة من سوريا في شمال غربي البلاد تحت سيطرة فصائل معتدلة ومتطرفة بدعم من الجيش التركي.
الواضح أن سلسلة تراكمات أدت إلى التصعيد العسكري التركي:
1 - خلاف تركي - أميركي على تنفيذ خريطة طريق خاصة بمنبج في شمال شرقي حلب. خريطة الطريق أنجزت في مايو (أيار) لتهدئة التوتر، نصت خصوصا على انسحاب «وحدات حماية الشعب» من منبج وتسيير دوريات أميركية - تركية مشتركة بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني). لكن الأتراك صعدوا في الأيام الأخيرة ضد مدى التزام واشنطن بالتنفيذ.
2 - اعتراض تركي سابق على تسليح واشنطن لـ«وحدات حماية الشعب». ولم تعبر أنقرة عن ثقتها بتطمينات أميركية إزاء وقف تقديم السلاح الثقيل لـ«وحدات الحماية» في الحرب ضد «داعش».
3 - زيادة القلق التركي في الأيام الأخيرة، بسبب إعلان واشنطن نيتها تدريب 35 - 40 ألف عنصر محلي لتوفير الاستقرار شمال شرقي سوريا وحديث عن منطقة حظر جوي وعدم رضا أنقرة على سرعة إعطاء دور للعرب في تركيبة «قوات سوريا الديمقراطية».
4 - إعلان واشنطن بدء إقامة مراكز مراقبة على حدود سوريا لمنع أي احتكاك بين الجيش التركي و«وحدات حماية الشعب». وأعلن متحدث باسم البنتاغون الثلاثاء أن مراكز المراقبة أقيمت «في المنطقة الحدودية في شمال شرقي سوريا بهدف تبديد القلق الأمني لتركيا». لكن إردوغان رد أمس: «من المؤكد أن الغاية من الرادارات ومراكز المراقبة التي أقامتها الولايات المتحدة ليست حماية بلادنا من الإرهابيين بل حماية إرهابيي تركيا».
5 - اعتراض أنقرة على عدم الفصل بين «وحدات حماية الشعب» الكردية و«حزب العمال الكردستاني» الذي تعتبره تركيا «تنظيما إرهابيا».
كان الجيش التركي قصف مناطق «الوحدات» شمال سوريا قبل أسبوعين، لكن واشنطن ردت بنشر نقاط مراقبة وزيارات عسكرية لطمأنة حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية» في معركتهم الأخيرة ضد «داعش» شرق الفرات. الحشود الحالية، من الجيش التركي والفصائل السورية، تدل على دخول العملية العسكرية التركية مرحلة جديدة. وتشير التوقعات إلى احتمالين:
الأول، حصول مقايضة بين جنوب إدلب وشمال الرقة. في نهاية 2016، جرت مقايضة بحيث استعادت دمشق السيطرة على شرق حلب مقابل دخول الجيش التركي وحلفائه منطقة «درع الفرات» بين الباب وجرابلس شمال حلب. أدى هذا الجيب إلى منع ربط مناطق ذات غالبية كردية شرقي نهر الفرات بغرب النهر. وفي هذا مصلحة لدمشق وأنقرة وطهران التي كانت نسقت بين بعضها ضد أي كيان كردي شمال العراق نهاية التسعينات أو في سوريا.
في بداية 2018، حصلت مقايضة ما إذ استعادت دمشق غوطتها والجنوب السوري وريف حمص فيما دخل الجيش التركي وفصائل معارضة إلى عفرين ذات الغالبية الكردية. هذا أدى إلى منع حصول أي ربط بين مناطق كردية والبحر المتوسط. وفي هذا مصلحة ثلاثية.
روسيا كانت أعلنت عن عدم رضاها عن تنفيذ اتفاق إدلب. تريد تسريع محاربة الإرهابيين وإخراجهم من «المنطقة العازلة» شمال سوريا. تركيا أعربت عن عدم رضاها على الدعم الأميركي للأكراد شمال سوريا وفي منبج. وتشير المعطيات إلى أن موسكو ستكون راضية في حال قام الجيش التركي بتوغل يحرج الأميركيين شرق الفرات، خصوصا في ضوء التصعيد الروسي ضد الوجود الأميركي «غير الشرعي» شرق سوريا. وإيران التي تحشد ميليشياتها جنوب نهر الفرات، لن تعرقل التوغل التركي، في منطقة تريدها واشنطن ساحة لأضعاف نفوذها في سوريا.
يمكن وضع هذا في سلة تنفيذ القرار 2254 الذي تضمن التمسك بـ«وحدة سوريا وسيادتها». كما أن بيان اجتماع الدول الضامنة الثلاث (روسيا، إيران، تركيا) في آستانة أعرب عن «رفض الأجندات الانفصالية». وقال إردوغان أمس: «سنبدأ عملية لتحرير شرق الفرات من المنظمة الإرهابية الانفصالية خلال الأيام القليلة المقبلة» في إشارة إلى شمال سوريا.
الثاني، حصول أنقرة على تنازلات عميقة من واشنطن إزاء دعمها لـ«الوحدات»، بحيث تشمل: أولاً، إبعاد القياديين في «حزب العمال الكردستاني». هناك حديث عن وجود 50 قيادياً من «العمال» في «الوحدات». ثانياً، تسريع تنفيذ خريطة منبج وإخراج «الوحدات» وتشكيل المجلس المحلي. ثالثاً، تخفيف تسليح «الوحدات» بسلاح ثقيل. رابعاً، إجراءات سريعة في تركيبة «وحدات حماية الشعب». خامساً، حصول أنقرة على صلاحية ملاحقة مسلحين في شريط حدودي على طول الحدود السورية - التركية.
المبعوث الأميركي الجديد جيمس جيفري الذي كان عمل سفيرا لبلاده في أنقرة، أحد المدافعين عن تحسين العلاقة مع تركيا. هو يعتقد أنه «لا يمكن لاستراتيجية أميركا في سوريا أن تنجح دون تركيا»، خصوصاً ما يتعلق بهزيمة «داعش» وتقليص نفوذ إيران والدفع لحل سياسي.لكن زيارته الاخيرة الى تركيا كانت «عاصفة ومفاجأة لجهة لهجة المسؤولين الاتراك ضد واشنطن».
كان مقررا أن يزور جيفري شمال شرقي سوريا الأسبوع المقبل ويدفع باتجاه تنازلات وتفاهمات. ويبقى السؤال إذا كانت ستكون كافية لتهدئة أنقرة أم أن عطلة الميلاد ورأس السنة ستشهد عمليتين عسكريتين: الأولى، هجوم بدعم أنقرة نحو رأس العين شمال سوريا. الثانية، هجوم بدعم دمشق نحو خان شيخون ومعرة النعمان في جنوب إدلب؟



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.