صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة... تجارب متناثرة لجمهور مهمّش

تخطو من الفردية إلى المؤسسية

صورة ضوئية لموقع معاق برس  -  غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية
صورة ضوئية لموقع معاق برس - غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية
TT

صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة... تجارب متناثرة لجمهور مهمّش

صورة ضوئية لموقع معاق برس  -  غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية
صورة ضوئية لموقع معاق برس - غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية

على الرغم من حداثة الاهتمام العربي الرسمي والمجتمعي بقضايا ومشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنه أثر تأثيراً مباشراً في الصحافة المتخصصة في مناقشة قضاياهم وتلك الموجهة إليهم، التي يبدو أنها تخطو خطواتها الأولى نحو التحول من تجارب فردية موجهة لجمهور عانى من التهميش سنوات طويلة، إلى إصدارات مؤسسية تتبناها مؤسسات إعلامية حكومية عربية.
تنوع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة ما بين الإعاقة البصرية والسمعية والحركية والإعاقات الذهنية المختلفة يجعل مصطلح «صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة» ينطوي على قدر كبير من التعميم؛ وهو ما دفع خبراء الإعلام إلى محاولة وضع تعريف أكثر تحديداً يمكن من خلاله مناقشة الإشكاليات والتحديات المختلفة.
تقول الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: إن «التعريف الأمثل لمصطلح (صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة)، هو كل وسيلة إعلامية تتوجه إلى فئة أو أكثر من المعاقين، لكن محاولة تقييم هذا النوع من الصحافة يجب أن تمتد لتشمل كافة وسائل الإعلام العامة التي تناقش قضايا ومشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة».
وتعتبر الصحافة المطبوعة بطريقة الأحرف البارزة (برايل) الموجهة للمكفوفين، من أبرز وأقدم الأشكال الصحافية التي تتوجه إلى إحدى فئات ذوي الإعاقة، ويعود تاريخ إصدار أول مطبوعة بطريقة برايل إلى عام 1955، عندما أصدر المركز النموذجي لرعاية المكفوفين في مصر مجلة «المصباح»، وبعدها بنحو عشر سنوات أصدر المركز مجلة «دنيا الأطفال» التي كانت موجهة للأطفال المكفوفين، وبجانب الكثير من المجلات التي تصدرها جمعيات خاصة برعاية المكفوفين، تعددت التجارب الصحافية التي كان أبرزها مجلة «وطني برايل» الشهرية التي أصدرتها صحيفة «وطني» المصرية الخاصة عام 2004، واستمرت المجلة في الصدور المنتظم طوال عشر سنوات إلى أن توقفت عام 2014، بسبب ارتفاع تكاليف الطباعة بطريقة برايل.
وجاء الإعلان عن إصدار مجلة «الأخبار برايل» الشهرية، التي صدرت في مارس (آذار) من العام الماضي، عن مؤسسة «أخبار اليوم» إحدى أكبر المؤسسات الصحافية المصرية، ليشكل نقطة انطلاق لتحول صحافة ذوي الإعاقة من مرحلة التجارب الفردية إلى الشكل المؤسسي.
يقول أحمد المراغي، رئيس تحرير مجلة «الأخبار برايل»، لـ«الشرق الأوسط»: إن «المجلة تحوي موضوعات عامة كأي صحيفة أخرى، ففيها الموضوعات السياسية والفنية والثقافية وغيرها، إضافة إلى موضوعات عن ذوي الاحتياجات الخاصة تناقش قضاياهم المختلفة؛ ذلك أن المجلة موجهة للمكفوفين وليست فقط عنهم، وهي توزع مجاناً من خلال مكتبات (أخبار اليوم) وجمعيات المكفوفين ومكتبات الجامعات».
ويشير المراغي إلى أن «المشكلة الأكبر التي تواجه الصحافة المطبوعة بطريقة برايل هي التكلفة المادية المرتفعة في كل مراحل التجهيز والطباعة، فالورق المستخدم سعره أعلى بثلاثة أضعاف من الورق المستخدم في طباعة الصحف العادية، وكذلك الطباعة أغلى كثيراً، كما أن الطباعة تستغرق وقتاً أطول من الطباعة العادية، فطباعة 1000 نسخة برايل قد تستغرق نحو 15 يوماً».
وتواجه الصحافة المطبوعة بطريقة برايل تحدياً آخر يرتبط بالتطورات التكنولوجية، فالتطبيقات الحديثة على أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية تتيح للكفيف تحويل أي نص مكتوب بطريقةword» » مثلاً إلى نص مسموع.
ويقول علي الفاتح، رئيس تحرير موقع «معاق برس»، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا كصحافي وكفيف لم أعد في حاجة إلى صحيفة مطبوعة بطريقة برايل، فالتطبيقات الحديثة تمكنني من تصفح أي موقع أو صحيفة على شبكة الإنترنت بتحويل النص من مقروء إلى مسموع، لكننا في حاجة إلى طباعة الكتب بطريقة برايل، فمعظم الكتب الإلكترونية الموجودة على الإنترنت مكتوبة بصيغة pdf))، ولا يمكن تحويلها إلى نص مسموع؛ لذلك نحن موقع ينشر مادة صحافية عامة بجانب المحتوى الذي يناقش قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة».
بدوره، يرى المراغي أن «الكفيف يحتاج إلى قراءة الصحيفة المطبوعة بطريقة برايل والاحتفاظ بها للعودة إليها كما يفعل أي قارئ مع صحيفته، ولدينا خطة للاستفادة من التطورات التكنولوجية، حيث نخطط لإنشاء موقع إلكتروني، كما وقّعنا اتفاقاً مع شركة (صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات) لإنشاء شبكة (الأخبار الصوتية)، وهي شبكة إخبارية ناطقة ستتضمن مواد صحافية إخبارية محدثة بشكل يومي وكتباً مسموعة، ولدينا أيضاً مشروع (الكتاب الملموس)، وهي كتب مطبوعة بطريقة برايل».
في سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية العدد الأول من مجلة «أصحاب الهمم» الفصلية التي تجمع بين مخاطبتها لمختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة في الدول العربية ومناقشة مشكلاتهم وقضاياهم.
واحتوى العدد الأول من المجلة، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على موضوعات صحافية متنوعة من عواصم عربية مختلفة، تنوعت ما بين القوالب الصحافية المختلفة من أخبار وتحقيقات وتقارير وحوارات صحافية، ومشاركات من ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم.
وكتبت أمل الأحمدي، رئيس تحرير المجلة في افتتاحية العدد: «تأتي مجلة (أصحاب الهمم) لتسد فراغاً ملحوظاً في تسليط الأضواء على قضية لم تنل بعد ما تستحقه من اهتمام مجتمعي وإعلامي، وتسعى المجلة إلى تعريف المجتمع داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي المحيطَين العربي والخليجي بأصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة) وأوضاعهم الحالية، والمشكلات التي يواجهونها، والمسارات والوسائل التي يمكن من خلالها حل هذه المشكلات، كما تهتم المجلة بعرض قصص النجاح والإنجاز التي تشير إلى قدرة متأصلة لدى أصحاب الهمم على قهر الصعوبات والتفوق في كل مجالات الحياة».
وتضمن العدد تقريراً بطريقة «الإنفوغراف» لتوضيح أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في الدول العربية طبقاً للإحصائيات الرسمية، ففي مصر وصل العدد إلى أكثر من 10 ملايين شخص، وفي اليمن ثلاثة ملايين و700 ألف، والكويت 44 ألفاً، وسوريا مليونين و800 ألف، والأردن 860 ألفاً، والسعودية نحو 632 ألفاً، والسودان 146 ألفاً، والجزائر 4 ملايين، والمغرب مليونين و264 ألفاً، والبحرين 8180، والإمارات نحو 18 ألفاً، وتونس 241 ألفاً، وفلسطين 113 ألفاً، والعراق مليون و500 ألف، ولبنان نحو 90 ألفاً، وموريتانيا 27 ألف شخص، بينما بلغ العدد في ليبيا نحو 91 ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفقاً للتقرير الدولي الوحيد الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع البنك الدولي عام 2011، يقدر عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم بأكثر من مليار شخص، أي نحو 15 في المائة من سكان العالم، حسب تقديرات عدد سكان العالم حتى عام 2010، وذكر التقرير أنه طبقاً للمسح الصحي العالمي، فإن نحو 785 مليون شخص، أي نحو 15.6 في المائة ممن تبلغ أعمارهم 15 سنة أو أكثر، يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة، يتركز 80 في المائة منهم بالدول النامية.
ويحيي العالم اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام؛ بهدف نشر الوعي بمشكلاتهم، والعمل على دمجهم في مجتمعاتهم.
وانعكس الاهتمام العربي الرسمي والمجتمعي خلال السنوات الأخيرة على تناول وسائل الإعلام وتفاعلها مع مشكلات وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، غير أنه حسب خبراء، ركزت معظم وسائل الإعلام على إبراز قصص نجاح نماذج مختلفة لذوي الاحتياجات الخاصة من دون مناقشة جادة لمشكلاتهم. وتضيف عبد المجيد: إن «الاهتمام الرسمي والشعبي بقضية ذوي الاحتياجات الخاصة، حديث نسبياً في المجتمعات العربية؛ لذلك بدأت بعض وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة بتسليط الضوء على مشكلاتهم، والتركز على قصص نجاحهم، ومن حق هذه الفئات أن توجد وسائط إعلامية مختلفة تتوجه إليهم وتساعدهم على معرفة ما يحدث في المجتمع والعالم وفهمه، والتعبير عن مشكلاتهم وقضاياهم».
وحرصت الكثير من القنوات التلفزيونية العربية على ترجمة بعض المواد التي تبثها بلغة الإشارة، وظهر خلال السنوات الماضية مترجمو لغة الإشارة على التلفاز لترجمة بعض الفقرات أو البرامج ونشرات الأخبار، وعلى الرغم من أهمية الخطوة، فإن متخصصين في لغة الإشارة يعتقدون أنها غير كافية.
بدورها، تقول فيروز الجوهري، مترجمة لغة إشارة، لـ«الشرق الأوسط»: إن «ترجمة بعض المواد التلفزيونية بلغة الإشارة خطوة جيدة، لكنها غير كافية، فنشرة الأخبار المترجمة بلغة الإشارة تُذاع في السابعة صباحاً، وهو توقيت غير مناسب، كما أن اختيار الفقرات التي تُترجم لا تُلبي احتياجات الجمهور من الصم، فبرامج التوعية الثقافية لا تُترجم على الرغم من أهميتها، والكثير من النساء يحتجن إلى ترجمة لبعض برامج الطبخ مثلاً، كما أنه في معظم القنوات تكون صورة مترجم لغة الإشارة صغيرة على جانب الشاشة فلا يستطيع المشاهد رؤيتها بدقة».
وتشير الجوهري إلى مشكلة أكثر تأثيراً: «بعض المصطلحات السياسية ليس لها ترجمة في لغة الإشارة، وبعضها يترجم بمعنى سطحي نتيجة عدم وجود ثقافة سياسية لدى معظم الصم، فعلى سبيل المثال نترجم مصطلح ديمقراطية إلى لغة الإشارة بمعنى حرية، وهو ليس المعنى نفسه؛ لذلك نحتاج إلى تثقيف الجمهور من الصم كي يمكنه معرفة المعنى الكامل لمصطلح ديمقراطية حتى لو كانت ترجمته بإشارة تعني حرية، ويوجد الكثير من المصطلحات المشابهة، منها الدعم اللوجيستي، والتنمية المستدامة، ونُترجم مصطلح استراتيجية بإشارة معناها خطة، وبالطبع المصطلح يعني أكثر من ذلك».


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».