صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة... تجارب متناثرة لجمهور مهمّش

تخطو من الفردية إلى المؤسسية

صورة ضوئية لموقع معاق برس  -  غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية
صورة ضوئية لموقع معاق برس - غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية
TT

صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة... تجارب متناثرة لجمهور مهمّش

صورة ضوئية لموقع معاق برس  -  غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية
صورة ضوئية لموقع معاق برس - غلاف مجلة «أصحاب الهمم» الإماراتية

على الرغم من حداثة الاهتمام العربي الرسمي والمجتمعي بقضايا ومشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنه أثر تأثيراً مباشراً في الصحافة المتخصصة في مناقشة قضاياهم وتلك الموجهة إليهم، التي يبدو أنها تخطو خطواتها الأولى نحو التحول من تجارب فردية موجهة لجمهور عانى من التهميش سنوات طويلة، إلى إصدارات مؤسسية تتبناها مؤسسات إعلامية حكومية عربية.
تنوع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة ما بين الإعاقة البصرية والسمعية والحركية والإعاقات الذهنية المختلفة يجعل مصطلح «صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة» ينطوي على قدر كبير من التعميم؛ وهو ما دفع خبراء الإعلام إلى محاولة وضع تعريف أكثر تحديداً يمكن من خلاله مناقشة الإشكاليات والتحديات المختلفة.
تقول الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: إن «التعريف الأمثل لمصطلح (صحافة ذوي الاحتياجات الخاصة)، هو كل وسيلة إعلامية تتوجه إلى فئة أو أكثر من المعاقين، لكن محاولة تقييم هذا النوع من الصحافة يجب أن تمتد لتشمل كافة وسائل الإعلام العامة التي تناقش قضايا ومشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة».
وتعتبر الصحافة المطبوعة بطريقة الأحرف البارزة (برايل) الموجهة للمكفوفين، من أبرز وأقدم الأشكال الصحافية التي تتوجه إلى إحدى فئات ذوي الإعاقة، ويعود تاريخ إصدار أول مطبوعة بطريقة برايل إلى عام 1955، عندما أصدر المركز النموذجي لرعاية المكفوفين في مصر مجلة «المصباح»، وبعدها بنحو عشر سنوات أصدر المركز مجلة «دنيا الأطفال» التي كانت موجهة للأطفال المكفوفين، وبجانب الكثير من المجلات التي تصدرها جمعيات خاصة برعاية المكفوفين، تعددت التجارب الصحافية التي كان أبرزها مجلة «وطني برايل» الشهرية التي أصدرتها صحيفة «وطني» المصرية الخاصة عام 2004، واستمرت المجلة في الصدور المنتظم طوال عشر سنوات إلى أن توقفت عام 2014، بسبب ارتفاع تكاليف الطباعة بطريقة برايل.
وجاء الإعلان عن إصدار مجلة «الأخبار برايل» الشهرية، التي صدرت في مارس (آذار) من العام الماضي، عن مؤسسة «أخبار اليوم» إحدى أكبر المؤسسات الصحافية المصرية، ليشكل نقطة انطلاق لتحول صحافة ذوي الإعاقة من مرحلة التجارب الفردية إلى الشكل المؤسسي.
يقول أحمد المراغي، رئيس تحرير مجلة «الأخبار برايل»، لـ«الشرق الأوسط»: إن «المجلة تحوي موضوعات عامة كأي صحيفة أخرى، ففيها الموضوعات السياسية والفنية والثقافية وغيرها، إضافة إلى موضوعات عن ذوي الاحتياجات الخاصة تناقش قضاياهم المختلفة؛ ذلك أن المجلة موجهة للمكفوفين وليست فقط عنهم، وهي توزع مجاناً من خلال مكتبات (أخبار اليوم) وجمعيات المكفوفين ومكتبات الجامعات».
ويشير المراغي إلى أن «المشكلة الأكبر التي تواجه الصحافة المطبوعة بطريقة برايل هي التكلفة المادية المرتفعة في كل مراحل التجهيز والطباعة، فالورق المستخدم سعره أعلى بثلاثة أضعاف من الورق المستخدم في طباعة الصحف العادية، وكذلك الطباعة أغلى كثيراً، كما أن الطباعة تستغرق وقتاً أطول من الطباعة العادية، فطباعة 1000 نسخة برايل قد تستغرق نحو 15 يوماً».
وتواجه الصحافة المطبوعة بطريقة برايل تحدياً آخر يرتبط بالتطورات التكنولوجية، فالتطبيقات الحديثة على أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية تتيح للكفيف تحويل أي نص مكتوب بطريقةword» » مثلاً إلى نص مسموع.
ويقول علي الفاتح، رئيس تحرير موقع «معاق برس»، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا كصحافي وكفيف لم أعد في حاجة إلى صحيفة مطبوعة بطريقة برايل، فالتطبيقات الحديثة تمكنني من تصفح أي موقع أو صحيفة على شبكة الإنترنت بتحويل النص من مقروء إلى مسموع، لكننا في حاجة إلى طباعة الكتب بطريقة برايل، فمعظم الكتب الإلكترونية الموجودة على الإنترنت مكتوبة بصيغة pdf))، ولا يمكن تحويلها إلى نص مسموع؛ لذلك نحن موقع ينشر مادة صحافية عامة بجانب المحتوى الذي يناقش قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة».
بدوره، يرى المراغي أن «الكفيف يحتاج إلى قراءة الصحيفة المطبوعة بطريقة برايل والاحتفاظ بها للعودة إليها كما يفعل أي قارئ مع صحيفته، ولدينا خطة للاستفادة من التطورات التكنولوجية، حيث نخطط لإنشاء موقع إلكتروني، كما وقّعنا اتفاقاً مع شركة (صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات) لإنشاء شبكة (الأخبار الصوتية)، وهي شبكة إخبارية ناطقة ستتضمن مواد صحافية إخبارية محدثة بشكل يومي وكتباً مسموعة، ولدينا أيضاً مشروع (الكتاب الملموس)، وهي كتب مطبوعة بطريقة برايل».
في سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية العدد الأول من مجلة «أصحاب الهمم» الفصلية التي تجمع بين مخاطبتها لمختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة في الدول العربية ومناقشة مشكلاتهم وقضاياهم.
واحتوى العدد الأول من المجلة، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على موضوعات صحافية متنوعة من عواصم عربية مختلفة، تنوعت ما بين القوالب الصحافية المختلفة من أخبار وتحقيقات وتقارير وحوارات صحافية، ومشاركات من ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم.
وكتبت أمل الأحمدي، رئيس تحرير المجلة في افتتاحية العدد: «تأتي مجلة (أصحاب الهمم) لتسد فراغاً ملحوظاً في تسليط الأضواء على قضية لم تنل بعد ما تستحقه من اهتمام مجتمعي وإعلامي، وتسعى المجلة إلى تعريف المجتمع داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي المحيطَين العربي والخليجي بأصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة) وأوضاعهم الحالية، والمشكلات التي يواجهونها، والمسارات والوسائل التي يمكن من خلالها حل هذه المشكلات، كما تهتم المجلة بعرض قصص النجاح والإنجاز التي تشير إلى قدرة متأصلة لدى أصحاب الهمم على قهر الصعوبات والتفوق في كل مجالات الحياة».
وتضمن العدد تقريراً بطريقة «الإنفوغراف» لتوضيح أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في الدول العربية طبقاً للإحصائيات الرسمية، ففي مصر وصل العدد إلى أكثر من 10 ملايين شخص، وفي اليمن ثلاثة ملايين و700 ألف، والكويت 44 ألفاً، وسوريا مليونين و800 ألف، والأردن 860 ألفاً، والسعودية نحو 632 ألفاً، والسودان 146 ألفاً، والجزائر 4 ملايين، والمغرب مليونين و264 ألفاً، والبحرين 8180، والإمارات نحو 18 ألفاً، وتونس 241 ألفاً، وفلسطين 113 ألفاً، والعراق مليون و500 ألف، ولبنان نحو 90 ألفاً، وموريتانيا 27 ألف شخص، بينما بلغ العدد في ليبيا نحو 91 ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفقاً للتقرير الدولي الوحيد الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع البنك الدولي عام 2011، يقدر عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم بأكثر من مليار شخص، أي نحو 15 في المائة من سكان العالم، حسب تقديرات عدد سكان العالم حتى عام 2010، وذكر التقرير أنه طبقاً للمسح الصحي العالمي، فإن نحو 785 مليون شخص، أي نحو 15.6 في المائة ممن تبلغ أعمارهم 15 سنة أو أكثر، يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة، يتركز 80 في المائة منهم بالدول النامية.
ويحيي العالم اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام؛ بهدف نشر الوعي بمشكلاتهم، والعمل على دمجهم في مجتمعاتهم.
وانعكس الاهتمام العربي الرسمي والمجتمعي خلال السنوات الأخيرة على تناول وسائل الإعلام وتفاعلها مع مشكلات وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، غير أنه حسب خبراء، ركزت معظم وسائل الإعلام على إبراز قصص نجاح نماذج مختلفة لذوي الاحتياجات الخاصة من دون مناقشة جادة لمشكلاتهم. وتضيف عبد المجيد: إن «الاهتمام الرسمي والشعبي بقضية ذوي الاحتياجات الخاصة، حديث نسبياً في المجتمعات العربية؛ لذلك بدأت بعض وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة بتسليط الضوء على مشكلاتهم، والتركز على قصص نجاحهم، ومن حق هذه الفئات أن توجد وسائط إعلامية مختلفة تتوجه إليهم وتساعدهم على معرفة ما يحدث في المجتمع والعالم وفهمه، والتعبير عن مشكلاتهم وقضاياهم».
وحرصت الكثير من القنوات التلفزيونية العربية على ترجمة بعض المواد التي تبثها بلغة الإشارة، وظهر خلال السنوات الماضية مترجمو لغة الإشارة على التلفاز لترجمة بعض الفقرات أو البرامج ونشرات الأخبار، وعلى الرغم من أهمية الخطوة، فإن متخصصين في لغة الإشارة يعتقدون أنها غير كافية.
بدورها، تقول فيروز الجوهري، مترجمة لغة إشارة، لـ«الشرق الأوسط»: إن «ترجمة بعض المواد التلفزيونية بلغة الإشارة خطوة جيدة، لكنها غير كافية، فنشرة الأخبار المترجمة بلغة الإشارة تُذاع في السابعة صباحاً، وهو توقيت غير مناسب، كما أن اختيار الفقرات التي تُترجم لا تُلبي احتياجات الجمهور من الصم، فبرامج التوعية الثقافية لا تُترجم على الرغم من أهميتها، والكثير من النساء يحتجن إلى ترجمة لبعض برامج الطبخ مثلاً، كما أنه في معظم القنوات تكون صورة مترجم لغة الإشارة صغيرة على جانب الشاشة فلا يستطيع المشاهد رؤيتها بدقة».
وتشير الجوهري إلى مشكلة أكثر تأثيراً: «بعض المصطلحات السياسية ليس لها ترجمة في لغة الإشارة، وبعضها يترجم بمعنى سطحي نتيجة عدم وجود ثقافة سياسية لدى معظم الصم، فعلى سبيل المثال نترجم مصطلح ديمقراطية إلى لغة الإشارة بمعنى حرية، وهو ليس المعنى نفسه؛ لذلك نحتاج إلى تثقيف الجمهور من الصم كي يمكنه معرفة المعنى الكامل لمصطلح ديمقراطية حتى لو كانت ترجمته بإشارة تعني حرية، ويوجد الكثير من المصطلحات المشابهة، منها الدعم اللوجيستي، والتنمية المستدامة، ونُترجم مصطلح استراتيجية بإشارة معناها خطة، وبالطبع المصطلح يعني أكثر من ذلك».


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».