عرض أسلحة «الصيد» للبيع في معرض الصّقور بالسعودية

يستلزم شراؤها التسجيل في أنظمة وزارة الداخلية

فهد الرداحي يشرح مميزات بندقية صيد لأحد الزبائن على هامش معرض الصقور والصيد السعودي
فهد الرداحي يشرح مميزات بندقية صيد لأحد الزبائن على هامش معرض الصقور والصيد السعودي
TT

عرض أسلحة «الصيد» للبيع في معرض الصّقور بالسعودية

فهد الرداحي يشرح مميزات بندقية صيد لأحد الزبائن على هامش معرض الصقور والصيد السعودي
فهد الرداحي يشرح مميزات بندقية صيد لأحد الزبائن على هامش معرض الصقور والصيد السعودي

للمرة الأولى يوفر معرض الصقور والصيد السعودي مجموعة واسعة من الأسلحة الفردية النارية والهوائية للبيع بشكل مباشر في سابقة هي الأولى من نوعها حسب المنظمين للمعرض.
ويرى عاملون في قطاع بيع أسلحة الصيد أنّه على الرّغم من دخول منتجات متطورة من الأسلحة للصيد في السنوات الأخيرة واستخدامها بكثرة، فإنّها لم تلغ استخدام الصقور وكلاب الصيد في رحلات القنص والصيد العربية لأنّها جزء من التراث الذي نفتخر به حسب وصفهم.
وأوضح فهد الرداحي المدير العام لمؤسسة بندقية لتجهيزات الصيد أن السوق تزخر اليوم بعدة أنواع وموديلات وماركات من الأسلحة السويدية، والبريطانية، والإسبانية، والألمانية، والكورية، لافتاً إلى أن لكل ماركة مميزات وعيارات وآلية عمل مختلفة عن الأخرى.
الرداحي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّه رغم التطور الكبير والنقلة النوعية في أسلحة الصيد، واختلاف الأمر عن الماضي الذي كان العرب يستخدمون فيه الصقور وكلاب الصيد، فإنّ الأخيرة ما زالت موجودة لأنّها جزء من التراث وهو مهم ونفخر به.
وأضاف: «كما أن أسلحة الصيد في السابق كانت بنادق الكسر الهوائية العادية (السبرنغ)، أمّا اليوم فاختلف الأمر كلياً، فبنادق الصيد تعمل بضغط الهواء ومزودة بمخزن للطلقات يمكن استخدامها بأريحية لمسافات أطول وعيارات أكبر ودقة في الإصابة».
وحسب المدير العام لمؤسسة بندقية لتجهيزات الصيد فإنّ أطول مسافة للبنادق الهوائية قد تصل إلى 150 متراً، وهي مسافة كافية لصيد الطيور، والوبران، والأرانب، والرهو، أو الكرك (الأحجام المتوسطة) والطيور المهاجرة، على حد وصفه. وتابع الرداحي حديثه وهو يحاول شرح مواصفات إحدى بنادق الصيد بقوله إنّ «معظم المنتجات مطلوبة، لكنّ أذواق الناس تختلف وطبيعة هدف الصياد الذي بناء عليه يقتني البندقية، كما أنّ الأسعار تتفاوت حيث تبدأ من 2400 ريال وتتدرج إلى 4700 ريال حسب المواصفات لكل بندقية».
وأفاد فهد الرداحي بأنّ اقتناء أسلحة الصيد اليوم أصبح من السهولة بمكان، حيث يمكن لأي مشتر وبعد استيفاء المتطلبات وخلو سجله الأمني من أي ملاحظات الحصول على التصريح خلال عشر دقائق فقط، وقال: «بعد تنظيم بيع الأسلحة والتعاون الكبير من قبل الأمن العام بمقدور أي شخص الشراء والحصول على تصريح فوري يصدر خلال عشر دقائق لأنّ لدينا اتصالا مع شركة علم».
وفي آخر إحصائية صادرة عن الأمن العام لعدد التصاريح الصادرة لمؤسسات بيع أسلحة الصيد تم إصدار نحو 20 ألف تصريح العام الماضي، وفقاً للرداحي. وأردف: «حجم السوق كبير ومشجع ونتوقع هذا العام زيادة عدد المؤسسات ودخول ماركات جديدة السوق».
ولفت فهد إلى أنّ إقامة هذا المعرض يعد بادرة ممتازة، مقدماً شكره لولي العهد الأمير محمد بن سلمان المشرف العام على نادي الصقور السعودي، ووزير الداخلية والمنظمين، وتابع: «المعرض أعطى صورة أوسع عن سوق الصيد في المملكة، وأصبح من السهل لكل مؤسسة عرض ما لديها، كما أنّ هناك مشاركات خليجية من الكويت وغيرها وهي فرصة للاستفادة وتبادل الخبرات».
من جانبه، أشار الباحث محمد الروقي إلى أنّ العرب استخدموا أدوات مختلفة لصيد الطيور أو الحيوانات البرية كالسباع والنمور العربية في المنطقة الجنوبية، مبيناً أنّ آخر نمر جرى اصطياده كان في منطقة طويق في ستينات القرن الماضي.
وأوضح الروقي خلال محاضرة ألقاها ضمن فعالية «أجندة الرواة» المصاحبة لمعرض الصقور والصيد السعودي، أنّ الصيد بشكل عام عند العرب في مرحلة قبل الإسلام كان للحاجة فقط، إلى جانب أنواع أخرى من الصيد مثل صيد الترف الذي كان للهواية والتسلية، وتمارسه طبقة خاصة من الناس مثل الخلفاء والأمراء والوجهاء.
ويروي الروقي أنّ العرب في الماضي كانوا يستخدمون الحفائر للصيد، ويتم ذلك بأن تقام لكل نوع من الحيوانات التي يراد صيدها حفرة معينة، أو عن طريق الخداع عبر إشعال النيران بارتفاع خيمة عند اصطياد الأسود، لكونها كانت تجلس وتنجذب إليها وتراقبها فيتم اصطيادها.
ويشارك في المعرض الذي يشهد إقبالاً كبيراً، حيث يشارك فيه 250 عارضاً من 20 دولة مختلفة، 26 واحة من أبرزها واحة الأسلحة، وواحة عارضي الصقور، وواحة مزادات الصقور، وواحة مزادان الهجن.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)