حكاية بلدة تونسية تعيش من الطين

إدراج «عرائس سجنان» ضمن التراث غير المادي لـ{يونيسكو} يعيد إحياء الحرفة

في سجنان ما لا يقل عن 60 حرفية يروّضن الطين ليتحوّل إلى تحف وأوانٍ مزركشة تثير الإعجاب
في سجنان ما لا يقل عن 60 حرفية يروّضن الطين ليتحوّل إلى تحف وأوانٍ مزركشة تثير الإعجاب
TT

حكاية بلدة تونسية تعيش من الطين

في سجنان ما لا يقل عن 60 حرفية يروّضن الطين ليتحوّل إلى تحف وأوانٍ مزركشة تثير الإعجاب
في سجنان ما لا يقل عن 60 حرفية يروّضن الطين ليتحوّل إلى تحف وأوانٍ مزركشة تثير الإعجاب

أعادت عملية إدراج فخار منطقة سجنان (شمال غربي تونس) ضمن لائحة التراث اللامادي العالمي بمنظمة اليونيسكو، الأضواء لهذا النشاط الحرفي الذي تناقلته نساء المنطقة عبر العصور، دون أن تجري عليه تغييرات اصطناعية تفقده هويته المميزة المعروفة بالبساطة التي تصل حد السذاجة في تصور الأشكال والألوان وأدوات زينة تلك العرائس البسيطة في ظاهرها والعميقة من ناحية إبداعها الحرفي.
وقدم المعهد التونسي للتراث (معهد حكومي)، الذي تبنى عملية الإدراج في قائمة اليونيسكو منذ سنة 2017، معطيات حول فخار سجنان وعرائسه الجميلة وجمع الخصائص التاريخية والفنية والاجتماعية والتنموية لهذا المنتوج التاريخي العريق.
وبعد نحو 20 سنة من غياب تونس عن قائمة اليونيسكو، تمكنت عرائس نساء سجنان من إعادة الاعتبار إلى الشأن الإبداعي الحرفي، وتثمين إسهاماته في عملية إثراء المشهد الثقافي المحلي وإخراج فخار سجنان المميز من نطاق المحلية إلى العالمية. والمعروف أن هذه الصناعة التقليدية تعتمد على عناصر الطبيعة الأربعة، وهي التراب والماء والهواء والنار.
وفي هذا الشأن، تقول علجية المعلاوي (إحدى الحرفيات المميزات في صناعة الفخار التقليدي) إن هذه الصناعة تعتمد على الطين الأصفر أو الأحمر، وهي هبة من الله منحها لسكان هذه المنطقة، ولا يمكن أن تنجح أي حرفية في تطويع الطين دون استعمال الماء، أما الهواء فهو الذي يمنح تلك الأواني الفخارية البسيطة الصلابة الكافية قبل مرورها إلى النار التي تجعلها قابلة للترويج والاستعمال.
وعلى طول الطريق الرابطة بين سجنان وبنزرت من ناحية بلدة تسكراية، تصطف الأواني الفخارية والعرائس المقدودة من طين، فتسحر الزائرين الذين يقبلون عليها، سواء للاستعمال المنزلي، إذ إن الرجوع إلى أواني الطين بات محبذاً من قبل المختصين في التغذية، وهم ينصحون به، أو كذلك للزينة، إذ إن معظم الأواني تحمل أشكالاً هندسية وحيوانية بسيطة ولكنها بديعة.
وبشأن هذه المهنة البسيطة والشاقة، أكد عماد صولة ممثل المعهد التونسي للتراث بولاية (حافظة) بنزرت التي تتبعها سجنان من الناحية الإدارية، أن في سجنان ما لا يقل عن 60 حرفية تروّضن الطين كل يوم وفي كل فصل ليتحوّل إلى تحف وأوان مزركشة تثير الإعجاب، وهن بالفعل في حاجة إلى من يعتني بهن ويؤطرهن، ويجعل تلك المنتجات البسيطة في ظاهرها ذات مكانة إبداعية وتراثية مهمة حتى لا يجد شعار «منطقة سجنان حظها من طين» مبررات كافية لوجوده.
يذكر أن الوزارة التونسية للثقافة والمحافظة على التراث، قد شرعت منذ سنة 2016 في عملية جرد محلي لعناصر التراث الثقافي غير المادي، وهو يمثل المرحلة الأساسية التي تخول للوزارة المضي قدماً في عملية تسجيل مكونات هذا الإرث الحضاري ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».