مقاهي تونس تتحوّل إلى ملاذ للعاطلين عن العمل

في ظل ندرة الوظائف في القطاعين العام والخاص

شبّان في أحد مقاهي سيدي علي بن عون («الشرق الأوسط»)
شبّان في أحد مقاهي سيدي علي بن عون («الشرق الأوسط»)
TT

مقاهي تونس تتحوّل إلى ملاذ للعاطلين عن العمل

شبّان في أحد مقاهي سيدي علي بن عون («الشرق الأوسط»)
شبّان في أحد مقاهي سيدي علي بن عون («الشرق الأوسط»)

بنظرات متثاقلة تحمل خيبة سنوات انتظار الوظيفة، وابتسامة خفيفة تبكي أحلامه الضائعة، يجلس عبد الحق بسدوري - 31 عاماً - في أحد مقاهي مدينة سيدي علي بن عون التابعة لمحافظة سيدي بوزيد في وسط غربيّ تونس، برفقة أصدقائه و"زملائه" العاطلين عن العمل الذين اعتادوا على "قتل" وقتهم في هذا المقهى أو غيره من مقاهي المدينة.
يقول عبد الحق لـ "الشرق الأوسط": "ليس لنا غير المقاهي نرتادها ونمضي فيها أغلب وقتنا، فمنذ حصولي على الماجستير في الحضارة العربية قبل 5 سنوات، والمقهى ملاذي بعدما أغلقت أمامي كل الأبواب التي طرقتها، الحكوميّة منها والخاصّة، ما عدا باب المقهى الذي يفتح أمامي كلّ صباح ولا يغلق إلاّ بمغادرتي إيّاه".
أصدقاؤه يقولون إنه عاطل عن العمل، أمّا هو فيؤثر أن يصفوه بـ"المعطَّل" عن العمل قسراً في "بلد أسقط شبابه النظام من أجل العمل"، حسبه في هذا أنّه حتى في اللّحظة التي اعتمد فيها على نفسه وأنشأ مقهًى ثقافياً في المدينة، من أجله ومن أجل رفاقه، "تعمّدت الدولة إغلاقه" ليعود عبد الحق إلى كراسي المقهى الذي بات يطلق عليه "بيتي الثاني".
عبد الحق لم يختر أن يمضي كلّ وقته في هذا المقهى الغاصّ بدخان السجائر، فهو كما يقول اُجبر على ذلك، بعدما خاض كل المعارك من أجل الحصول على وظيفة دون جدوى. حتى أنّه أسس مع رفاق له تنسيقيّة محليّة لـ "بيع" الشهادات العلميّة، وأقاموا خيمة في وسط المدينة عرضوا فيها شهاداتهم للبيع مع صناديق الخضار والغلال المختلفة، غير أنّ الجهات الرسميّة لم تلتفت إليهم.
يضيف عبد الحق: "لو كان الأمر بيدي لأمضيت اللّيل أيضاً في المقهى، لأنه ليس لدي ما أفعله بعد مغادرته. أصبح النقاش مع الأصدقاء جزءاً منّي. هنا أتقاسم مع رفاقي خيباتنا، وأتداول مع مُجالسيّ في شؤون البلاد".

*البطالة تنعش المقاهي
البسدوري ليس الشاب الوحيد العاطل عن العمل الذي يمضي أغلب وقته في المقاهي، لأنّ أمثاله بالآلاف، كما يؤكّد النادل طارق الجلالي لـ"الشرق الأوسط"، ويوضح أنّه يستقبل يوميّاً مئات الشباب من الحيّ الذي يقع فيه مقهاه.
يضيف طارق: "هم يمضون وقتاً طويلاً هنا، وأحياناً يحرَجون من طول بقائهم فيضطرّون إلى تغيير المقهى فقط لرفع الحرج".
بالتزامن مع ارتفاع نسبة البطالة في تونس، التي بلغت، بحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، 15.5 في المائة، أي 639 ألفاً من مجموع السكان النشطين، ارتفع عدد المقاهي إلى حدود 25 ألفأً، وفق المصدر نفسه.
ويزداد المشهد سوءاً بتأكيد الحكومة غلق باب التوظيف في القطاع العام لسنة 2019، للسنة الثالثة على التوالي. وتبرّر الحكومة هذا القرار بالضغوط المالية وعجز المؤسسات العمومية واقتراب بعضها من الإفلاس.

*أساب اجتماعية
يرى بعض الاختصاصيين أنّ التونسي أصبح أكثر ميلاً إلى الخمول الذهني ويبتعد عن الاجتهاد وإعمال العقل، لذلك تراه يبحث عن قتل الوقت، وهو ما جعله من أكثر الشعوب التي ترتاد المقاهي وتهمل الفضاءات الثقافية.
ويلفت الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير في هذا السياق، إلى أنّ ظاهرة ارتياد المقاهي ترجع إلى أسباب مختلفة اجتماعية واقتصادية ونفسية وحتى سياسية. ويوضح لـ"الشرق الأوسط" أنّ الفراغ الاجتماعي الذي يعيشه التونسي وغياب وسائل الترفيه والأماكن التي من شأنها أن تغيّر مزاجه، جعلاه يجد الحل في المقهى للترويح عن ذاته، فضلاً عن صعوبة الحوار والتعايش داخل الفضاء الأسري وكثرة المشاكل العائلية.
ويضيف بن نصير أنّ الواقع الاقتصادي الصعب رفع نسب البطالة والفقر والتهميش، لافتاً إلى أنّ الفراغ النفسي والمهني هو من أبرز أسباب اكتظاظ المقاهي، إلى جانب السلوك الاجتماعي المتفشي داخل المجتمع من تكاسل واتّكالية.

*من «مبادرة المراسل العربي»



«مدينة مفقودة» في المحيط الأطلسي «لا تشبه شيئاً على الأرض»

أعماق المحيط أذهلت الإنسان (مختبر «أميز»)
أعماق المحيط أذهلت الإنسان (مختبر «أميز»)
TT

«مدينة مفقودة» في المحيط الأطلسي «لا تشبه شيئاً على الأرض»

أعماق المحيط أذهلت الإنسان (مختبر «أميز»)
أعماق المحيط أذهلت الإنسان (مختبر «أميز»)

أذهلت حقيقة ما يكمُن داخل محيطاتنا، الناس منذ الأزل؛ لذا ليس مستغرباً تكاثُر الخرافات حول الأعماق المائية. ولكن بصرف النظر عن قارة أتلانتيس الغارقة، فقد اكتشف العلماء «مدينة مفقودة» حقيقية تحت الأمواج، تعجُّ بالحياة.

وذكرت «إندبندنت» أنّ المناظر الطبيعية الصخرية الشاهقة تقع غرب سلسلة جبال وسط الأطلسي، على عمق مئات الأمتار تحت سطح المحيط، وتتألّف من جدران وأعمدة وصخور ضخمة تمتدّ على طول أكثر من 60 متراً. للتوضيح، فهي ليست موطناً لإحدى الحضارات الإنسانية المنسيّة منذ مدّة طويلة؛ لكنَّ ذلك لا يقلِّل أهمية وجودها.

يُعدُّ الحقل الحراري المائي، الذي أُطلق عليه اسم «المدينة المفقودة» لدى اكتشافه عام 2000، أطول بيئة تنفُّس في المحيطات، وفق موقع «ساينس أليرت ريبورتس». وإذ لم يُعثَر على شيء آخر مثله على الأرض، يعتقد الخبراء بإمكان أن يقدّم نظرة ثاقبة على النُّظم البيئية التي يمكن أن توجد في مكان آخر في الكون.

«مدينة مفقودة» حقيقية تحت الأمواج (مختبر «أميز»)

ولأكثر من 120 ألف عام، تغذَّت الحلزونات والقشريات والمجتمعات الميكروبية على الفتحات الموجودة في الحقل، التي تُطلق الهيدروجين والميثان والغازات الذائبة الأخرى في المياه المحيطة.

ورغم عدم وجود الأكسجين هناك، فإنّ حيوانات أكبر تعيش أيضاً في هذه البيئة القاسية، بما فيها السرطانات والجمبري والثعابين البحرية؛ وإنْ ندُرَت.

لم تنشأ الهيدروكربونات التي تُنتجها الفتحات من ضوء الشمس أو ثاني أكسيد الكربون، وإنما بتفاعلات كيميائية في قاع البحر. سُمِّيت أطول سهول «المدينة المفقودة»، «بوسيدون»، على اسم إله البحر الإغريقي، ويبلغ ارتفاعه أكثر من 60 متراً. في الوقت عينه، إلى الشمال الشرقي من البرج، ثمة جرفٌ حيث تنضح الفتحات بالسوائل، مما ينتج «مجموعات من الزوائد الكربونية الدقيقة متعدّدة الأطراف تمتدّ إلى الخارج مثل أصابع الأيدي المقلوبة»، وفق الباحثين في «جامعة واشنطن».

هناك الآن دعوات لإدراج «المدينة المفقودة» ضمن مواقع التراث العالمي لحماية الظاهرة الطبيعية، خصوصاً في ضوء مَيْل البشر إلى تدمير النُّظم البيئية الثمينة.

وفي عام 2018، جرى تأكيد أنّ بولندا نالت حقوق التنقيب في أعماق البحار حول الحقل الحراري. وفي حين أنّ «المدينة المفقودة»، نظرياً، لن تتأثّر بمثل هذه الأعمال، فإنّ تدمير محيطها قد تكون له عواقب غير مقصودة.