متحف الأمير محمد علي بالقاهرة يجذب السياح في ذكرى ميلاد مؤسسه

قصر يزخر بعشرات القطع الأثرية ويبرز روعة العمارة الإسلامية

قاعة الطعام في القصر («الشرق الأوسط»)
قاعة الطعام في القصر («الشرق الأوسط»)
TT

متحف الأمير محمد علي بالقاهرة يجذب السياح في ذكرى ميلاد مؤسسه

قاعة الطعام في القصر («الشرق الأوسط»)
قاعة الطعام في القصر («الشرق الأوسط»)

من يمر على قصر الأمير محمد علي بمنطقة المنيل بالقاهرة، لا يستطيع تجاهل النظر إلى المبنى البديع الضخم الذي شُيد على مساحة تزيد عن 61 ألف متر مربع، بهدف حفظ الهوية العربية الإسلامية في فن العمارة، والزخارف، فيما استغرق إنشاؤه 40 عاماً، وأهداه الأمير إلى الحكومة المصرية بعد وفاته، فكان واحداً من قصور الأسرة العلوية الذي لم يتم تأميمه عقب ثورة 1952.
وتحتفل إدارة المتحف، خلال هذا الشهر، بعيد ميلاد الأمير، بتوزيع الزهور والتذاكر المجانية السنوية، احتفالاً بسيرته، وجهوده في حفظ التراث.
ويقول الدكتور ولاء الدين بدوي، مدير عام المتحف لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأمير محمد علي لاحظ تأثر العمارة المصرية بالفن الأوروبي خلال نهاية القرن الـ19، عقب الاحتلال الإنجليزي لمصر، فقرر بناء هذا القصر بهدف الحفاظ على التراث العربي الإسلامي المعماري، وقام بشراء أرض المتحف التي يقال إنها تعود إلى جده الخديوي إسماعيل، التي باعها بدوره عقب تعرضه لأزمات مالية في نهاية حكمه، بعدما وصلت الأرض إلى حيازة إسماعيل كهدية من جده محمد علي الكبير إلى والده إبراهيم.
ويخلط البعض بين محمد علي الكبير، وحفيده الأمير محمد علي، فالأول هو مؤسس مصر الحديثة، الذي حكم ما بين عام 1805 إلى 1840 ميلادية، والثاني هو حفيده، إذ إنه ابن الخديوي توفيق ابن الخديوي إسماعيل. وللأمير محمد علي حكاية مثيرة مع عرش مصر، إذ ضاع حلمه في تولي الحكم ثلاث مرات، في حين كان وصياً على العرش لمدة عام لحين بلوغ الملك فاروق الثمانية عشرة عاماً.
وعن ذلك يقول دكتور ولاء إن «الأمير محمد علي لم يسع للحكم بقدر ما كانت ظروف نشأته تدفعه إلى ذلك، فجده خديوي، ووالده وأخيه أيضاً، وقد ظل والياً لعرش أخيه الخديوي عباس حلمي الثاني لمدة سبع سنوات، حتى أنجب عباس ابنه الأول، وبعد عزل عباس من قبل المستعمر الإنجليزي، تم تجاهل حق الأمير محمد علي في خلافته، وعين عمه حسين كامل».
ويضيف ولاء: «سبب تولي كامل الحكم، كان رفض محمد علي وأخيه وجود الاحتلال الإنجليزي على أرض مصر، وتزامن ذلك مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقتها تحولت مصر إلى ثكنة عسكرية للإنجليز، الذين كانوا يرفضون الأصوات المعارضة حينذاك، في حين كان محمد علي مثقفاً يجيد الإدارة، والسياسة، ويتكلم 6 لغات».
ويوضح ولاء قائلاً: «بعد وفاة حسين كامل، حان دور تولي محمد علي للمرة الثالثة، لكن تم تولية فؤاد، وظل الخديوي الجديد، يشعر لسنوات بتهديد الأمير محمد علي لعرشه، لحين زواجه من الأميرة نازلي، وإنجابه الأمير فاروق، آخر ملوك الأسرة العلوية في مصر».
كل تلك الصراعات على حكم مصر لم تشغل الأمير محمد علي، عن بناء واحد من أهم القصور التاريخية، ويشهد على ذلك المباني الستة التي يتكون منها المتحف، ويستغرق زيارتها بشكل عابر أكثر من ثلاث ساعات، يلاحظ خلالها الزائر التأمين الجيد للقصر، وحرص مسؤولي القاعات على شرح المعروضات بطريقة احترافية، وزيادة أعداد الزائرين المصريين والأجانب.
تبدأ زيارة القصر من مبنى سرايا الاستقبال، الذي يتكون من طابقين، الأرضي لاستقبال الضيوف، بينما العلوي يضم قاعتين، القاعة الشامية التي جلب خشبها من قصر العظم الأثري بدمشق، والقاعة الثانية صممت على الطراز المغربي.
هناك أيضاً برج الساعة، الذي وضعت به ساعة شبيهة بساعة محطة سكك حديد مصر الشهيرة، والمسجد الذي يعد تحفة معمارية وزخرفية، تجد على مدخله لوحة دون عليها أسماء كل من شارك في تأسيس القصر، كما تم تغطية المسجد بقيشاني صنع خصيصاً بمصنع في تركيا.
يلي ذلك مبنى سرايا العرش الذي يضم قاعة المناسبات المزينة بلوحات بالحجم الطبيعي للأسرة العلوية، ثم سراي الإقامة التي تحتوي على حجرات الحريم، والأمير، ومكتبات، والصالون الأزرق، وحجرة المدفئة، ثم القاعة الذهبية، ومتحف لمقتنيات الصيد تعود للملك فاروق، والأميرين محمد علي، ويوسف كمال، ومجموعة خاصة من الجواهر الملكية إهداء من مصممة الجواهر عزة فهمي، ثم الحديقة التي تضم مجموعة من النباتات النادرة، جمعها الأمير خلال رحلاته حول العالم، وتضم عدداً من الأشجار المعمرة، مثل شجرة الفيكس التي تعود إلى عصر المماليك، إذا تتجاوز الـ450 عاماً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».