اختبار الثانوية الكورية... ثماني ساعات مصيرية تشل الدولة وتؤدي للانتحار

المدرسون يعدون أسئلته في مقر سري ويتم عزلهم عن أسرهم لشهر كامل

طالبة كورية تصل إلى مقر اختبار الثانوية الكورية في سيول (أ.ف.ب)
طالبة كورية تصل إلى مقر اختبار الثانوية الكورية في سيول (أ.ف.ب)
TT

اختبار الثانوية الكورية... ثماني ساعات مصيرية تشل الدولة وتؤدي للانتحار

طالبة كورية تصل إلى مقر اختبار الثانوية الكورية في سيول (أ.ف.ب)
طالبة كورية تصل إلى مقر اختبار الثانوية الكورية في سيول (أ.ف.ب)

من يظن أن التوتر الذي يحيط بامتحانات الثانوية العامة والتأهيل لدخول المرحلة الجامعية في أوطاننا العربية مبالغ فيه، عليه زيارة كوريا الجنوبية في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ففي اليوم المقرر لإجراء اختبار «سونونج» والذي يتقدم إليه نحو نصف مليون طالب سنوياً بعد أن يكونوا قد قضوا سنوات حياتهم كلها تقريباً في الاستعداد لهذا اليوم، تتوقف الحياة حرفيا في أرجاء العاصمة سيول.
ويشرح تقرير نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن لفظة «سونونج» هي اختصار مسمى الامتحان الأشهر في كوريا الجنوبية وهو: «اختبار القدرات الدراسية للمرحلة الجامعية»، وهو عبارة عن ماراثون من الاختبارات المتواصلة لمدة ثماني ساعات، والذي لا يحدد فقط ما إذا كان الطالب سيلتحق بالجامعة من عدمه، ولكنه أيضاً يؤثر على فرصه المهنية مستقبلا، ومستوى دخله، ومقر إقامته، وحتى علاقاته الشخصية.
ففي كل عام وخلال شهر نوفمبر، يصيب «سونونج» العاصمة سيول بحالة تشبه الشلل، فيعم الصمت الشوارع، حيث تغلق المحال التجارية في يوم إجراء الاختبار، وكذلك لا تفتح البنوك أبوابها، وحتى البورصة لا تبدأ تعاملاتها إلا في ساعة متأخرة من هذا اليوم. وحتى المشاريع الإنشائية العاجلة تتوقف بشكل استثنائي، وتحط الطائرات عن إقلاعها، بل إن المناورات والتدريبات العسكرية تتجنب هذا اليوم تحديدا.
ولا يشوب هذا الصمت المطبق، إلا أبواق سيارات الشرطة وقد انطلقت بين الحين والآخر لإخلاء الطريق في محاولة لإيصال الطلاب الذين تأخروا عن موعد الـ«سونونج»، أما عائلات الطلاب الذين يغلبهم التوتر بشأن مصير الأبناء الممتحنين، فتزدحم بهم دور العبادة، حيث يكون مشهد إمساك الآباء المتأثرين بصور أطفالهم فيما يشرعون في الصلاة متكررا، ويتم تنظيم جدول الصلوات في هذا اليوم بالتزامن مع مواعيد إجراء الـ«سونونج».
ولبيان أهمية الـ«سونونج»، تقول كو أيون - سيوه (18 عاما) والتي تخوض الاختبار للمرة الأولى: «بالنسبة لنا، فإن (سونونج) يعتبر بوابة رئيسية إلى المستقبل. ففي كوريا، الدراسة الجامعية مسألة بالغة الأهمية، وبالتالي فإننا نستعد لمدة 12 عاما لهذا اليوم، وأعرف طلابا تقدموا إلى هذا الاختبار ما لا يقل عن خمس مرات».
أما لي جين - يونج (20 عاما) فقد خضعت للـ«سونونج» مرتين قبل أن تنجح في الدخول إلى الجامعة. وفي شرح تجربتها تقول: «على مدار أسبوع وقبل يوم الاختبار، أقوم بممارسة المشي في تمام الساعة السادسة صباحا، حتى تكون قدراتي الذهنية في أفضل حال. وأظل أردد لنفسي لقد درستِ بجد، عليكِ فقط أن تريهم ذلك»، وتتذكر كيف أنها وصلت العام الماضي إلى أبواب المدرسة في تمام الساعة السابعة والنصف، لتقابل طلاب الأعوام الأولى المتحمسين يوزعون حلوى الطوفي المحلية والمعروفة باسم «يوات» على سبيل تمني الحظ الطيب للممتحنين. ولكن بمجرد الدخول إلى المدرسة، يتحول المزاج العام ويحل الصمت المطبق. وفي مدخل قاعة الاختبار، يقف المشرفون ويلوحون بالأجهزة الكاشفة عن المعادن، لمصادرة كل أشكال الإلهاء من الساعات الرقمية «الديجيتال»، والهواتف، والحقائب، والكتب.
وتقول جين – يونج: «الجميع التزموا الهدوء الشديد، حتى أن المدرسين ارتدوا الأحذية الرياضية، بحيث لا يتسبب وقع أقدامهم في أي إزعاج قد يشتت انتباه الطلاب».
حتى عملية وضع الاختبار ذاتها تكتنفها السرية، ففي شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام، يتم اختيار 500 مدرس من أنحاء كوريا الجنوبية ويتم اقتيادهم إلى موقع سري في إقليم «جانجون» الجبلي، وعلى مدار شهر كامل، تتم مصادرة هواتف المدرسين المختارين ويتم حظر أي تواصل بينهم وبين العالم الخارجي.
وتتذكر أيون - سيوه مدرسها السابق للغة الصينية والذي أخبرها أنه تم اختياره من قبل للمشاركة في وضع الاختبار، فتقول: «في وقتها قال لزملائه إنه مسافر، حتى إن بعضهم تصور أنه تقاعد عن العمل، وتم اقتياده إلى موقع سري، ولمدة شهر لم يكن مسموحاً له بالمغادرة أو حتى التواصل مع أسرته».
أما عن طبيعة الاختبار، فتقول جين – يونج: «كان في غاية الصعوبة، حتى أنه بنهاية اختبار اللغة الكورية، كنت أرتعش، ولم أتمكن حتى من قراءة السؤال الأخير، ولكنني فقط خمنت الإجابة». وأوردت لي شهادتها حول الـ«سونونج» فيما كانت تحمل بطاقة الحضور لاختبار العام الماضي، وفي الجانب الخلفي، كان هناك كتابات وعلامات دونتها في إشارة إلى إجاباتها في الاختبار.
يتم الإعلان الرسمي عن درجة كل طالب عبر موقع إنترنت قومي، وذلك خلال شهر من إجراء الاختبار، ولكن بعض المواقع غير القانونية تقوم بنشر درجات الطلاب بشكل فوري عقب الاختبار، بما يتيح للطلاب مقارنة إجمالي درجاتهم بالحد الأدنى المطلوب لالتحاقهم بالكليات الجامعية التي يتمنونها.
وهكذا اكتشفت جين - يونج أنها أخفقت في الاختبار، «عندما أدركت أن درجاتي أقل من المطلوب، انفطر قلبي، شعرت وكأنني أريد أن أذوب وأختفي من على وجه الأرض». ولكن في العام التالي، تقدمت لخوض الـ«سونونج» للمرة الثانية، ولحسن حظها، أحرزت الدرجات الكافية لدخول الجامعة.
لكن تقرير الـ«بي بي سي» يحاول حل اللغز وراء توتر المرتبط بعملية التقدم للمرحلة الجامعية في كوريا الجنوبية؟
تتمتع كوريا الجنوبية بأنها أحد أكثر الشعوب تعلما على مستوى العالم. فثلث العاطلين عن العمل هناك يحملون شهادة جامعية. ومع وصول معدلات البطالة في أوساط الشباب إلى أعلى مستوى خلال عقد كامل، أصبحت المسألة أكثر صعوبة فيما يخص الالتحاق بجامعة مرموقة.
ومثل أغلبية شباب كوريا الجنوبية، فإن أيون - سيوه لا تهدف إلى أي جامعة وإنما تتمنى الالتحاق بـ«سكاي» الاسم المختصر للإشارة إلى أرفع ثلاث جامعات في كوريا الجنوبية، وهم سيول، وكوريا، ويونسي. فهم يتم اعتبارهم بمثابة جامعات هارفارد وييل الأميركية أو أكسفورد وكامبريدج البريطانية في كوريا الجنوبية.
وتكشف الإحصاءات عن أن نحو 70 في المائة من خريجي الثانوية سوف يلتحقون بالتعليم الجامعي، ولكن أقل من 2 في المائة سوف يتمكنون من بلوغ قامة جامعات «سكاي»، وتلخص أيون - سيوه الأمر: «إذا كنت تسعى للاعتراف بك وأن تصل إلى أحلامك، يجب أن تنضم إلى إحدى هذه الجامعات الثلاث. فالجميع يحكم عليك على أساس شهادتك الجامعية ومن أين حصلت عليها».
كما أن الانضمام لصفوف جامعات «سكاي» المرموقة يعتبر السبيل الأفضل للحصول على وظيفة في أحد التكتلات الاقتصادية التي تدار بشكل عائلي والتي تعرف باسم «تشايبول» أو «العشيرة الثرية»، فاقتصاد كوريا الجنوبية مرتبط بهذه السلالات ذات التأثير الممتد مثل «إل جي»، و«هيونداي»، و«إس كيه»، و«لوتي»، و«وإن كانت أكبرهم على الإطلاق هي «سامسونج».
يشرح لي دو - هون، أستاذ علم الاجتماع بجامعة يونسي، كيف أن الصحف القومية تنشر كل عام موضوعات حول كم المحامين، والقضاة، والمديرين التنفيذيين بالتكتلات الاقتصادية الكبرى والذين تخرجوا في الأساس في جامعات «سكاي». ويعقب لي: «هذا يجعل الناس تشعر بأن التحاقك بجامعات (سكاي)، يمكنك من الحصول على وظيفة مرموقة».
ويشرح دو - هون أن التخرج في جامعة جيدة في كوريا الجنوبية لا يضمن للشباب في الواقع وظيفة جيدة أو راتباً مستقراً. فالمنافسة شديدة بين المتقدمين بسوق الوظائف. ويضيف: «مما أسمعه من طلابي، فإن حتى مع التخرج في إحدى الجامعات المرموقة، فإن الحصول على وظيفة يزداد صعوبة. وإن كانت المسألة تصبح أيسر بالنسبة لخريجي جامعات الصفوة بالمقارنة مع غيرهم من خريجي الجامعات الأدنى في المستوى». ويعقب: «وبالطبع، إذا لم تخض الاختبار وتلتحق بجامعة، فإن من شبه المستحيل، أن تجد وظيفة جيدة».
وبما أن الكثير فيما يخص مستقبل طلاب كوريا الجنوبية تحدد وفقا لنتيجة اختبار «سونونج»، فإن المراجعات له تبدأ مبكرا، من سن الرابعة.
الانتقادات الموجهة إلى اختبار الـ«سونونج» لا تقف عند هذا الحد، فهو متهم بالتأثير سلباً على الحالة النفسية والذهنية للطلاب.
فيشرح دكتور كيم تاي - هيونج، وهو أخصائي نفسي يعمل في سيول: «الأطفال الكوريون مجبرون على الدراسة الشاقة والتنافس مع زملائهم، فهم ينشأون في حالة من العزلة، يدرسون بمفردهم. وهذه الحالة من العزلة والوحدة قد تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، وتعد سبباً رئيسياً وراء حالات الانتحار».
على المستوى الدولي، فإن الانتحار يعد ثاني أكبر مسبب لحالات الوفاة في أوساط الشباب، ولكن في كوريا الجنوبية يعد السبب الرئيسي وراء وفيات الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 أعوام و30 عاماً. ووفقا لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، فإن كوريا تشهد أعلى معدل للإصابة بالتوتر في أوساط الشباب ما بين الـ11 و15 عاما، وذلك بالمقارنة مع أي دولة صناعية أخرى.
ولا عجب، إذ يشرح دكتور تاي - هيونج أن الضغوط التي تمارس على الطلاب بالمجتمع الكوري للالتحاق بجامعة جيدة والحصول على وظيفة مربحة يبدأ مبكرا. فيقول: «يبدأ الأطفال بالشعور بالقلق والتوتر منذ سن مبكرة جدا. حتى أن طلاب أولى سنوات المرحلة الابتدائية يتحدثون بشأن الحصول على وظيفة ذات عائد مربح».


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

انتظار «اللحظة المثالية» أسطورة... هذا ما يجب فعله لطلب ترقية

هل هناك وقت مناسب لطلب ترقية؟ (رويترز)
هل هناك وقت مناسب لطلب ترقية؟ (رويترز)
TT

انتظار «اللحظة المثالية» أسطورة... هذا ما يجب فعله لطلب ترقية

هل هناك وقت مناسب لطلب ترقية؟ (رويترز)
هل هناك وقت مناسب لطلب ترقية؟ (رويترز)

تقول الأسطورة إن هناك «لحظةً مثاليةً» لطلب الترقية.

وأوضحت ميلودي وايلدينغ، المدرِّبة التنفيذية الحائزة جوائز، والخبيرة في السلوك البشري، ومؤلفة كتاب «الإدارة التصاعدية: كيف تحصل على ما تحتاج إليه من الأشخاص المسؤولين»، أن معظم عملائها يقضون أسابيع أو أشهراً في الاستعداد بدقة لتلك المحادثة الحاسمة خلال تقييمهم السنوي، معتقدين أن هذا هو الوقت الذي سيُقرَّر فيه مستقبلهم.

لكنها أشارت، في تقرير لشبكة «سي إن بي سي»، إلى أنه «لا يتم اتخاذ القرارات خلال تقييم أدائك، بل عندما يتم توصيل القرارات»، موضحة أنها تسمي ذلك «مفارقة تقييم الأداء».

وقالت وايلدينغ: «بينما تركز على إتقان تلك المحادثة الكبيرة، يتم وضع الأساس الحقيقي لتقدمك في مئات اللحظات الصغيرة على مدار العام. كل عرض تقديمي تقدمه، وكل حل تقترحه، وكل مشروع تقدمه تُشكِّل كيفية نظر القادة إلى إمكاناتك».

وأضافت: «بحلول الوقت الذي تدور فيه محادثات المراجعة الرسمية، فإن 85 في المائة من القرارات المتعلقة بالترقيات والتقدم تكون محسومة».

ووفقاً لها، هذا يفسر سبب أن حتى المهنيين الأكثر استعداداً غالباً ما يواجهون ردود فعل سلبية مثل:

«أنت بحاجة إلى مزيد من الخبرة الوظيفية المتعددة أولاً».

«تم تخصيص الميزانية».

«يتطلب الدور تفكيراً استراتيجياً أقوى».

وفسرت أن «الارتقاء فوق مفارقة مراجعة الأداء يعني تبني فكرة أن كل تفاعل هو فرصة لتشكيل كيفية رؤية القادة لإمكاناتك. والخبر السار هو أنك لست مضطراً إلى الانتظار لوقت محدد لبدء بناء مسار ترقيتك».

وقدمت وايلدينغ الاستراتيجيات والنصوص التي ساعدت عملاءها على التدريب المهني على تأمين الترقيات والزيادات التي يستحقونها؛ بما في ذلك في شركات كبرى مثل «غوغل»، و«أمازون»، و«مايكروسوفت»:

قم بالإقناع المسبق وزرع البذور مبكراً

ابحث عن لحظات طبيعية للإشارة إلى طموحاتك خارج جلسة مخصصة. استخدم الإقناع المسبق، وهي تقنية تبناها عالم النفس روبرت سيالديني. يُبنى هذا التأثير بشكل خفي على تصورات ومواقف جمهورك (وهو في هذه الحالة، رئيسك ورؤساؤك وزملاؤك) بحيث عندما تطلب رسمياً ترقية، يبدو الأمر وكأنه تقدم معقول وليس قفزة مفاجئة.

على سبيل المثال، عندما يذكر رئيسك مبادرةً جديدةً في أثناء اجتماعك الفردي، يمكنك أن تقول: «من الرائع أن نسمع أننا نتوسع في مجال الذكاء الاصطناعي. لقد كنت أبحث في هذا الأمر، وأرى طرقاً لتوسيع نطاق نهجنا. أود أن أتولى مزيداً من التخطيط الاستراتيجي في هذا المجال».

أو بعد تحقيق نجاح أو إنجاز، يمكنك أن تقول: «أنا سعيد حقاً بمدى نجاح العرض التقديمي للعميل. لقد منحني تعزيز التواصل مع أصحاب المصلحة فرصةً للتعرف على الدور الأعلى رتبة، وأنا حريص على تولي مزيد من فرص القيادة هذه».

التعاقد حول قائمة مراجعة

قبل أن تطلب ترقية مباشرة، تحدَّث عن ما يتطلبه التقدم. أسمي هذا «التعاقد» - الحصول على اتفاق واضح وصريح حول ما هو مطلوب للوصول إلى المستوى التالي. عندما يحدد مديرك معاييره، فهو لا يوافق ضمنياً على إمكانية الترقية فحسب، بل إنه أصبح أيضاً أكثر استثماراً في تطويرك لأنه ساعد على تصميمه.

جرب هذا النص: «أنا متحمس للنمو مع الفريق، وأود أن أفهم كيف يبدو التقدم (إلى الدور التالي الذي تريده عادةً). ما المهارات أو الخبرات التي تريد أن تراها من شخص ينتقل إلى هذا المنصب؟».

يمكنك أيضاً طرح أسئلة مثل:

«ما المعالم أو المقاييس التي تظهر أنني مستعد لـ(الدور)؟ أود أن تكون لدي أهداف واضحة أسعى لتحقيقها».

«هل لدينا جدول زمني أو مسار نموذجي للانتقال إلى (مسؤوليات جديدة)؟ أود أن أضع أهدافاً واقعية لنفسي».

«مَن يحتاج إلى أن يكون على استعداد لاتخاذ قرار ترقيتي (إلى الدور)»؟

يُحوِّل هذا النهج محادثة الترقية النهائية من طلب كبير إلى مراجعة قائمة وبسيطة. عندما يحين وقت المراجعة، يمكنك أن تقول: «لقد ناقشنا أن تحسين اكتساب العملاء كان خطوة أساسية نحو التقدم. لقد قمت الآن بقيادة توسعنا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأعدت تصميم مسار المبيعات لدينا؛ مما أدى إلى زيادة التحويل بنسبة 40 في المائة. يبدو أننا قمنا بفحص هذه المربعات. ما هي أفكارك؟».

أطِّر زيادة راتبك بوصفه تعديلاً

البشر بطبيعتهم يميلون إلى العدالة والمعاملة بالمثل. عندما ننظر إلى الطلب بوصفه استعادةً للتوازن بدلاً من طلب معاملة خاصة، فمن المرجح أن تتم الموافقة عليه.

لهذا السبب فإن تأطير مناقشة التعويضات حول «التوافق» أو «انعكاس المسؤوليات الحالية» أمر فعال للغاية. أنت لا تطلب مزيداً من المال، أنت ببساطة تشير إلى أن أجرك يجب أن يتطابق مع المستوى الجديد الذي تعمل فيه.

جرب هذه النصوص:

«نظراً لمسؤولياتي الموسعة، فمن المنطقي أن يعكس راتبي هذا النطاق».

«الآن بعد أن أدير علاقاتنا الأكبر مع العملاء، أود مناقشة تعديل تعويضاتي لتكون متناسبة مع هذا الدور على مستوى كبار المسؤولين».

ابدأ اليوم

لا تنتظر حتى يحين موعد المراجعة التالية. من خلال زرع البذور في وقت مبكر، والحصول على موافقة صريحة على معايير التقدم، وتأطير المناقشات بشكل مناسب، يمكنك تحويل عملية الترقية من طلب عالي المخاطر إلى تقدم طبيعي.