بعد ثلاث سنوات من مشاحنات السياسة واضطراب الأوضاع الأمنية، استعاد المصريون هذا العالم احتفالات «الكريسماس»، ابتهاجا بالعام الميلادي الجديد. تكتسب هذه الاحتفالات عبقا خاصا، بعد تعافي السياحة التي تأثرت بشدة جراء تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد.
* رحلات إضافية
وتشير المؤشرات الأولية إلى دوران عجلة السياحة مرة أخرى، بالتزامن مع احتفالات «الكريسماس» عن طريق زيادة عدد السياح الوافدين، حيث أكد الطيار حلمي رزق، رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران للخطوط الداخلية «إكسبرس»، أن الشركة قررت تشغيل 75 رحلة طيران إضافية بجانب الرحلات الأساسية لكل من مطارات شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان، وهي من المقاصد السياحية المهمة خلال الفترة من 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 11 يناير(كانون الثاني) المقبل التي تتزامن مع احتفالات أعياد رأس السنة وأعياد الميلاد وتزداد فيها نسبة أعداد الركاب والمسافرين والأفواج السياحية القادمة من دول أوروبا إلى مصر وبعض الدول العربية لقضاء الاحتفالات في المنتجعات السياحية والأثرية بالأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ.
وقال محمود العربي، مدير مطار الأقصر الدولي، إن معدل حجوزات الطائرات وصل 30% مع اقتراب الاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، وخاصة مع تشغيل خط «الأقصر - لندن» مباشرة.
وتوقع العربي ارتفاع نسبة الحجوزات مع تشغيل خطوط «الأقصر - برشلونة»، و«الأقصر - روما»، مضيفا أن شركة «جيرمان إير» الألمانية ستقوم برحلتين يومي 23 و30 ديسمبر الحالي إلى مدينة الأقصر.
وقال مصدر بالمطار إنه من المنتظر أن يزور الأقصر بصورة غير رسمية خلال الأيام المقبلة كل من توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وكاترين أشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي.
وفي مصر، يوجد عدد من المدن تعد الأفضل للاحتفال برأس السنة، مثل مدينة الأقصر التي تعد قلب إحدى الحضارات الأكثر عراقة وقدما، والمعروفة بمتحفها الخارجي الذي يتضمن 70% من الآثار في مصر، وتعد الأقصر الوجهة السياحية المفضلة خلال فصل الشتاء. وبإمكان السائح القيام بزيارة المعابد الفرعونية، أو التجول في البازارات المنتشرة في المدينة واقتناء مجموعة مميزة من الهدايا التذكارية والمنتجات والحرف اليدوية التي تعكس طابع هذه المدينة. ومن المناسب جدا الاستمتاع برحلة نيلية بالمراكب الشراعية، للتمتع بأجواء المدينة القديمة والآثار والمياه الدافئة. الأمر نفسه بالنسبة لمدينة أسوان على بعد نحو 200 كم من الأقصر.
* المقاصد السياحية
ومن المقاصد السياحية المهمة للاحتفال برأس السنة، زيارة مدينة «سانت كاترين» بشبه جزيرة سيناء والاستمتاع بكنوزها التاريخية والدينية الكبيرة، فبها أقدم كنائس ومساجد مصر، كما أن سانت كاترين تعد محمية طبيعية لما تحتويه من أشياء نادرة، بالإضافة إلى تغطية الجليد لجبال سانت كاترين في هذا الوقت من العام.
ويستعد عدد من المطربين المصريين لإحياء حفلات خاصة برأس السنة في الفنادق الكبرى بالعاصمة القاهرة، وبعض المدن الساحلية كشرم الشيخ والغردقة، والساحل الشمالي بالإسكندرية. منهم المطرب محمد حماقي الذي يحيي حفل ليلة رأس السنة بفندق «كونكورد السلام». والمطربة آمال ماهر، بالإضافة لاحتفالات خاصة تنظمها دار الأوبرا المصرية بهذه المناسبة.
تعافي حركة السياحة انعكس على عدد كبير من المشتغلين بها، فبنبرة تفاؤل روى محمد مختار صاحب إحدى الشركات السياحية بحي جاردن سيتي بالقاهرة أنه «منذ أحداث ثورة 30 يونيو (حزيران) الماضي لم تطأ قدم سائح أرض البلاد سواء كان عربيا أو أجنبيا، اللهم إلا حفنة قليلة ممن أتوا لرؤية ذويهم الكائنين بالبلاد والاطمئنان عليهم، وقبلها كانت حركة السياحة لا تتعدى الـ5% إن لم تكن صفرا. أما الآن، فوصلت إلى 60%، وأتوقع أن تتزايد النسبة إلى 75% بفضل تحسن الوضع الأمني والسياسي».
ويؤكد مختار أن «هناك إقبالا قويا جدا علي السياحة، ولدينا طلبات وحجوزات إلى شرم الشيخ والغردقة والأقصر من جنسيات مختلفة، خاصة الإيطاليين والروس والإنجليز»، مضيفا بنبرة حاسمة: «عودة السياحة مرة أخرى مؤشر على عودة مفهوم الدولة بمؤسساتها المختلفة».
وتعد السياحة قاطرة أساسية في التنمية الاقتصادية لمصر التي حباها الله بموقع جغرافي فريد، يتميز بطقس معتدل على مدار أيام العام، وثروات وكنوز أثرية تعكس عمق وتميز حضارتها على مر العصور، وتشكل متحفا مفتوحا، فضلا عن تمتعها بشواطئ رائعة الجمال، عنيت الدولة بتقديم التسهيلات كافة للاستثمار فيها وجعلها في مكانة لائقة لاستقبال الوافدين من مختلف أرجاء العالم، خاصة بعد رفع 23 دولة أجنبية حظر السفر للسياحة إلى مصر على خلفية تحسن الوضع الأمني، وانتهاء حالة الطوارئ التي فرضتها سلطات البلاد لثلاثة أشهر لدواع أمنية، وهو ما أدي إلى جذب الاستثمارات في القطاع السياحي بقوة لتصبح مصر من أكثر دول المنطقة جذبا للاستثمارات السياحية.
ويعلق علي رأفت، صاحب أحد البازارات بحي الحسين بالقاهرة، قائلا: «بدأت حركة السياحة تتحسن تدريجيا منذ أيام العيد الأولى، حيث بدأت تتوافد بوضوح أفواج السائحين من الدول الأجنبية، خاصة روسيا وإيطاليا وبعض الإخوة من الدول العربية المختلفة، الذين يأتون لشراء التماثيل الفرعونية القديمة والتحف النادرة والجلوس على (مقهى الفيشاوي) الشهير والاستمتاع بالطرب المصري الأصيل»، مضيفا وهو يلمع أحد التماثيل القديمة بقطعة قماش ممزقة: «يا رب يفضل الحال كده، قبل العيد كانت حركة السياحة صفر وخلال الموسم، والآن وصلت إلى 60 أو 75% وذلك يرجع إلى تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ وعودة الهدوء نسبيا إلى الشارع المصري».
وطبقا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية، فإن السياحة في مصر حينما تترجم إلى الأرقام في الأحوال العادية، فإنها تعني ما يقرب من 40% من إجمالي صادرات الخدمات، متجاوزة بذلك جميع إيرادات المتحصلات الخدمية، و19.3% من حصيلة النقد الأجنبي، ونحو 7% من إجمالي الناتج المحلي بصورة مباشرة الذي يرتفع إلى 11.3% إذا ما أضيفت المساهمات غير المباشرة في قطاع السياحة والمتمثلة في الخدمات المصاحبة للسفر والسياحة، حيث يمثل نصيب قطاع المطاعم والفنادق فيها فقط 3.5%. وذلك لتشابك صناعة السياحة مع كثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تزيد على 70 صناعة مغذية. كما تعد السياحة من أهم قطاعات الدولة توفيرا لفرص العمل، حيث تصل نسبة الذين يعملون بها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى نحو 12.6% من إجمالي حجم العمالة في الدولة، بحسب تقارير وإحصاءات رسمية.
نبرة التفاؤل بعودة السياحة تعم محمد صلاح مسؤول قسم الحجوزات بفندق «جراند روتانا» بمدينة شرم الشيخ، حيث يقول: «منذ اليوم الأول للشهر الحالي، بدأت أعداد السياح تتزايد بشكل مستمر حتى وصلت نسبة إشغال الغرف إلى 70 و75%، بل إنها في أيام العيد كانت تصل إلى 100% بسبب السياحة الداخلية وموسم الإجازات بعد أن كانت شبه معدومة، فالحجوزات تتم من خلال الشركات السياحية المصرية والأجنبية بشكل مستمر نظرا لتزايد أعداد السياح الوافدين».
وتمنى صلاح أن يستمر الهدوء والاستقرار في البلاد حتى تواصل السياحة انتعاشها: «فهي قوام حياتنا ومصدر دخل مهم للبلاد وقطاع كبير من المصريين».