«على أكتاف العمالقة» مزاد لمقتنيات العالم الراحل ستيفن هوكينغ

يشمل كرسياً متحركاً وبعض الميداليات والأوراق العلمية

عدد من متعلقات العالم الراحل ستيفن هوكينغ والتي تعرض للبيع على الموقع الإلكتروني لدار كريستيز للمزادات منها الكرسي المتحرك ونسخة من رسالة الدكتوراة وبعض الميداليات التقديرية (كريستيز)
عدد من متعلقات العالم الراحل ستيفن هوكينغ والتي تعرض للبيع على الموقع الإلكتروني لدار كريستيز للمزادات منها الكرسي المتحرك ونسخة من رسالة الدكتوراة وبعض الميداليات التقديرية (كريستيز)
TT

«على أكتاف العمالقة» مزاد لمقتنيات العالم الراحل ستيفن هوكينغ

عدد من متعلقات العالم الراحل ستيفن هوكينغ والتي تعرض للبيع على الموقع الإلكتروني لدار كريستيز للمزادات منها الكرسي المتحرك ونسخة من رسالة الدكتوراة وبعض الميداليات التقديرية (كريستيز)
عدد من متعلقات العالم الراحل ستيفن هوكينغ والتي تعرض للبيع على الموقع الإلكتروني لدار كريستيز للمزادات منها الكرسي المتحرك ونسخة من رسالة الدكتوراة وبعض الميداليات التقديرية (كريستيز)

نجح العالم البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ في أن يكون قربيا من الناس سواء كانوا من المهتمين بالعلوم أو غيرهم ربما بسبب قصة حياته وكفاحه ضد مرض أقعده جسديا ولكن لم يمنعه من العمل والاختراع والابتكار. وما يمكن أن يمنح الجمهور فرصة لمعرفة بعض جوانب حياته وأبحاثه مجموعة من الخطابات والمتعلقات تعرضها دار كريستيز للبيع في مزاد إلكتروني انطلق أمس ويستمر حتى الثامن من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
في مزاد يحمل عنوان «على أكتاف العمالقة» تعرض الدار 22 قطعة من مقتنيات العالم الراحل، منها نسخ من أهم الأبحاث التي كتبها هوكينغ، منها بحثه المثير حول الثقوب السوداء في الكون الذي كتبه في عام 1974 وعنوانه «انفجار الثقوب السوداء».
من القطع المعروضة التي يتوقع أن تباع بسعر كبير هي نسخة من الرسالة التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه وتحمل عنوان «خصائص الأكوان المتعددة» ويتوقع أن تباع مقابل ما يتراوح بين 100 و150 ألف جنيه إسترليني، أي ما بين 127 و191 ألف دولار. الرسالة تسببت في توقف موقع جامعة كمبريدج الإلكتروني عند نشرها عليه بسبب الإقبال على قراءتها، وتقدم كريستيز واحدة من خمس نسخ أصلية.
عند كتابته رسالة الدكتوراه كان هوكينغ بدأ معاناته مع المرض وتولت زوجته جين التي تزوجها قبل ذلك بثلاثة أشهر طباعة الرسالة المكونة من 117 صفحة وأضافت المعادلات الرقمية بخط يدها. وتحمل نسخة رسالة الدكتوراه توقيع هوكينغ بخط مرتعش.
وتشمل المجموعة أيضاً نسخة من كتاب «تاريخ موجز للزمن»، وهو أفضل كتب هوكينز مبيعاً ويحمل بصمة إصبع هوكينغ، تتوقع كريستيز أن يباع مقابل ما يتراوح بين ألفين و3 آلاف جنيه إسترليني، بالإضافة إلى عدد من الجوائز والميداليات التي منحت للعالم البريطاني، ويتوقع أن تباع بما بين 10 آلاف و15 ألف جنيه إسترليني.
وحسب ما يذكر رئيس قسم الكتب والوثائق بكريستيز توماس فيننغ، فإن القطع التي تم اختيارها للبيع في المزاد تلقي الضوء على إنجازات البروفسور هوكينغ في مجال العلوم وأيضا تعكس «لمحات من شخصيته وقصة حياته الملهمة».
ويختتم المزاد بالكرسي المتحرك الذي قضى فيه هوكينغ معظم سنوات حياته بعد إصابته بمرض التصلب الضموري العضلي الجانبي منذ كان عمره 21 سنة، وجال أنحاء العالم معتمدا عليه يلقي المحاضرات ويتواصل مع جمهوره.
ومن جانبها، علقت لوسي هوكينغ ابنة العالم الراحل على المزاد بقولها: «نتمنى أن نقدم الأرشيف الضخم لوالدنا هدية للأمة وهو يعتبر جزءا كبيرا من إرثه العلمي ومن تاريخ العلوم في بريطانيا». وأضافت أن القطع المعروضة ستمنح المعجبين بعمل والدها «الفرصة لاقتناء تذكار من حياة والدنا المدهشة في صورة مختارات من أوراقه»، وتضيف أن البيع الذي يشمل الكرسي المتحرك الخاص بهوكينغ ستخصص عوائده لصالح مؤسسة ستيفن هوكينغ وأيضا لرابطة مرض لتصلب الضموري العضلي الذي عانى منه.
وتوفي العالم البريطاني ستيفن هوكينغ في مارس (آذار) هذا العام، عن 76 عاماً.
وشملت أبحاثه موضوعات كثيرة بدءاً من أصل الكون، وحتى احتمال الانتقال عبر الزمن إلى الغموض الذي يكتنف الثقوب السوداء في الفضاء.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)