ما الذي يبقى من يوسف الخال... الشعر أم المشروع؟

بين الشاعر والمترجم والمثقف التنويري ومؤسس مجلة «شعر»

يوسف الخال
يوسف الخال
TT

ما الذي يبقى من يوسف الخال... الشعر أم المشروع؟

يوسف الخال
يوسف الخال

لم يكن أمراً بلا دلالة أن يحتفظ اسم يوسف الخال بكل ذلك البريق الذي كان له في خمسينات القرن الفائت وستيناته على نحو خاص، وأن تظل صورته الناصعة ماثلةً في أذهان اللبنانيين والعرب، لا بوصفه أحد رموز التجديد الشعري فحسب، بل بوصفه المثقف التنويري والمترجم والناقد والمنظّر الرؤيوي، ومؤسس مجلة «شعر» التي اعتبرت بحق راعية قصيدة النثر، والحاضنة الشرعية لمشروع الحداثة الثانية التي تبلورت معالمها في بيروت، بعد أن كانت بغداد قابلة الحداثة الأولى. ولم يكن أمراً بلا دلالة أيضاً أن يكون الرجل الذي أسهم إلى حد كبير في تظهير صورة العصر الذهبي للعاصمة اللبنانية قادماً من سوريا، تماماً كما كان حال أسماء مهمة أخرى من مثل: أدونيس ومحمد الماغوط وفؤاد رفقة ونذير العظمة ورياض نجيب الريس، الذين شاطروا أنسي الحاج وشوقي أبي شقرا وعصام محفوظ مغامرة البحث عن أفق جديد للكتابة العربية. وإذا أضفنا إلى هؤلاء اسمي نزار قباني وعمر أبو ريشة، على سبيل المثال لا الحصر، لقادنا ذلك إلى استنتاج أن بيروت لم تكن لتفلح في لعب دورها النهضوي الذي لعبته قبل ستة عقود لو لم تكن موئلاً وملاذاً للهاربين من زنازين القهر والاستبداد، ومساحةً للحرية والتجريب، ومختبراً محفوفاً بالمخاطر لتوليد الأفكار والرؤى الخلاقة.
إن من غير الممكن بالطبع أن يؤرخ أحد ما للمشهد الثقافي اللبناني بُعيد منتصف القرن الفائت دون التوقف ملياً عند اسم يوسف الخال، ودوره الريادي في رسم ملامح زمنه الثقافية والإبداعية، وتحديد سماتها ومساراتها المختلفة. ومع ذلك، فإن من حق الناقد المتأمل أن يعمل على ترسيم الحدود الفاصلة بين الشاعر في يوسف الخال، وبين صاحب المشروع الطليعي الذي خاض حروباً شديدة الضراوة ضد كل أشكال الصنمية والتنميط والتخلف والاجترار الفكري والتعبيري. وقد يكون من الأجدى أن نقارب صاحب «دفاتر الأيام» من زاوية المشروع والدور، ومن ثم ننتقل إلى منجزه الشعري، بغية الوقوف على وجوه التكامل أو التعارض بين حداثة الخال في شقها النظري من جهة، وحداثته المتحققه في النص الشعري من جهة أخرى. لقد امتلك يوسف الخال، في الجانب الأول، كل ما يلزم المثقف المبدع ليلعب دوره الطليعي المحوري في قيادة دفة التغيير، والانعطاف بها نحو وجهات ومناطق مختلفة. فإلى جانب ثقافته العالية، واطلاعه الواسع، ومكانته الأكاديمية، كان لديه ذلك الحضور الشخصي المحبب، على وسامة وأناقة ظاهرتين. وإذا أضفنا إلى ديناميته اللافته فارق السن بينه وبين أقرانه (ولد عام 1917)، فقد كان من الطبيعي أن يظهر في إطار مجلة «شعر» وندوتها الأسبوعية بمظهر الأب أو الأخ الأكبر، الذي لم يكن لقب «بطريرك الحداثة» سوى تتويج رمزي لموقعه المتقدم ودوره الرعائي.
لقد عرف يوسف الخال كيف ينأى بمجلته الرائدة عن التقوقع الآيديولوجي والعصبية الضيقة والمشروع الشخصي، ليحولها بتأثير واضح من مجلة أميركية تحمل الاسم نفسه إلى منصة مفتوحة للسجال الثقافي، وصراع الأفكار، والانتصار للحرية. فقد دعت المجلة إلى تحرير الإبداع من أية تبعية أو شبهة تبشيرية وعقائدية ملحقة به. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يُستهل العدد الأول بقول الشاعر الأميركي أرشيبالد مكليش: «ليس على أولئك الذين يمارسون فن الشعر في زمن كزمننا كتابة الشعر السياسي، أو محاولة حل مشكلات عصرهم بقصائدهم، بل عليهم ممارسة فنهم لأجل أغراض فنهم، وبمستلزماته الذاتية». كما ذهب الخال، في إحدى مقالاته، إلى أن الشعر اللبناني، والعربي بوجه عام، لا يزال أسير الرومانسية الوجدانية أو الشكلانية الاجترارية الفارغة من أي بعد إنساني، وأن الشعراء، وبينهم سعيد عقل «يعيشون جسدياً في زمن، وروحياً وعقلياً في زمن آخر». ودعا إلى شعر مختلف، يقوم على التجربة الحياتية، وإبدال المفردات القديمة بأخرى معاصرة، وتطوير الإيقاع بما يتناسب مع طبيعة التجربة، والابتعاد عن الرمزية التجريدية لمصلحة الرمز المتصل بتاريخ الأمة وتراثها الروحي والعقلي. ورغم أن المجلة قد احتضنت عدداً غير قليل من الكتّاب المنتمين إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، فإن الشاعر لم يخف انحيازه، وبتأثير من أستاذه شارل مالك، إلى الكيان اللبناني، بما هو مساحة للتنوع والمغامرة الإنسانية وتعدد الثقافات. وهو لم يتردد، تبعاً لذلك، في أن يخوض أشرس السجالات والمعارك مع مجلة «الآداب» التي نادى صاحبها سهيل إدريس، على غرار سارتر، بمبدأ الالتزام في الأدب، كما انتصر للمشروع القومي العربي في مواجهة المنادين بالقومية اللبنانية. على أن ذلك لم يمنع الخال بالمقابل من أن يفتح صفحات مجلته أمام مئات النقاد والشعراء والمثقفين من كل المدارس والأساليب، كما من بلاد العرب وأمصارهم كافة، بحيث كانت تُنشر جنباً إلى جنب نصوص بدوي الجبل ونزار قباني وعبد الله البردوني وبدر شاكر السياب وأدونيس وفدوى طوقان وسميح القاسم وميشال طراد ومحمد الماغوط وعشرات غيرهم. وهو إذ عدّ أن تجديد طاقات اللغة وحيويتها سيكون ضرباً من ضروب العبث، ما لم يؤازره تفاعلٌ خلاقٌ مع الثقافات الفاعلة في العالم المعاصر، سعى بكل طاقته إلى جعل المجلة منصة لعشرات النصوص المترجمة عن اللغات الحية، متولياً على المستوى الشخصي ترجمة عدد من التجارب الإبداعية الكبرى، مثل: «الأرض الخراب» لتوماس إليوت، و«النبي» لجبران، و«ديوان الشعر الأميركي»، وغيرها. على أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق يتعلق بمدى المجانسة والتناغم بين مقولات يوسف الخال وتنظيراته الجريئة حول الشعر، وأعماله الإبداعية التي صدر معظمها عن «دار العودة»، قبل رحيله بقليل. والواقع أن قراءة نقدية متفحصة لأعماله الأولى تُظهر بوضوح أن هذه الأعمال لا تنسجم، من حيث لغتها وأسلوبها، مع طروحاته النظرية الجريئة المتقدمة، بل إن قصائده ومقطوعاته الموزونة المقفاة لا ترقى إلى المستويات التي بلغتها القصيدة العربية الكلاسيكية في نماذجها العليا، بل هي تدور في فلك القصيدة المهجرية، أو النماذج العاطفية الرومانسية التي دعا فيما بعد إلى مقاومتها، والتخفف منها، كقوله: «فيا عينُ لا تدمعي \ رويداً، فعمّا قريبْ \ يعود إلى الحبيبْ \ ويبقى معي \ ومهما يُجنّ القدرْ \ ويفرش دربي ظلامْ \ ففي جانبي غرامْ \ كضوء القمرْ». وفي الشق «الوطني» من المجموعة، لا نعثر إلا على مقولات سياسية جاهزة، أقرب إلى النظم الموزون منها إلى أي شيء آخر: «يا بلادي سلمْتِ، ما زال لبنان \ قوي العمَاد، لمّا يُذلا \ شامخ الأنف، رافع الرأس حرا \ هانئاً دون غيره مستقلا». أما مسرحيته الشعرية اللاحقة «هيروديا» التي تتمحور حول العلاقة الآثمة بين الحاكم الروماني هيرودس وعشيقته هيروديا، التي قايضت رقصة ابنتها سالومي برأس يوحنا المعمدان، فهي تكشف عن تطور ملحوظ في تطويع الأوزان وتقطيعها لصالح الحوار الدرامي، ولو أنها لم تضف الكثير إلى ما أنجزه أحمد شوقي في مجال المسرح الشعري.
قد يكون الدور الذي لعبه يوسف الخال في إطار مجلة «شعر» شبيهاً بشكل أو بآخر بالدور الذي لعبه أندريه بروتون في إطار الحركة السوريالية. فهذا الأخير لم يكن أكثر السورياليين موهبة وأعظمهم نتاجاً، ولكنه كان بينهم الأفعل والأكثر دينامية وإخلاصاً لقضية الشعر والفن، تماماً كما كان وضع الخال بين أقرانه. إلا أنه من الظلم للشاعر ألا نشير إلى القفزة الواسعة التي حققها في وقت لاحق، حيث تعهد أن يقطع مع ماضيه الشعري، وأن يبحث عن مقاربات أسلوبية ورؤيوية مغايرة لتجربته السابقة، وهو ما سيبدو جلياً في مجموعته المتميزة «البئر المهجورة»، التي تتصادى إلى حد بعيد مع «الأرض الخراب» لإيليوت، بقدر ما تجمع بين الرمز الأسطوري التموزي والرمز الديني، المتمثل بشكل أساسي في شخصية المسيح بأبعادها المختلفة. صحيح أن الخال لم يقطع على المستوى الإيقاعي صلته بالأوزان في إطارها التفعيلي، ولكن نصوصه نحتْ أكثر فأكثر نحو التأمل في قضايا الحرية والظلم والاغتراب الوجودي، خصوصاً في القصيدة التي تحمل المجموعة اسمها، حيث يبدو إبراهيم رمزاً للإنسان العربي الذي حولته الهزيمة إلى كائن محطم مسلوب الإرادة: «لكن إبراهيم ظلّ سائراً \ كأنه لم يسمع الصدى \ وقيل إنه الجنون \ لكنني عرفت جاري العزيز من زمن الصغَرْ \ عرفته بئراً يفيض ماؤها \ وسائرُ البشَرْ \ تمرّ لا تشرب منها، لا ولا \ ترمي بها، ترمي بها حجَرْ». ومع أن خالدة سعيد قد عدّت، في إحدى مقالاتها النقدية، أن «البئر المهجورة» أحفل القصائد بالجاذبية والصدق والأسئلة الوجودية المريرة، فإنها لم تتردد بالمقابل في وصف قصائد أخرى للشاعر بالجفاف، وانعدام الحرارة، وغياب التجربة الذاتية. أما أنسي الحاج، من جهته، فلم يرفض مقولة سعيد حول تغييب الذات أو تحييدها من قبل الشاعر، لكنه بلغته اللماحة الماكرة ذهب إلى استنتاج أن الخال قد اختار بوعي كامل إبعاد قصيدته عن الغنائية والإنشاء العاطفي، وأنه «آثر عري حيطان الصومعة على الزخرف، وبرود شمس العقل على حرارات العواطف ورطوبات الأدب». وإذا كانت النصوص الموزونة في «قصائد في الأربعين» تتميز بالليونة والدفء، والتوهج الروحي، والترميز الموفق، كقول الشاعر: «أقوم وأرحل عن صحرنايا \ عن الظل عند ارتفاع الظهيرة \ وأنفض عني الغبارْ \ وفي العطَفات الأخيرةِ حيث تغيب ويسقط خلفي الستارْ \ سأنسى وجوه الحجارةِ، أنسى حشائشها كرؤوس الإبرْ \ وفي صحرنايا وأدتُ بناتي \ وكنتُ الضريحْ \ وفيها تشوّه وجهي، تناءى \ فدارت به كلّ ريحْ»، فإن قصائد الخال النثرية لم تكن منسجمة مع سليقته المفطورة على الأوزان، بما جعل التأليف الذهني الصرف يحول القصائد إلى تراكيب مسبقة التصاميم، أو متتاليات من الجمل الاسمية الباردة.
لا نستطيع، أخيراً، أن نفصل بين مأزق يوسف الخال في علاقته مع اللغة والشعر، ومأزق المشروع نفسه الذي وصل في نهاية الأمر، وبعد هزيمة بالذات، إلى طريق مسدود. فحيث يتوقف الشاعر عن الكتابة، بدعوى اصطدامه بجدار اللغة، ومن ثم يدعو إلى كتابة جديدة تزول فيها الفوارق بين المنطوق والمكتوب، ينفرط في الآن ذاته عقد المساهمين في المجلة، ومن ثم تتوقف عام 1970 نهائياً عن الصدور. ولعله من الظلم بمكان أن نذهب مع منير العكش إلى القول إن سبب احتجابها الحقيقي هو كون «عيونها في البحر، ومواهبها تخبُّ مع العيس»، أو الجِمال. صحيح أن بعض كتابها قد اختفوا تماماً عن ساحة الإبداع، ولكن الصحيح أيضاً أن بعضهم الآخر لا يزال حتى الساعة يحتل أكثر المواقع تقدماً وفرادة في المشهد الثقافي العربي. أما يوسف الخال الشاعر، فسيكون عليه أن يلوذ بصمت طويل، قطعته فيما بعد كتابات له بالمحكية لم تضف كثيراً إلى منجز ميشال طراد والرحبانيين وسعيد عقل، في حين بدا كتابه النثري «رسائل إلى دون كيشوت» أقرب إلى الاعترافات والبوح الشعري والاستشعار المرير بالخيبة والنكوص ودنو الأجل. وبالعودة، أخيراً، إلى السؤال المتعلق ببقاء الشاعر والمشروع، فإن موجبات الإنصاف والرؤية الموضوعية تستوجب الاعتراف بالدور المحوري المهم الذي لعبه الخال، مثقفاً ومترجماً ومؤسساً لمجلة رائدة، في تجديد الثقافة العربية، وتوسيع أفق القصيدة الحديثة ومسرحها. ومن يعود الآن إلى قراءة أعداد «شعر»، لا بد أن تذهله راهنية الأفكار والأسئلة والأساليب التي اقترحتها على اللغة والحياة العربيتين. ومع أن الزمن وحده منوط به تحديد ما يبقى وما لا يبقى من الشعراء والمبدعين، فإن الأبقى في نتاج يوسف الخال الشعري لن يكون أعماله الأولى، ولا قصائده العمودية أو المحكية، بل كثير من نصوصه المبثوثة في «البئر المهجورة» و«قصائد في الأربعين» و«رسائل إلى دون كيشوت»، حيث المواءمة واضحةٌ بين اللغة والرؤيا، كما بين الدعوة النظرية إلى التجديد والتجديد الفعلي على أرض الكتابة نفسها.



مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.