عسر القراءة... أبحاث متواصلة لفك شفراتها

لا يوجد رابط بينها وبين الذكاء وقد يعاني منها خمس الأميركيين

عسر القراءة... أبحاث متواصلة لفك شفراتها
TT

عسر القراءة... أبحاث متواصلة لفك شفراتها

عسر القراءة... أبحاث متواصلة لفك شفراتها

لسنوات طويلة، تبنى الناس مفهوما خاطئا عن عسر القراءة أو الدسلكسيا Dyslexia، معتبرين أنّ هذه الحالة هي عبارة عن مشكلة في القراءة تتسبب في أن يقوم الأطفال بقلب الحروف. وغالباً ما كانت هذه الحالة تُرى كعلامة على الكسل، والغباء، أو على المعاناة من مشكلات في البصر.
ولكنّ عمل الزوجين الأميركيين شايويتز أظهر أنّه لا يوجد أي رابط بين الدسلكسيا والذكاء، وأنّها ليست شيئاً يستطيع الإنسان التخلّص منه. وظل كل من سالي (76 عاماً) وزوجها بينيت شايويتز (79 عاماً)، يعملان كخبيرين مختصين بعسر القراءة في جامعة ييل وقد تزوجا قبل 55 عاماً، وفضّلا إبقاء تركيزهما على محاولاتهما البحثية التي بدآ بها قبل 35 عاماً.
وتهدف أعمال هذين الطبيبين الأكاديميين اللذين يديران مركز عسر القراءة والإبداع في جامعة ييل، إلى أبعد من تعميق مفهوم الأسس العلمية لعسر القراءة، الاضطراب التعليمي الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، أي إلى الحثّ على تطبيق سياسات عامّة تتماشى والمعرفة المتوفرة عن هذه الحالة.

عسر القراءة
وقد وجد البحث الذي أجراه الزوجان أنّ عسر القراءة يطال واحداً من كلّ خمسة أشخاص، ولكنّ الكثيرين لا يحصلون على تشخيص رسمي بهذه الحالة.
وتقول سالي شايويتز لوسائل الإعلام الأميركية إن «عسر القراءة هو وباء منتشر لا علاج له بالدليل العلمي، ولكنّنا ما زلنا نرفض الاعتراف بهذا الأمر».
يعمل الزوجان شايويتز من مكاتب متواضعة في مبنى كلية الطب في جامعة ييل على تحديث أحد إنجازاتهم المبهرة، وهو عبارة عن دراسة انطلقت في عام 1983 وشملت 445 طفلاً في سن الخامسة في مقاطعة كونيكتيكوت.
هذه الدراسة هي الأولى التي ترتكز على فحص لمهارات القراءة يبدأ من مرحلة الطفولة ويستمرّ حتى سنّ الرشد. لم تؤكّد دراسة كونيكتيكوت الطويلة على انتشار عسر القراءة فحسب، بل أظهرت أيضاً أنّها تصيب الفتيان والفتيات بنسب متشابهة. وبدأ الزوجان أخيراً مرحلة جديدة من دراستهما، بإعطاء اختبارات قراءة لـ375 من المشاركين، الذين أصبحوا اليوم في الأربعينات من عمرهم، ولم يحدّدا حتى اليوم موعداً لانتهاء الدراسة.
وقالت سالي: «سنستمرّ في عملنا حتى نجد إجابات لكلّ الأسئلة والفرضيات التي قد تساعد أساتذة تعليم اللغات الحرجة بالتعامل مع هذه المشكلة».

اللسان والدماغ
ومن بين هذه الأسئلة: ما هي بعض العوامل الواضحة التي قد تفاقم أو تزيد تأثيرات عسر القراءة مع الوقت؟ ما هي النتائج المحدّدة التي قد يواجهها البالغون نتيجة المعاناة من صعوبات مبكرة في القراءة؟ ما هي الأمور التي يتمنّى المشاركون بالدراسة لو أنّهم عرفوها مبكراً حول الدسلكسيا؟
يخطط الزوجان لدعوة عدد من المشاركين في دراستهم، اليوم بعد أن أصبحوا أشخاصاً بالغين، لإجراء تصوير للدماغ للتحقيق في عدّة أمور، أهمها ربما احتمال حصول تغيير في «العلامة العصبية» لعسر القراءة، وهي عيب خلقي في الدماغ يظهر في التصوير الدماغي.
وتأتي هذه الخطّة كمتابعة للعمل الذي قاموا به في أوائل التسعينات، عندما اقترح بينيت، الذي تلقّى تدريباً كطبيب أطفال متخصص بالأعصاب، بتصوير أدمغة 100 من المشاركين في الدراسة. وكان الزوجان من أول الباحثين الذين حددوا وجود علامة عصبية لعسر القراءة، تتمثّل بأداء ضعيف للأجهزة العصبية المشاركة في وظيفة القراءة الطلقة والبليغة.

السماع والنطق
يواجه الناس الذين يعانون من الدسلكسيا مشكلات في تقطيع الكلمات إلى فونيمات، وهي الأصوات التي تتوافق وكلّ جزء من الكلمة.
فكلمة كلب في اللغة الإنجليزية والتي تلفظ «دوغ» تقسّم إلى الفونيمات «دوه» «آه» و«غوه». ويشكّل سماع هذه الأصوات غير الواضحة جزءاً مهماً من تعلّم القراءة، ولكنّ الأشخاص الذين يعانون من الدسلكسيا يسمعون الكلمة بصوت واحد فقط: «دوغ».
وقال الدكتور بينيت، الذي شغل منصب رئيس قسم طبّ أعصاب الأطفال في جامعة ييل لـ40 عاماً: «لعلّ أهمّ مساهمة لتصوير الدماغ في تشخيص عسر القراءة هي أنّه يوضح وجود هذا العيب الخفيّ». وقد أمضى الزوجان شايويتز الكثير من سنوات العقد الماضي في تدعيم بحثهما بجهود متضافرة لتغيير السياسات المتبعة للتعامل مع هذه الحالة. ويفضّل بينيت، البقاء في الظلّ، تاركاً أمر الإطلالات الإعلامية والعامّة لزوجته.
واستدعيت سالي للشهادة عشرات المرّات أمام مشرعين محليين وفيدراليين في إطار جهود متواصلة للاطلاع على القوانين المتبناة والتي تفرض على المدارس الاعتراف بعسر القراءة منذ السنوات المدرسية الأولى. ويتفق جون غابرييلي، عالم أعصاب من معهد ماك غوفرن لأبحاث الدماغ التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية، مع الآراء القائلة بأن الزوجين «غيّرا العلم، وغيّرا الحوار في السياسة العامة».
وأضاف غابرييلي: «إنّ الشيء الفريد الوحيد الموجود لدى هذين الباحثين هو المزيج الذي يملكانه. فهما ليسا بارعين في مشاركة عملهما مع الأطباء والباحثين والمعلمين فحسب، بل أيضاً يشعران أنّهما معنيان جداً بالأطفال والأهل الذين يعيشون حالة عسر القراءة».

طفلة مصابة بعسر القراءة تدرس في الجامعة

> كانت سكاي لوكاس في الصفّ الأول وتعاني من عسر القراءة. وفي تلك الفترة قرأت والدتها كتاب سالي «التغلب على الدسلكسيا» Overcoming Dyslexia (المتوفّر اليوم بالطبعة 22)، وتواصلت مع الباحثين. وأخذت الباحثة سالي البنت سكاي تحت جناحيها وشرحت لوالديها أنّ ابنتهما يمكن أن تعاني من عسر القراءة وأن تكون ذكية في نفس الوقت.
أصبحت سالي مستشارة داعمة دائمة في حياة لوكاس وتطمئن على أحوالها بشكل منتظم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.
وقالت سكاي، وهي اليوم طالبة في سنتها الجامعية الثانية في جامعة بنسلفانيا التي تبلغ من العمر 19 عاما: «أنا فخورة أنني أعاني من الدسلكسيا، وهذا الفخر يعود إلى الدعم الذي حصلت عليه من سالي وبينيت على مرّ السنوات. لقد ساعداني على التعايش مع الأكاديميين التقليديين».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً