يوم الأربعاء الماضي، في تمام الساعة 9:15 صباحاً، سمع مشاهدو نشرة الأخبار الصباحية عبر قناة «سي إن إن» أصوات إنذار (عادة تعني وقوع حريق، وأوامر بإخلاء المبنى) بينما كان المذيع جيم سكيتو، والمذيعة بوبلي هارلو ينقلان التقارير الأولية عن القنابل التي أُرسلت إلى منزل الرئيس الأسبق بيل كلينتون وزوجته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومنزل الرئيس السابق باراك أوباما، وزوجته ميشيل أوباما، ومنزل الملياردير الديمقراطي المانح جورج سوروس.
فجأة، ترك المذيع والمذيعة منصة الأخبار، وغادرا المكان، وانتقل البث إلى استراحة إعلانات. وعندما عادت نشرة الأخبار، انتقل البث من استوديو نيويورك إلى استوديو واشنطن العاصمة. ثم، فجأة مرة أخرى، عاد البث إلى المذيع والمذيعة في نيويورك. لكن، بدلاً من داخل استوديو الأخبار، من رصيف شارع أمام مبنى «سي إن إن».
صارا ينقلان أخبار القنابل وسط ضجيج المارة، وصفارات الإنذار، وحركة المرور. ثم نقلا فيديو فيه شرطة الطوارئ، وشرطة الحرب ضد الإرهاب، وهم مدججون ببنادق أوتوماتيكية عملاقة، وأقنعة كيماوية غريبة الشكل. وأعلنا أن الشرطة عثرت على قنبلة داخل المبنى، وأخرجتها بسلام.
بقي المبنى خالياً وتحرسه الشرطة حتى الساعة 3:45 عصراً. وذلك بعد أخبار بأن ظرفاً به مسحوق أبيض مشكوك فيه وصل إلى المبنى، يحمله ساعي بريد يستقل دراجة... تهديد أقلق العالم وهدد حرية الإعلام.
تقع مكاتب شركة تلفزيون «سي إن إن» في مبنى المجموعة التي تملكها «تايم وورنر»، إلى جوار حديقة «سنترال بارك» العملاقة في قلب المدينة. وتوجد في مبنى المجموعة نفسه مكاتب شركات فرعية أخرى، منها تلفزيون «تي إن تي».
خرج من المبنى مئات الأشخاص، وصار كل واحد منهم تقريباً ينقل أخباره إلى أهله ومتابعيه. وصار تلفزيون «سي إن إن»، ناقل الاخبار، صانعاً لها. وعمَّ هرج ومرج لأن كثيراً من الذين هربوا من المبنى كانوا تركوا كومبيوتراتهم المحمولة، وهواتفهم الجوالة، ومعاطفهم، وحتى حافظات نقودهم.
كجزء من تغطية «سي إن إن» لما حدث لها، أجرت مقابلات مع بعض الذين هربوا من المبنى. قالت كيت بولدون، كبيرة مذيعين، إنها فوجئت بالأعداد الكبيرة من الشرطة وهم يرتدون ملابس وأسلحة الطوارئ ومكافحة الإرهاب. ولاحظت أنواعاً غريبة من الشاحنات العملاقة (يُعتقد أن بعضها عبارة عن مكاتب تحقيقات متنقلة، أو معامل جنائية متنقلة، للتحقيق والفحص الفوري).
وقال صحافي في «سي إن إن»، لم ينشر اسمه: «خرجنا من مكاتبنا، لكننا لم نقلق. وذهبنا إلى مقاهٍ قريبة فيها إرسال الإنترنت لنواصل كتابة ونشر أخبارنا»، وأضاف: «هذه هي الحداثة».
وقال كبير مذيعي «سي إن إن»، وولف بليتزر، إن القنبلة المرسلة إلى «سي إن إن» كانت موجَّهة إلى جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) السابق، الذي صار معلقاً في القناة التلفزيونية، وكثير النقد لترمب، وبعضه نقد قوي، مثل تغريدة في موقع «تويتر»، خاطب برينان فيها ترمب: «لا تلم غيرك. انظر في المرآة إلى نفسك. خطاباتك الملتهبة، وإهاناتك، وأكاذيبك، وتشجيعك للعنف الجسدي، أمور شائنة. نظف نفسك... حاول أن تتصرف تصرفات رئاسية. الشعب الأميركي يستحق أفضل منك كثيراً». وأضاف في التغريدة: «بالمناسبة، لن تقدر على أن تخيف ناقديك، وتجعلهم يصمتون».
أيدت كل الصحف والتلفزيونات الرئيسية تلفزيون «سي إن إن» في موضوع القنابل. لكن شذ تلفزيون «فوكس» اليميني؛ ليس في الآراء والتصريحات فيه، ولكن، حتى في طريقة تغطية الخبر.
في جانب، ركز تلفزيون «سي إن إن» على «هجمات ترمب المستمرة على وسائل الإعلام». وانتقد التصريحات التي أدلى بها، وأيضاً تصريحات مسؤولين كبار في البيت الأبيض، بما في ذلك السكرتيرة الصحافية سارة ساندرز.
وأشار التلفزيون إلى أن ترمب وساندرز أدانا القنابل. لكنهما سارعا إلى اتهام «وسائل الإعلام الرئيسية» بنشر التوتر الذي يمكن أن يكون سبباً للعنف.
في الجانب الآخر، ركز تلفزيون «فوكس» على الدفاع عن ترمب. ونقل أخبار القنابل التي أرسلت إلى «سي إن إن»، وإلى قادة الحزب الديمقراطي، بطريقة مختصرة.
قاد الحملة 3 من كبار نجوم «فوكس»: تاكر كارلسون، وشين هانيتي، ولورا إنغراهام.
قال كارلسون: «الرئيس أدان هذه الأعمال، لكن سارع الحزب الديمقراطي وقال إن إدانته لا تكفي».
واتهم هانيتي وسائل الإعلام، واليسار، والحزب الديمقراطي. وقال إنهم «يحاولون تسجيل نقاط سياسية رخيصة، وانتصار سياسي بسبب هذا الموضوع».
وقالت لورا انغراهام: «أصابع هؤلاء ظلت تشير نحو ترمب طوال اليوم. أرى أن هذا يدعو للتقزز».
لحسن الحظ لم تنفجر قنبلة «سي إن إن»، ولا القنابل الأخرى. لكن، كان يمكن أن تنفجر، وكان يمكن أن تقتل صحافيين.
الحادثة كانت تعدياً على الحريات الصحافية في الولايات المتحدة الأميركية. وفي بيان لها بعد الحادثة، أدانت لجنة حماية الصحافيين (سي بي جاي) «الإرهاب» الذي عانى منه صحافيو الشبكة. كما لفت بيان اللجنة إلى أن غرف الأخبار عبر الولايات الأميركية فرضت حالات الطوارئ والتأهب، حيث تسلمت صحيفة «سان دييغو تريبيون» واستوديوهات «سي بي إس» في فرسنو تهديدات بطرد غامض، ما أجبر موظفيها على إخلائها أيضاً. لكن تلك الطرود لم تحتوِ على متفجرات.
وتعيدنا هذه الحادثة إلى جريمة إطلاق النار في غرفة أخبار صحيفة «كابيتال غازيت» في ماريلاند 28 يونيو (حزيران) الماضي. حينها، قتل 5 أشخاص وجرح آخرون في إطلاق نار داخل مقر الصحيفة الأميركية. وأكدت الشرطة أنها ألقت القبض على مشتبه به، مع وجود كثير من الضحايا في موقع الحادث. وذكر تقرير أميركي أن مسلحاً أطلق النار على «عدة موظفين» داخل مقر الصحيفة من خلال باب زجاجي.
وفي اليوم التالي، أصدرت صحيفة «كابيتال غازيت» نسختها رغم الاعتداء المسلح الذي تعرض له فريقها. وخلت الصفحة الافتتاحية من أي مواضيع سوى جملة «عاجزون عن الكلام»، علماً بأن محرر الصفحة جيرالد فيشمان كان بين القتلى.
وعمل صحافيون من داخل سياراتهم الخاصة، من أجل إصدار النسخة رغم الظروف الصعبة والصدمة التي عاشها هؤلاء جراء الهجوم.
واضطرت السلطات الأميركية إلى اعتقال شخص هدد «سي إن إن» في أتلانتا بالقتل في يناير (كانون الثاني) الماضي. كما تلقت صحيفة «بوسطن غلوب» عدة تهديدات في شهر أغسطس (آب) الماضي.
وبعد أقل من أسبوع من اتهام السلطات الأميركية رجلاً في كاليفورنيا هدد بقتل عاملين في «بوسطن غلوب»، اعتقلت سلطات مدنية دالاس بولاية تكساس آخر صدم بشاحنته مراراً مبنى قناة «دالاس فوكس 4» التلفزيونية. وأوضحت لقطات تلفزيونية حية في وقتها شاحنة فضية اللون مقدمتها مهشمة أمام مدخل المبنى وحولها حطام. وتم إخلاء المبنى أيضاً.
تزايد الاعتداءات على المقرات الصحافية في الولايات المتحدة الأميركية يمثل تهديدا على الحريات الصحافية داخل البلاد. هذه الموجة قد تؤثر على رقابة الصحافيين الشخصية خوفاً على أرواحهم.
قنبلة «سي إن إن» تصيب الحريات الصحافية في الولايات المتحدة
تزايد الاعتداءات على مقرات الإعلام في الأشهر الأخيرة
قنبلة «سي إن إن» تصيب الحريات الصحافية في الولايات المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة