مصور مصري يكرس موهبته لإبراز جمال الحياة البرية العربية

حصد جوائز دولية متنوعة عن لقطات نادرة

الضب الصحراوي وهو من الزواحف النباتية
الضب الصحراوي وهو من الزواحف النباتية
TT

مصور مصري يكرس موهبته لإبراز جمال الحياة البرية العربية

الضب الصحراوي وهو من الزواحف النباتية
الضب الصحراوي وهو من الزواحف النباتية

تصوير الحياة البرية عالم مليء بالإثارة والشغف والتحديات الكبيرة، إذ يجد المصور نفسه في قلب الطبيعة البكر بكل جمالها الفطري ونقائها الأخاذ وروعة تفاصيلها، ومخاطر وغرابة كائناتها بمختلف أنواعها وأحجامها، كما أنه لا خيار أمام المصور الذي يقترب من الطبيعة بشكل غير مألوف ومعتاد دائماً، سوى خيار التخطيط قبل البدء في التقاط الهدف في بيئته الطبيعية، وتحديد أقرب نقطة اقتراب ممكنة منه، دون إزعاجه ودون أن يعرض نفسه للخطر.
برغم كل ما تنطوي عليه الحياة البرية من عوامل جذب لأي مصور فوتوغرافي، فإنها لا تنجح إلا في استقطاب عدد محدود من المصورين على مستوى العالم، ومن مصوري المنطقة العربية تبرز بعض الأسماء التي استطاعت أن ترصد ببراعة الحياة البرية لدينا، عبر اقتناص لحظات ومشاهد وروائع نادرة بها، ومنها اسم المصور المصري أحمد سالم رجب، الذي لم يستطع النجاة من سحر الحياة البرية والطبيعية العربية، فقرر أن يبرزها ويوثقها بعدسته.
يتحدث أحمد عن بداياته في عالم التصوير، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما اشترى لي والدي كاميرا فيلمية سنة 1991 تعرفت من خلالها على عالم التصوير، حيث تنقلت بعد ذلك بين أنواع كثيرة من التصوير والكاميرات، وتطورت الهواية حتى وصلت إلى المستوى الاحترافي الحالي في مجال (الحياة البرية) الذي عشقته هو الآخر، وكانت بداية تعلقي به حين كنت أشاهد والدي يسمع صوت أي طائر، فيذكر لي اسمه الشعبي الدارج، ومن هنا كنت أقضي أوقاتاً طويلة أبحث خلف الأسماء الحقيقية العلمية للطيور والحيوانات وفصائلها، وأقوم بدراستها من خلال المراجع والإنترنت، وفي مرحلة لاحقة من عمري انتقلت إلى الأماكن المفتوحة والصحراء، لأقضي أوقاتاً بها في مصر والخليج، وكانت الطيور هي مؤنسي وتعرفت على الكثير من مصوري الحياة البرية، كما شاركت في العديد من الصالونات والمسابقات الدولية لتصوير الحياة البرية والطيور، وحصلت على ما يقارب 16 جائزة دولية، ومن أحدثها جائزة الصالون الذهبية بصالون مونتينجرو الدولي الخامس للتصوير الفوتوغرافي 2017 وميداليتي الصالون الذهبية بصالوني كرواتيا وصربيا الدوليين 2018، إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم في أكبر مسابقة تصوير طيور بالعالم (BPOTY) بلندن 2018».
ويعد الفوز بصور متميزة من الحياة البرية أمراً صعباً للغاية، ويتطلب الكثير من الدراسة والمهارة والموهبة، بحسب وصف أحمد الذي يضيف: «من أصعب أنواع التصوير، بسبب مخاطر التعامل مع بعض الحيوانات مباشرة، ولا خيار أمامنا سوى دراستها جيداً قبل التعامل معها، لكن في الوقت نفسه يُظهر المصور في النهاية للبشر ما لا يستطيعون رؤيته في حياتهم العادية، فهو ناقل جمال خلق الله لهم».
ويتابع حديثه موضحاً: «هي أيضاً من أكثر أنواع التصوير تطلباً للإنفاق عليها، لما تحتاجه من معدات باهظة السعر، والسفر كثيراً وطويلاً، حيث يتوجه أينما وجدت الكائنات التي يعمل على رصدها، كما أن معداتها تكون أثقل وعدساتها أكبر لتقريب المسافات، وتعتمد على الكاميرات الرياضية، سواء كانت (كروب سنسر) أو (فل فريم)، وذلك لسرعة الالتقاط التي يحتاجها المصور لاقتناص لحظات في جزء من الثانية».
ويلفت إلى أنه كي يفوز المصور بأصعب اللحظات وأكثرها ندرة ينبغي أن يكون صبوراً، وملماً بسلوك وطباع الكائنات البرية، حتى ينجح في نقلها للمشاهد في صور تحبس الأنفاس.
الحكايات والمغامرات التي خاضها أحمد أثناء التقاطه لهذه الصور تزيد من انجذاب المتلقي إليها، بعد أن يلمس مدى ما تحمله من مشاعر ومواقف نبيلة، فلكل صورة حكاية. ويروي مصور الحياة البرية جانباً من حكاياته هذه قائلاً: «من المواقف الصعبة التي لن أنساها تصويري لنسر أفريقي في صحراء الكويت، وكانت درجة حرارة الجو مرتفعة جداً، وكان النسر جائعاً، ويبحث في الرمال عن بعض الماء ليستكمل رحلة هجرته إلى وسط أفريقيا، وعندما لاحظت ذلك كله قررت مساعدته، فقمت بالزحف ببطء شديد على الرمال الساخنة مسافة تقارب 30 متراً، حتى أصبحت على مسافة متر منه، وحينئذ وضعت رأسي على يدي، ووجهي لأسفل حتى أستريح من احتراق قدمي ويدي، وحتى لا ينزعج ويطير فيموت في طريق هجرته من العطش، أخرجت زجاجة ماء صغيرة من جيبي، وصببت الماء بهدوء حتى يراه، وبالفعل وضع رأسه تحت الزجاجة، وبدأ يشرب الماء وينظر لي وكأنه يشكرني، فالتقطت له عدة صور عن قرب شديد، وكان كأنه يكافئني بهذه الصور النادرة، التي فازت إحداها بالميدالية الذهبية في صالون صربيا للتصوير الفوتوغرافي وبالميدالية الفضية في صالون فيينا بإيطاليا».
ويواصل أحمد حكاياته التي لا تنتهي عن الحياة البرية بمصر قائلاً: «من الصور التي لا أنساها، تلك الصورة التي التقطتها لطائر صياد السمك الأبقع، والمنتشر بكثرة على ضفاف نهر النيل بمصر، حيث كنت أحلم بالحصول على لقطة له وهو في وضع الانقضاض من الهواء على السمك في الماء، وظللت ثلاث سنوات أذهب لأماكن وجوده بشكل شبه يومي، بهدف التقاط الصورة، حتى تجمع أمامي ذات يوم ثلاثة طيور من الفصيلة نفسها، وبدأوا في اصطياد الأسماك وحدثت مشاجرة بينهم، ونجحت في ذلك اليوم في التقاط ما يقارب 800 صورة، وعدت إلى البيت متعباً للغاية، لكن سعادتي لا توصف بعد أن حصلت على صورة أحلامي التي نُشرت في مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) العالمية في فبراير (شباط) 2017».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».