أوّل مهرجان للمسرح في موريتانيا

عروض تحاول منافسة الشّعر في بلاد الشعراء

أغلب المشاركين في العروض المسرحية شبان موريتانيون من الهواة دخلوا من بوابة «المسرح المدرسي»
أغلب المشاركين في العروض المسرحية شبان موريتانيون من الهواة دخلوا من بوابة «المسرح المدرسي»
TT

أوّل مهرجان للمسرح في موريتانيا

أغلب المشاركين في العروض المسرحية شبان موريتانيون من الهواة دخلوا من بوابة «المسرح المدرسي»
أغلب المشاركين في العروض المسرحية شبان موريتانيون من الهواة دخلوا من بوابة «المسرح المدرسي»

نظّم اتحاد المسرحيين الموريتانيين، أول مهرجان وطني للمسرح في موريتانيا، بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح، وتحت إشراف وزارة الثقافة الموريتانية، في محاولة لتقريب فن المسرح من المتلقي الموريتاني الذي اشتهر بحبه الكبير للشّعر.
تنافست خلال المهرجان عشرة عروض مسرحية لنيل الجائزة الأولى، كُتبت وأُخرجت ومُثّلّت جميعها من قبل شبان موريتانيين، أغلبهم من الهواة الذين دخلوا من بوابة «المسرح المدرسي» الذي ظهر في موريتانيا قبل عشر سنوات.
وتمكن المهرجان من استقطاب حضور فاجأ المنظمين، إذ إنّ فن المسرح جديد على المتلقي الموريتاني، خاصة أنّ العروض التي قُدّمت تدخل ضمن «المسرح الحديث» الذي تغلب عليه الرمزية والغموض، ويبتعد عن المسرح السّاخر الذي ربما يكون أكثر قُرباً للمتلقي العادي.
ذلك ما أشار إليه وزير الثّقافة الموريتاني محمد الأمين ولد الشيخ حين قال في كلمة بمناسبة المهرجان إنّه «حلم ظلّ يراود أجيال المسرح في موريتانيا»، وأوضح الوزير أنّ المهرجان ينتظر منه «تحقيق نجاح يمكّنه من مخاطبة العقل والذّوق والارتقاء بثقافتنا، ورسم مسار جديد للمسرحيين الموريتانيين».
وأضاف الوزير أنّ اختيار منظمي المهرجان لعشر مسرحيات «تتوّفر على معايير فنية مع الالتزام بشروط المواطنة والانتماء والتمثيل الحقيقي لمجتمعنا، يدل على رغبتهم في إظهار الوجه الحقيقي لمجتمعنا الغني بتنوعه الثّقافي»، وفق تعبيره.
من جانبه، قال إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إنّ «المسرح توشّح بكل ممكنات ومسببات الخلود، لأنّه جاء برسالة إنسانية نبيلة، رسالة تنحاز إلى الإنسان وحريته وحقه في التفكير والتعبير، وتقيم دولة للحق وتعلي رايته»
خلال أسبوع كامل توالت العروض المسرحية في دار الشباب القديمة، وسط العاصمة نواكشوط، واستطاعت أن تستقطب الجمهور الموريتاني الذي تفاعل مع العروض وشارك في نقاشات مفتوحة مع المخرجين والممثلين بعد كل عرض مسرحي.
يقول التقي ولد عبد الحي، مدير مركز ترقية الأداء المسرحي وأحد منظمي المهرجان، في حديث مع «الشرق الأوسط» على هامش المهرجان: «منذ أمد بعيد ونحن نحلم بأن نؤسس لمهرجان وطني يحتضن التجارب المسرحية في موريتانيا، وقد أسّسنا منذ سبع سنوات تجربة أولى سميناها (تجربة المسرح المدرسي) هذه التجربة خرّجت أجيالاً طال انتظارها لمهرجان وطني يحتضنها». وتابع أنّ «العروض التي تضمنها المهرجان تؤكد أن التجربة المسرحية الموريتانية بدأت تنضج وتؤتي ثمارها، كما أن هنالك جمهوراً مستمعاً وذواقاً للمسرح، فالقاعة كانت تضج بالمشاهد والمتلقي الذي كان في كامل الانضباط والإنصات والاستمتاع بالعروض».
وخلص ولد عبد الحي الذي يشتغل في مجال المسرح منذ عدة عقود: «دائما يقال إن الإنسان الموريتاني كائن صحراوي، وهو يعيش منذ زمن طويل في المدينة، أي أن ثقافة الصحراء وإن كانت وجدت في الأصل إلا أنّها تلاشت، الإنسان الموريتاني أصبح يعيش بثقافة المدينة، والمدينة تعشق المسرح وتريده وتهواه، وها نحن قدمنا هذا المسرح لمدينة نواكشوط ولكل موريتانيا».
من أبرز العروض في المهرجان الوطني للمسرح الموريتاني، عرض مسرحي تحت عنوان «دبيب القاع» من تأليف وإخراج سولي عبد الفتاح، وهو مسرحي شاب موريتاني، سبق أن ألّف وأخرج كثيرا من المسرحيات.
يقول عبد الفتاح في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنّ «العرض المسرحي دبيب القاع، هو عرض يعتمد الكتابة الروحية والسّرد الجسدي، ويعتمد الرّمز في اللغة أيضاً، وليس فقط الرمز في الجسد»، وأوضح المخرج الشّاب أنّه حاول في العرض «طرح سؤال بسيط؛ وهو لماذا نحن في القاع، أو السؤال الأصح والذي نطرحه يومياً على أنفسنا ونكرره، وهو ما بالها ذكرياتنا مترعة بالشموخ، بمعنى لماذا ماضينا كله شموخ وإنجازات وفي الحقيقة نحن الآن في الحضيض». وأشار إلى أنّ الهدف من العرض المسرحي هو «البحث عن خلاص والبحث عن أجوبة، والبحث عن الأسباب وما خلفها، ونحاول أن نغوص عميقاً أبعد من السطح، نغوص في ذواتنا وفي حال مجتمعنا، ونحاول من خلال هذا الخليط أن نقدم شيئاً مختلفاً نجيب من خلاله عن سؤال بسيط: لماذا نحن في القاع؟».
وأكد عبد الفتاح أن ضعف الإقبال على المسرح في موريتانيا «له أسباب كثيرة منها ما يؤول إلى المسرحيين أنفسهم، ومنها ما يؤول إلى الجهات الرسمية»، ولكنّه استدرك قائلاً إنّ «هنالك استهلاكاً شرها لمادة المسرح في هذا المجتمع، رغم ضعف الإقبال، فالجمهور الموريتاني يحب الفرجة، ويبحث خلف المعاني، هذه الأشياء تشده جميعها، علينا فقط أن نقدمها له وأن نصبر في النهاية سنخلق الجمهور المناسب الذي يستحق أن يُقدم له مسرح عميق وبعيد عن السطح وجيد، يتحدّث عن الوطن بآلامه وأحلامه، تقدم له على خشبة المسرح وهو في النهاية سيفهمها وسيمتصها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».