مايوركا تصارع للمحافظة على أعشاب نبتون في البحر المتوسط

ملاذ واقعي لكثير من المخلوقات البحرية

مايوركا تصارع للمحافظة على أعشاب نبتون في البحر المتوسط
TT

مايوركا تصارع للمحافظة على أعشاب نبتون في البحر المتوسط

مايوركا تصارع للمحافظة على أعشاب نبتون في البحر المتوسط

يوجه بيري بالاسيو قاربه بحرص إلى جانب اليخت المزود بمحرك في خليج إيس كالو في شمال شرقي مايوركا، ويحدق النظر في وحدة عرض تسمح له بمتابعة طريق المرساة.
ويسأله صاحب القارب: «هل هناك مشكلة؟». فيجيب بالاسيو: «لا، كل شيء جيد»، ويكمل الفحص. ونيابة عن الحكومة المحلية في جزر البليار، يتأكد بالاسيو من أن تلك القوارب لا ترسو في منطقة أعشاب «نبتون»، المعروفة أيضاً باسم «بوسيدونيا أوشينيكا»، وهي أعشاب ذات فائدة حيوية لصحة البحر المتوسط.
يشار إلى أن أعشاب نبتون هي نوع من غابات تحت الماء، حسبما يوضح بالاسيو. ويقول «إنها تنقّي الماء، وتضمن أن يكون شفافاً. كما توفر المأوى الواقي للكثير من المخلوقات». وتشمل هذه المخلوقات أنواعاً عدة من الأسماك. يشير المفتش إلى الشاطئ، حيث شكلت كتل الأعشاب البحرية أكواماً صغيرة. ويقول، إنه عندما تعلو أمواج المد، تعمل هذه الأكوام على إضعاف قوة الأمواج وضمان عدم تعرض الشاطئ لأي أذى. وفي حين أن الكثير من السائحين ينزعجون لأنهم يعتقدون أن هذه الأعشاب هي نوع من الطحالب، «إلا أن أعشاب نبتون تضمن في الواقع أن الشاطئ لا يزال موجوداً».
وتنمو أعشاب «بوسيدونيا أوشينيكا» في البحر الأبيض المتوسط فقط، وهي واحدة من أكثر الأعشاب البحرية شيوعاً في المنطقة؛ فهي تنمو من كرواتيا إلى قبرص، ومن مصر إلى تونس، ومن سردينيا إلى إسبانيا.
وفي القائمة الحمراء لـ«الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة»، للأنواع المهددة، توجد أعشاب نبتون فقط في أدنى الدرجات «القلق المستمر»، لكن القائمة لا تزال تشير إلى أن الأعشاب تتناقص.
وتقول ماريا ديل مار أوتيرو، وهي خبيرة بيولوجيا بحرية تعمل في برنامج الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة الخاص بالبحر المتوسط، «خلال السنوات الخمسين الماضية، انخفضت المخزونات بنسبة 34 في المائة».
وتعتمد الأخطار التي تواجه الأعشاب البحرية على المنطقة بشكل كبير للغاية، حسبما تقول أوتيرو. وتشكل المراسي ومياه الصرف وصيد الأسماك، فضلاً عن بناء مرافق الموانئ، عوامل تهدد الأعشاب. كما أن إدخال أنواع أجنبية من الطحالب في البحر المتوسط قد مثّل مشكلة.
وتقول أوتيرو «لا يمكن القول كقاعدة عامة إن الأعشاب البحرية في منطقة ما مهددة أكثر من غيرها». المعرفة أكبر عن شمال البحر المتوسط، لكن هناك الآن مشروعات أيضاً في الأجزاء الجنوبية من البحر.
وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية، أن تغير المناخ يؤثر أيضاً على نحو متزايد على مروج الأعشاب البحرية.
وتقول أوتيرو، إن «حرارة البحر المتوسط تزيد بسرعة كبيرة». العواقب لا تزال لا يمكن توقعها، لكن من المرجح أن تؤثر على نمو النباتات وانتشارها.
ومن أجل حماية نموها، أصدرت منطقة جزر البليار مرسوماً هذا العام، حيث وضعت 650 كيلومتراً مربعاً من مروج الأعشاب البحرية تحت حماية متزايدة. ويقول ميخيل مير، المدير العام لحماية البيئة في وزارة البيئة المحلية «بالطبع، كانت هناك إجراءات معمول بها قبل ذلك، لكن لم يكن أي منها يستهدف الوضع في جزر البليار بشكل خاص على هذا النحو».
وكان التصدي للرسو غير القانوني أولوية بالفعل قبل صدور المرسوم، حيث إن المراسي الثقيلة تمزق الأعشاب البحرية في التكتلات الضخمة عندما تغادر. وفي مايوركا، لا يقتصر الأمر فقط على محاولة السلطات وقف تدمير أعشاب نبتون، حيث يحاول العلماء أيضاً زرعها.
ويقول جورج تيرادوس، الذي يعمل في معهد «إيميديا» للبيئة ومسؤول عن زراعة العشب «في عام 2015 بدأنا مشروعاً تجريبياً في خليج سانتا بونكا». ويضيف «لقد بقي نحو 50 في المائة من النباتات حية، وكنا سعداء للغاية بذلك».
ودفعت تكلفة هذا المشروع شركة «ريد إلكتريكا» لإدارة شبكة الكهرباء، التي وضعت الكابلات عبر الحشائش البحرية وأرادت أن تعوض بعض الأضرار.
وعندما ثبت أن النتائج باعثة على الأمل، اتفقت «ريد إلكتريكا» و«إيميديا» على مشروع أكبر في خليج بولينكا شمال جزيرة مايوركا. وتمت زراعة مرج يغطي مساحة بطول 50 متراً وعرض 50 متراً منذ بداية العام. ويبحث الغواصون عن النباتات التي مزقها البحر، لكنها لا تزال سليمة. ويقول تيرادوس «نقوم بإعادة زرع هذه (الأعشاب) في مجموعات تبعد بخمسة أمتار عن بعضها بعضاً».
ويقول، إن الصبر هو عامل ضروري «تتفكك بوسيدونيا أوشينيكا بسهولة بالغة ولا تنمو مجدداً إلا ببطء - بمعدل نحو 1 إلى 3 سنتيمترات في السنة». ويأمل في أن تتم تغطية المنطقة بالكامل في يوم من الأيام بالعشب البحري. ويقول «لكن ذلك قد يستغرق عقوداً، بل وقروناً».


مقالات ذات صلة

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
علوم صورة لكوكب الأرض (رويترز)

أشبه بـ«حمام بخار»... نظرية جديدة تفسّر كيفية نشوء الماء على كوكبنا

رجّحت نظرية جديدة أن يكون الماء أصبح متوافراً على كوكب الأرض بفعل ما يشبه حمام بخار، بعد وقت قصير من تكوين النظام الشمسي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
خاص مدير «مبادرة الأراضي العالمية» في «مجموعة العشرين» الدكتور مورالي ثوماروكودي (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 02:36

خاص مسؤول في «مجموعة الـ20»: التزام دولي باستعادة 1.1 مليار هكتار من الأراضي هذا العام

نبّه مدير «مبادرة الأراضي العالمية» في «مجموعة العشرين» الدكتور مورالي ثوماروكودي، إلى مدى خطورة تدهور الأراضي.

آيات نور (الرياض)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».