هل لك أن تتخيل قيام أنجلينا جولي أو نيكول كيدمان أو تشارليز ثيرون بالتمثيل في فيلم أو مسلسل تلفزيوني؟ هل تتصوّر أن يقبل توم كروز أو جورج كلوني أو براد بت بذلك؟
هناك حالات معيّنة: ستيفن سبيلبرغ مخرج لا تستطيع أن تقول لا له إذا ما أرادك بطلا لحلقات تلفزيونية... لذلك قفز الممثل توم هانكس إلى العمل معه عندما قاما بتقديم المسلسل الحربي «لفيف الأشقاء».
حالة أخرى، أن يكون العمل من الأهمية القصوى بحيث هو استثناء وتمييز كأن ترتبط الحكاية بشخصية مميّزة (فرصة للعب شخصية نيلسون مانديلا أو أبراهام لينكولن) مثلا أو لأن هناك نيّـة لجمع أكبر عدد من نجوم السينما في عمل واحد.
طبعا هناك حالة ثالثة هي الأكثر انتشارا وتتمثل في قبول أدوار الشرف، لكنها بدورها مقتصرة على هذه الحالات الاستثنائية التي تبقى محدودة لأن معظم نجوم السينما في هوليوود أو في الغرب عموما لا يجدون في العمل التلفزيوني تلك الضرورة الحتمية. أكثرهم يرى أن الانتقال من السينما إلى التلفزيون هو بداية خط عكسي. تراجع مهني. السينما ما زالت هي المجال الفني الأول (أو الثاني بعد المسرح بالنسبة للبعض) وعادة ما يطمح ممثلو التلفزيون إلى الانتقال إلى السينما وليس العكس.
للأسف، الوضع عندنا مقلوب كما هو الحال في أكثر من وضع آخر. عاما بعد عام يتكاثر المتقاطرون إلى لعب أدوار تلفزيونية كبيرة وصغيرة حتى من قبل السن المهني للشيخوخة. تتحرك قوافل ممثلي السينما المعروفين من الشاشة الكبيرة إلى الصغيرة ويبادر الممثلون إلى احتلال أماكنهم في أعمال شهر رمضان، ليس حبّـا به بالضرورة، بل لأنه النافذة الوحيدة المتبقية للعمل.
ولا أريد أن أحك الجرح النازف عندما أذكر أن هذا الموسم، كمواسم سابقة، شهد المزيد من النزوح. مرّة أخرى نجد عادل إمام ويحيى الفخراني ويسرا ودريد لحام ونيللي وليلى علوي والكثير من الممثلين الذين نجحوا في السينما في مسلسلات قليل منها جيّـد والباقي هو مجرد ساعات مهدرة ومعروضة أمام أعين المشاهدين.
هذا العام نجد يسرا في «قصر عابدين» وعادل إمام في «صاحب السعادة» وسهير البابلي في «قانون سوسكا» ومحمود عبد العزيز في «جبل الحلال» ويحيى الفخراني في «دهشة» وفاروق الفيشاوي في «المرافعة» وسواهم.
وإذا كان هؤلاء المذكورون تجاوزوا سن الشباب وانصاعوا لشروط العرض والطلب، فماذا عن ممثلين من جيل القرن الحادي والعشرين مثل روبي وهيفاء وهبي وغادة عبد الرازق وأحمد عز؟ ما الدافع؟
طبعا هذه الحال ليست نتاج اختيار عادل.
المشكلة هي أن السينما المصرية لم تعد هي ذاتها التي شهدت إبداعاتها السابقة ونجاحاتها التجارية العملاقة من الخمسينات وحتى الثمانينات. هي وهنت بعد تلك الحقبة، ثم تلاشت كحضور حتمي وضروري بين المشاهدين داخل مصر وخارجها مع قيام المحطات الفضائية بتعويض المشاهدين إذا ما بقوا في بيوتهم. من ناحية أخرى، أصبحت غالبية المشاهدين من تلك الفئة الشبابية التي إذا ما كانت تشاهد أفلام السينما في الصالات الكبيرة، فهي تفعل ذلك حبّـا في الممثلين والممثلات الشباب غالبا. بالتالي، بات مطلب المنتجين الأسهل البحث عن الخامات الشابة للتوجه بها إلى الفئات المماثلة عمرا طالما أن الجمهور الراشد قرر أن يبقى في البيت.
لكن هذا قد يفسّر لماذا غابت نبيلة عبيد أو يسرا أو ليلى علوي أو عادل إمام أو محمود حميدة عن المشهد السينمائي، لكنه لا يفسّـر لماذا بتنا نرى المزيد من الممثلين الشبّـان يؤمّـون الأعمال التلفزيونية.
الحديث هنا لا علاقة له بقبول أو برفض أمثال يسرا اللوزي وغادة عبد الرازق وباسم سمرة على الشاشة الصغيرة، بل بقبول ورفض أن تضطرهم وسواهم تلك الظروف العملية
إلى البحث عن أدوار تلفزيونية غالبا في مسلسلات لم تكن تستحق أن تُـنتج. له علاقة بالانحدار الكبير الذي شهدته صناعة السينما في مصر أو في سواها ما نتج عنه صعوبة تقديم أفلام كبيرة على نسق «أبي فوق الشجرة» أو «بداية ونهاية» أو «البوسطجي» أو حتى متوسطة أو صغيرة، إنما مع الثيمات السينمائية الصحيحة. بعض ما هو متوفر في هذا الشهر من برامج ومسلسلات كان حريا به أن يُـنتج للسينما مثل «سرايا عابدين» و«دهشة» و«السيدة الأولى» و«سجن النساء» وتحت إدارة مخرجين متميّـزين من رعيل علي عبد الخالق وسعيد مرزوق (شفاه الله) ورأفت الميهي وبشير الديك ومحمد خان وأشرف عرفة، وسواهم.
عرفنا أن رأس المال عادة ما يكون جبانا، لكن هذا جبن فادح النتائج وسط ظروف تحتاج السينما فيها إلى الدعم كما تحتاج الأوطان إلى المزيد من العمل والأمل.
شاشات: الصورة المقلوبة
شاشات: الصورة المقلوبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة