أنقرة لواشنطن: إذا لم تخرجوا «الوحدات» الكردية من منبج فسنتكفل بالأمر

«قوات سوريا الديمقراطية» تقلل من تصريحات إردوغان

TT

أنقرة لواشنطن: إذا لم تخرجوا «الوحدات» الكردية من منبج فسنتكفل بالأمر

أبلغ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن تركيا يمكنها أن تقضي على وجود مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية في مدينة منبج بشمال سوريا إذا لم تقم أميركا بإخراجهم منها.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن إردوغان أبلغ بومبيو، خلال لقائهما في مطار أسنبوغا في أنقرة أمس (الأربعاء) رسالة بخصوص منبج السورية قال فيها إنه «إذا كانت لدى واشنطن صعوبات في إزاحة (الإرهابيين)، (في إشارة إلى عناصر الوحدات الكردية)، فإن تركيا ستتكفل بالأمر».
وعشية الزيارة الخاطفة التي قام بها بومبيو لأنقرة أمس والتقى خلالها إردوغان وجاويش أوغلو، قال إردوغان إن أنقرة أعطت مهلة للولايات المتحدة 90 يوماً لحل موضوع منبج الواقعة في ريف حلب الشرقي، وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية منها، لافتاً إلى أن بلاده ستتدخل إذا مرت هذه المدة دون إنجاز.
وقال إردوغان، في كلمة بالبرلمان التركي أول من أمس: «حددنا 90 يوماً مع الولايات المتحدة فيما يخص منبج، لكن إن مرت هذه المدة دون إنجاز، فنحن جاهزون لنحقق مصيرنا بأيدينا»، في تكرار لتهديدات سابقة بالتدخل العسكري في منبج حال استمر وجود مسلحي «الوحدات» الكردية فيها.
واتهم إردوغان الولايات المتحدة، مرارا، بعدم الوفاء بتعهداتها بسحب مسلحي «الوحدات» الكردية من منبج، وقال إن تركيا لن تتنازل عن تطهير منبج ومناطق شرق الفرات في سوريا وسنجار في شمال العراق من الميليشيات الكردية التي تقول تركيا إنها تشكل امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور.
وكان مقررا، وفق جدول زمني، تنفيذ خريطة الطريق في منبج، التي تم التوصل إليها خلال اجتماع وزيري خارجية الولايات المتحدة وتركيا في واشنطن في 4 يونيو (حزيران) الماضي، على مراحل خلال 90 يوميا، تبدأ بسحب عناصر «الوحدات» الكردية، ويليه تولي عناصر من الجيش والمخابرات التركية والأميركية مهمة مراقبة المدينة والإشراف على الأمن والاستقرار فيها لحين تشكيل إدارة محلية من سكانها.
وحتى الآن، تؤكد أنقرة أن عناصر «الوحدات» لم ينسحبوا، كما لم ينفذ من مراحل الخطة سوى تسيير الدوريات المستقلة على جانبي الخط الفاصل بين مناطق سيطرة «الوحدات» الكردية ومناطق «درع الفرات».
وتعثر تنفيذ اتفاق خريطة الطريق في منبج منذ بدء تطبيقه في 18 يونيو الماضي وحتى الآن وسط توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة على خلفية قضية القس الأميركي آندرو برانسون الذي كانت تحاكمه تركيا بتهمة دعم الإرهاب وممارسة أنشطة لصالح حزب العمال الكردستاني و«الوحدات» الكردية في سوريا و«حركة الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، قبل أن تفرج عنه يوم الجمعة الماضي بعد احتجازه عامين، ويعود إلى بلاده.
وتوقع مراقبون أن تؤدي خطوة الإفراج عن القس برانسون، إلى تحريك ملف منبج وتقليل واشنطن دعمها للأكراد في سوريا الذي يثير غضب أنقرة.
في السياق ذاته، قال جاويش أوغلو، إنه بحث موضوع منبج مع بومبيو خلال لقائهما في أنقرة أمس.
وكان جاويش أوغلو استبق اللقاء بالتأكيد على أن أي مماطلة من الجانب الأميركي في موضوع منبج السورية، ستعيد خريطة الطريق المتفق عليها بين الجانبين، خطوة إلى الوراء.
وأضاف، في تصريحات بأنقرة مساء أول من أمس: «إما أن تطهروا بأنفسكم (في إشارة إلى الأميركيين) مدينة منبج من الإرهابيين، وإما نقوم نحن بذلك».
وشدد الوزير التركي على أهمية تنفيذ خريطة الطريق حول منبج بشكل كامل، عادّاً أن تطهير منبج من «الوحدات» الكردية غير كاف، قائلا: «لا نريد رؤية (الإرهابيين) شرق نهر الفرات، وإحدى مسؤوليات الولايات المتحدة تطهير المنطقة منهم».
بالتوازي، قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو: «ليتنا تمكنا من التوجه إلى الرقة والوجود هناك، فستتبين أهمية ذلك أكثر بعد 3 أو 5 سنوات».
وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، سيطر تحالف «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» التي تعد «وحدات حماية الشعب» الكردية مكونها الأكبر، بدعم من التحالف الدولي على مدينة الرقة، التي اتخذها تنظيم داعش عاصمة له.
ولفت صويلو، في مقابلة مع وكالة «الأناضول» الرسمية أمس إلى أنه منذ سيطرة «قسد» على المدينة، تقوم باعتقالات وعمليات دهم عشوائية للمنازل، إلى جانب التجنيد الإجباري لشباب المدينة، مما دفع السكان للخروج في مظاهرات رفضا لوجود هذه الميليشيات وسياساتها.
من جهته، قلل المتحدث باسم قوات «مجلس منبج العسكري» التابع لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، شرفان درويش، من أهمية تصريحات
إردوغان بشأن مدينة منبج في ريف حلب الشرقي.
وقال درويش في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية: «هذه التهديدات ليست جديدة علينا منذ تحرير مدينة منبج قبل أكثر من عامين من قبل (مجلس منبج العسكري) وبمساعدة التحالف الدولي و(وحدات حماية الشعب) الكردي الحليفة التي غادرتنا فيما بعد. نؤكد أن الحجج التي يروج لها الجانب التركي بوجود (وحدات حماية الشعب) الكردي لا أساس لها من الصحة».
وأكد درويش على أن «مجلس منبج العسكري» مطلع على خريطة الطريق التي تتحدث عنها تركيا و«نعقد لقاءات متكررة مع التحالف، وهدف الخريطة تأمين الأمن والاستقرار، وتكون دوريات على الخط الفاصل بيننا وبين مناطق (درع الفرات) ولن تكون داخل مدينة منبج».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.