الشركات تروج لمحلاتها كتجربة شخصية واجتماعية

أهمية الاستثمار في العقار والديكورات الحميمة تزيد في ظل التوقعات بزيادة الإقبال عليها بـ80 % بحلول 2020

جانب من محل «تودز» الجديد بكنبته الضخمة والثريا التي ستكون أول ما يستوقفك عند دخوله (تصوير: لياندرو فارينا)
جانب من محل «تودز» الجديد بكنبته الضخمة والثريا التي ستكون أول ما يستوقفك عند دخوله (تصوير: لياندرو فارينا)
TT

الشركات تروج لمحلاتها كتجربة شخصية واجتماعية

جانب من محل «تودز» الجديد بكنبته الضخمة والثريا التي ستكون أول ما يستوقفك عند دخوله (تصوير: لياندرو فارينا)
جانب من محل «تودز» الجديد بكنبته الضخمة والثريا التي ستكون أول ما يستوقفك عند دخوله (تصوير: لياندرو فارينا)

في عام 2012، وفي عز انتعاش موجة التسوق الإلكتروني، راهن وانغ جيانلين، مؤسس أكبر شركة عقارات في الصين، نظيره جاك ما، رئيس مجلس إدارة الموقع الإلكتروني «ليفياثان علي بابا» على أن التسوق الإلكتروني لن يزيح التسوق التقليدي من مكانته. أعطى نفسه وغريمه عشر سنوات للتأكد من هذا الأمر، وبأنه سيمنح السيد جاك ما يعادل 16 مليون دولار أميركي، في حال خسر الرهان.
ست سنوات فقط مرت على هذا الرهان العلني، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أنه كان محقا، وأنه لن يخسر الرهان. فالصين حاليا هي أكبر سوق في العالم، بمبيعات تقدر بـ5 تريليونات دولار، لا يمثل التسوق الإلكتروني فيها سوى 18 في المائة. هذا لا يعني أننا تعبنا من شراء مستلزماتنا بضغطة زر؛ بل فقط أن التسوق الواقعي يمنحنا سعادة أكبر. وحتى إن لم يحرك مشاعر الرغبة بداخلنا لما يتضمنه من لمس الأشياء وتجريبها، فإنه على الأقل يُخرجنا من الوحدة التي يفرضها العالم الافتراضي. إنه تجربة اجتماعية مع الأصدقاء. وهذا ما انتبهت له كل من بيوت الأزياء ومؤسسو المواقع الإلكترونية على حد سواء، وترجموه من خلال افتتاح محلات بديكورات تحمل أفكارا جديدة، تلعب غالبا على الحميمية في محاولة لكسب زبائنهم. هذا العام شهدنا افتتاحات كثيرة، في العالم أجمع. في لندن مثلا، ورغم كابوس الـ«بريكست» الذي يخيم عليها، فإنها لا تزال مركزا تجاريا يهم المصممين وصناع الترف عموما.
دار «تودز» الإيطالية مثلا، افتتحت محلا جديدا في «سلوان ستريت». لم تكن فكرته تقليدية حسب ما تؤكده ألوانه وتفاصيله، وأيضا مصممته إنديا مهدافي، التي تقول بأن الشرط الوحيد الذي أعرب عنه السيد دييغو ديلا فالي قبل أن تبدأ تصميمه، أن تجعل كل من يدخله يشعر كما لو أنه في بيت بريطاني. أي يشعر فيه بالراحة والحميمية. لم يكن هذا صعبا عليها، فهي تتقاسم مع الدار حبها للألوان واقتناء القطع النادرة والفريدة، كما تعرف بحكم جذورها الشرقية (تنحدر من أم مصرية وأب إيراني)، أهمية الدفء وحسن الضيافة. أول شيء قامت به أنها فتحت واجهة المحل على الشارع الرئيسي حتى تجعله مفتوحا للكل. ثم تعمدت وضع كنبة ضخمة باللون المستردي في جانب منه، تُغري كل من يزور المحل بالاسترخاء عليها، بينما يتولى أحد العاملين تلبية الطلبات. فهناك خدمة خاصة؛ سواء في الطابق المخصص للمرأة أو الطابق الأرضي المخصص للرجل. الألوان التي تشرح النفس وقطع الأثاث الفريدة ليست وحدها نقطة الجذب هنا، إذ إن الثريات والإضاءة من أهم عناصر الجذب هنا؛ لأنها أقرب إلى التحف منها إلى أدوات ديكور. تشرح المصممة إنديا بأن الصورة قد تبدو جديدة؛ لكن فكرتها ليست كذلك، بالنظر إلى أن «تودز» كانت ولا تزال تروج لأسلوب حياة منطلق وبهيج. الجديد هنا أن الأسلوب مطعّم بروح بريطانية، عوض أن يكون إيطاليا محضا، وهو ما تجسد أيضا في الستائر المخملية التي تتدلى من السقف إلى الأرض. «لقد اخترتها لتزيد من الإحساس بالحميمية» حسب قول المصممة.
وعلى ما يبدو فإن هذه التجربة ما هي إلا البداية؛ لأن الدار تنوي افتتاح محلات جديدة في عواصم أخرى بروح البلد الذي توجد فيه. فقد ولّى العهد الذي كانت فيه بيوت الأزياء، وشركات الترف عموما، تريد ديكورا موحدا في كل أنحاء العالم، حتى يرتبط بشخصيتها وثقافتها. الآن تريد أن تربط علاقة بالبلد الذي توجد فيه بالتقرب إلى ثقافته أكثر.
ما يعرفه كل من السيد دييغو ديلا فالي، والمصممة إنديا مهدافي، أن الديكورات الضخمة والفاخرة وحدها، لم تعد مطلوبة؛ لا سيما إذا كانت ستُدخل الرهبة في النفوس. أصبح من الضروري حاليا أن تتحلى بدفء الاستقبال وعدم الرسمية؛ بحيث يمكن لمن يدخلها أن يستمتع بما تقدمه من دون أن يشعر بأن عليه أن يخرج محملا بالبضائع.
محل «بيربري» في «ريجنت ستريت» من الأوائل الذين رسخوا هذه الفكرة، بتخصيصه ركنا للقراءة وتصفح المجلات، يمكن أن يكون أيضا نقطة يلتقي فيها الأصدقاء، بعد أن ينتهوا من تسوقهم في شارع «ريجنت ستريت» أو «أوكسفورد ستريت» المجاور. الجميل في هذا الركن أن العاملين لا يزعجون زوارهم بالأسئلة ولا حتى بنظراتهم.
شركة «ماتشز فاشن» هي الأخرى أصبح لها عنوان لندني في موقع استراتيجي، هو 5 كارلوس ستريت، حرصت أن تكون له شخصية فريدة. فهو يقع في منطقة مايفير على بُعد دقائق من فندق الـ«ريتز»، وأخذ مكان بيت عريق مؤلف من ستة طوابق بمعمار جيورجي لافت. تم الحفاظ فيه على كل ميزاته القديمة، مثل المدافئ والأسقف العالية وما شابه من تفاصيل؛ لكن كان لا بد أن يتكلم لغة العصر، وهو ما تم تجسيده من خلال تقديم خدمات خاصة، مثل مقهى صغير في الطابق الأعلى، يمكن استئجاره للحفلات واللقاءات الخاصة، وركن خاص لتجربة الملابس على شكل غرفة بمرايا ثلاثية الأبعاد. كما يمكن أن يشتري الزبون أي منتج عبر جهاز «آيفون»، وبعد 90 دقيقة فقط يكون متوفرا في المحل لتجربته وغيره من الأفكار الجديدة التي تحاول إرضاء الزبون بأي شكل.
في الجانب الآخر، وفي دبي تحديدا، كانت الافتتاحات كثيرة وكبيرة. فكل بيوت الأزياء تنافست على ديكورات ضخمة ومُبهرة في «دبي مول» حتى تتميز عن غيرها. من «شانيل» و«ديور» إلى «فندي» و«بولغاري» إلى «دانهيل»، وغيرهم كُثر. دار «دانهيل» البريطانية مثلا، تعمدت أن يجمع ديكور محلها الجديد بين الهندسة والحرفية، لإنشاء فسحة معاصرة مُفعمة بالرجولة. والمقصود هنا ليس فقط المواد التي استعملت فيه مثل النحاس البرونزي والخشب والجلد والمعادن؛ بل أيضا تخصيص ركن للعناية بالرجل وأخذه إلى زمن الآباء والأجداد، عندما كان لديهم متسع من الوقت لقص الشعر واللحية في محل حلاقة؛ إضافة إلى توفير خدمة التسوّق الشخصي، والسائق الخاص، وخبراء الخياطة لإجراء الرتوش المطلوبة لتأتي القطعة وكأنها فصلت على الجسم. في الولايات المتحدة أيضا يحاول كثير من المحلات ابتكار أفكار جديدة؛ خصوصا بعد صدور دراسات بأنه بحلول عام 2020 ستحقق المحلات 80 في المائة من المبيعات. والأكثر نجاحا، هم الذين أدركوا الأمر وتداركوه منذ الآن، بابتكار طرق لن تجعلهم يعزفون عن التسوق من مواقع التسوق الإلكتروني تماما؛ لكنها على الأقل تجعلهم يشعرون بالمتعة والراحة عند دخولها.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
TT

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)
دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

بوصفها أول مديرة إبداعية يجري تعيينها لقسم الأكسسوارات والسلع الجلدية في «بولغاري» للجواهر، لم يكن أمام المصمِّمة اليونانية الأصل، ماري كاترانتزو أي خيار سوى العودة إلى جذور الدار لتستوحي من تاريخها ما يزيد من وهجها وبريقها. لم تكن المهمة صعبة؛ نظراً لتاريخ يمتد على مدى قرون، ويحوي ما لا ينضب من الأفكار والأحجار الكريمة. بعد تفكير، وجدت أن حمامات كاراكالا، واحدة من عجائب روما السبع في العصور القديمة، وزهرة الكالا بشكلها العجيب، تُشَكِّلان نَبْعَيْنِ يمكن أن تنهل منهما، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقتها على المجموعة «كالا».

ماريا كاترانتزو وحقيبة مرصعة بالأحجار تجسد فسيفساء حمامات كاراكالا (بولغاري)

عندما أعلنت «بولغاري» في شهر أبريل (نيسان) الماضي التحاق ماري كاترانتزو، بها مديرةً فنيةً للمنتجات الجلدية والأكسسوارات، باركت أوساط الموضة والجواهر على حد سواء هذا القرار؛ فهذه خطوة ذكية من شأنها أن تَضُخَّ دماءً شابة بدار يبلغ عمرها أكثر من قرن. كان اسم ماري كاترانتزو وحده يكفي كي يثير فضول عشاق الجمال والإبداع؛ لأنهم يتوقعون منها إبداعات مهمة؛ كونها تتمتع بصيت طيب منذ تخرجها في معهد سانترال سانت مارتنز في عام 2008، لتصبح من بين أهم المصمِّمين الشباب المشاركين في أسبوع لندن. ومنذ سنوات قليلة، انتقلت للاستقرار في بلدها الأصلي، وتحديداً أثينا، لكن اسمها ظل محفوراً في أوساط الموضة، ومنقوشاً بطبعاتها الفنية الجريئة وتصاميمها الهندسية المثيرة.

المصممة ماري كاترانتزو مع المؤثرة الإيطالية أناديلا روسو (بولغاري)

بعد استقرارها في أثينا، بدأت سلسلة من الشراكات كانت دائماً تحقق النجاحِ؛ ففي عام 2019 قدمت عرضاً فخماً من خط الـ«هوت كوتور» في أثينا على خلفية معبد بوسيدون. في هذا العرض، تزيَّنت العارضات بجواهر من «بولغاري» عزَّزت فخامة الصورة من جهة، ودشَّنت علاقتها بالدار الرومانية من جهة ثانية. ربما يتساءل البعض عن كيف لدار متجذرة في التاريخ الروماني أن تتعاون مع مصممة يونانية، خصوصاً أن إيطاليا لا تفتقر إلى المواهب الشابة والمحترفة، ليأتي الجواب بسيطاً، وهو أن مؤسس الدار في الأصل يوناني، اسمه سوتيريو بولغاريس، كان ذلك منذ أكثر من قرنين من الزمن، لكن تغيَّرت فيه الأماكن وكذلك الاسم من «بولغاريس» إلى «بولغاري».

بالنسبة لدار تخصصت في الجواهر أولاً وأخيراً، فإن قرار تعيين مصمِّمة أزياء في منصب إبداعي، أمرٌ تكتيكي وذكي يستهدف ضخ دماء جديدة على قسم الأكسسوارات، وفي الوقت نفسه يريد استقطاب عميلات يعشقن أسلوب كاترانتزو، ولا يزال بداخلهن حنين للمساتها الفنية. تشير المصمِّمة إلى أن القرار لم يُتَّخذ بشكل سريع؛ فعلاقتها بالدار والمجموعة المالكة لها «إل في إم إتش» عمرها سنوات، بدأت بشكل تدريجي وعضوي بشراكات كثيرة، منها مشاركتها في عام 2021، في سلسلة الشراكات التي أطلقتها «بولغاري» تحت عنوان «سيربنتي بعيون...» وهي فعالية تستضيف فيها كل مرة مصمِّماً يضع بصماته الفنية على منتجها الأيقوني.

تقول ماري كاترانتزو إنها استلهمت من أرضية الحمامات وفسيفسائها المتعددة الألوان، شكل مروحة رصَّعتها في ورشات الدار بفلورنسا، باللؤلؤ والجمشت والزمرد والذهب؛ حيث أرادتها أن تحاكي قطعة جواهر بكل المقاييس، وهو ما كان. أمَّا من زهرة الكالا فاستلهمت شكلها النحتي المتعرج الذي يرمز للقوة والمرونة. وتشمل المجموعة حقائب «مينوديير» للسهرة، وأخرى جلدية لكل المناسبات، إلى جانب أوشحة حريرية. كانت التجربة ناجحة على المستويين التجاري والفني على حد سواء؛ فماريا تُدرك تماماً أن الاثنين وجهان لعملة واحدة، وهو ما أكده المصمِّم السعودي زياد البوعينين الذي تدرَّب في بداياته على يدها قائلاً في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» إن العمل معها عن قُرب كان فرصة ذهبية بالنسبة له، حيث «تعلمت منها الكثير من الأمور التي ساعدتني على فهم كيف تُدار أي دار أزياء أو شركة صغيرة من الداخل»، وتابع: «لم يكن العمل مع ماريا كاترانتزو ممتعاً من الناحية الفنية فحسب، بل فتح عيني على أمور كثيرة كانت غائبة عني بوصفي مصمماً شاباً يعتقد أن الابتكار في التصميم وحده يكفي».