نصف درجة مئوية إضافية تهدد باشتداد وتيرة الاحتباس الحراري

عشرات الملايين سيتعرضون لموجات حر وشح المياه وفيضانات

نصف درجة مئوية إضافية تهدد باشتداد وتيرة الاحتباس الحراري
TT

نصف درجة مئوية إضافية تهدد باشتداد وتيرة الاحتباس الحراري

نصف درجة مئوية إضافية تهدد باشتداد وتيرة الاحتباس الحراري

ارتفعت درجة حرارة الأرض درجة واحدة مئوية منذ القرن التاسع عشر. وفي الأسبوع الماضي قدم تقرير مهم للأمم المتحدة بحثاً حول عواقب ارتفاعها لدرجة ونصف الدرجة أو درجتين مئويتين.
قد لا يبدو مقدار نصف الدرجة المئوية بالأمر المهم، لكن التقرير شرح بالتفصيل أن حتى هذا القدر الضئيل من التسخين من شأنه أن يعرّض عشرات الملايين من البشر إلى موجات حرّ، وشحّ في المياه، وفيضانات ساحلية تهدّد حياتهم. هذه النصف درجة قد تكون الفرق بين عالم يحتوي على شعاب مرجانية وجليد في بحر القطب الشمالي خلال فصل الصيف، وعالم لا يعرفهما.

تغيرات صغيرة وتأثيرات كبيرة
يحذّر التقرير الذي أعدته اللجنة الدولية للتغيرات المناخية الذي شارك فيه مئات الباحثين من حول العالم، من أن هذه المخاطر لم تعد بعيدة أو مفترضة.
أخّرت الدول عمليات قضائها على انبعاثات غازات الدفيئة لوقت طويل حتى أصبح التسخين الذي يبلغ 1.5 درجة مئوية أمراً واقعاً لا مفرّ منه. وبمعدلات التسخين الحالية، من المرّجح أن يتجاوز العالم عتبة الدرجة والنصف بين عامي 2030 و2052، أي في وقت يكون فيه معظم البالغين والأطفال الذين يعيشون اليوم لا يزالون على قيد الحياة.
تعتبر الدرجة والنصف الإضافية من التسخين أفضل السيناريوهات المتوقعة. فدون اندفاع عالمي فوري وربّما خيالي نحو القضاء على انبعاثات الوقود الأحفوري وعلى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، سيبدو ارتفاع التسخين إلى درجتين مئوية أو أكثر خلال هذا القرن أكثر واقعية.
في كل مرة تشهد فيها درجة حرارة الأرض ارتفاعاً لنصف درجة إضافية، تكون التأثيرات متفاوتة بين مناطق الأرض المختلفة؛ إذ ستشهد المنطقة القطبية الشمالية مثلاً، ارتفاع درجة حرارتها مرّتين أو ثلاثاً أكثر من غيرها، في حين ستشهد مناطق البحر المتوسط والشرق الأوسط انخفاضاً في وفرة المياه بنسبة 9 في المائة في ظلّ ارتفاع التسخين لدرجة ونصف الدرجة، و17 في المائة عند ارتفاعه لدرجتين مئويتين، بحسب دراسة كبيرة وردت في التقرير.
وقال كارل فريدريتش شلوسنر، رئيس قسم علم المناخ وتأثيراته في «كلايميت أناليتيكس» والباحث الرئيسي في الدراسة، «في هذه المنطقة التي تعيش اليوم شحّاً في المياه وتشهد الكثير من الاضطرابات السياسية، لا شك في أن نصف درجة إضافية من التسخين ستحدث فرقاً كبيراً. يشكّل هذا الأمر تذكيراً جيّداً بأن أحداً لا يشعر بمتوسط درجة الحرارة العالمية».
كما أن احتمالات الأحداث المناخية القوية كموجات الحرارة الشديدة أو الأعاصير القوية لن تكون واحدة في أنحاء العالم مع ارتفاع التسخين لنصف درجة إضافية. ويضيف التقرير، أن عدد الأيام الشديدة الحرارة حول العالم مثلاً سيميل إلى الارتفاع أضعافاً مضاعفة مع ارتفاع متوسط الحرارة العالمية.

مخاطر فجائية
يسلّط التقرير الضوء أيضاً على احتمال دفع أبسط معدلات التسخين لكل من المجتمعات البشرية والبيئات الطبيعية إلى المرور ببدايات بعض المراحل التي ستشهد حدوث تغيّرات مناخية مفاجئة.
لنأخذ مثلاً الشعاب المرجانية التي تؤمّن الغذاء والحماية الساحلية لنحو نصف مليار إنسان حول العالم. قبل السبعينات، لم يكن أحد قد سمع عن ارتفاع درجة حرارة المحيطات إلى درجة تسبب ابيضاض الشعاب وموتها. لكن مع ارتفاع درجات الحرارة حول العالم نصف درجة إضافية في هذه الفترة، بات ابيضاض الشعاب ظاهرة عادية ومألوفة.
ويلفت التقرير إلى أنه ومع ارتفاع التسخين لنصف درجة إضافية اليوم فوق المعدلات الحالية، ستواجه الشعاب المرجانية الاستوائية «حالات وفاة كثيرة ومتكررة»، رغم أن بعض الشعاب قد تتأقلم في حال منحت ما يكفي من الوقت. أما مع ارتفاع التسخين لدرجتين، ستواجه الشعاب المرجانية خطر الاختفاء التام.
هذا الأمر غير مؤكد عند بداية مراحل تغيّر مناخي مقلقة أخرى، كالتفكك غير القابل للتصحيح الذي سيصيب صفائح الجليد على سطح غرينلاند أو غرب القارة القطبية الجنوبية. لكن التقرير يحذّر من أن استقرار هذه الصفائح الجليدية قد يبدأ في التزعزع مع درجة ونصف الدرجة أو درجتين من التسخين؛ مما سيعرّض العالم لارتفاع مستوى البحر لأقدام إضافية خلال القرون المقبلة.
كما يحذّر التقرير من أن المناطق المهددة، كالكثير من الدول الأفريقية والجزر الصغيرة، قد تعاني من صعوبة في التعامل مع التأثيرات المتعددة. إذ إن حصول بعض التأثيرات كتراجع المحاصيل وموجات الحرّ وانتشار الذباب الحامل للملاريا بشكل متزامن يجعلها مضاعفة.
من جهتها، قالت كريستي إل إيبي، أستاذة في الصحة العامة في جامعة واشنطن وأحد الباحثين الرئيسيين المشاركين في الفصل المتعلّق بالتأثيرات المناخية في التقرير «أنتم لا تعتادون على شيء واحد في كل مرة، بل تعتادون على كل ما يتغيّر في وقت واحد».

أكثر من درجة ونصف الدرجة
وعدت الدول المشاركة في مباحثات الأمم المتحدة المناخية في باريس عام 2015، بالحفاظ على تسخين الأرض ما دون الدرجتين، وتوافقت على «متابعة الجهود» لتثبيته على درجة ونصف الدرجة. أما قادة الجزر الآهلة الصغيرة كجزر مارشال والمالديف، فاعتبروا أن الهدف الثاني مهم جداً لبقائهم على قيد الحياة.
لكن في هذه المرحلة، يبدو أن الهدفين بعيدان عن التحقيق، فحتى إن تمّ الوفاء بجميع التعهدات التي قدمتها الدول في باريس للتخلص من الانبعاثات، ستضع العالم على مسار ارتفاع التسخين إلى ثلاث درجات وأكثر.
ولفت التقرير إلى أن تثبيت التسخين عند درجة ونصف الدرجة يستلزم تحوّلاً كبيراً لنظام الطاقة العالمي يتجاوز ما يتحدّث عنه قادة العالم اليوم. إذ من الضروري جداً أن تهبط انبعاثات غازات الدفيئة العالمية إلى النصف في فترة لا تتجاوز 12 عاماً، وأن تختفي نهائياً بحلول عام 2050.
وللحفاظ على التسخين دون الدرجتين، يجب على الانبعاثات أن تختفي بشكل نهائي بحلول عام 2075؛ ما يفرض استبدال جميع معامل الفحم والمركبات العاملة بالوقود على الكوكب ببدائل لا تصدر غاز ثاني أكسيد الكربون وبشكل فوري.
وأضاف التقرير، أنه يتوجب على العالم أن يطوّر وينشر تقنية للتخلص من مليارات أطنان ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي في كل عام، من خلال استخدام تقنيات لم يتمّ اختبارها بعد على نطاق واسع.
وقال غاري يوهي، عالم اقتصاد بيئي في جامعة ويسليان في حديث لوسائل الإعلام الأميركية «من وجهة نظري، يبدو الحديث عن وصول تسخين الأرض إلى درجتين متفائلاً جداً، وأن الحديث عن الدرجة والنصف متفائل بشكل مثير للسخرية. من الجيّد أن نسعى خلف تحقيق هذه الأهداف، لكن علينا أن نواجه حقيقة أننا قد لا نحققها، وأن نبدأ في التفكير بشكل بجدية أكبر بما قد يبدو عليه الارتفاع إلى درجتين ونصف الدرجة أو ثلاث درجات».

تغيرات مناخية مؤثرة

• المنطقة القطبية الشمالية. وضع جليد البحر القطبي الشمالي خلال فصل الصيف:
- 1.5 درجة مئوية. جليد البحر سيبقى خلال غالبية فصول الصيف
- درجتان. ارتفاع احتمال ذوبان الجليد في البحر 10 مرّات
إن ارتفاع تسخين الأرض لنصف درجة إضافية قد يعني خسارة المزيد من مواطن الدببة القطبية، والحيتان، والفقم، والطيور البحرية. لكن ارتفاع درجات الحرارة قد يكون أفضل للبيئات السمكية في المنطقة القطبية.
• الحرّ الشديد. سيتعرض سكان العالم لموجات حر شديدة (كتلك التي غطّت جنوب شرقي أوروبا عام 2007) مرة واحدة كل خمس سنوات على الأقل.
- 1.5 درجة مئوية. نحو 14 في المائة من سكان العالم
سيصبح الحرّ الشديد أكثر شيوعاً حول العالم في ظل ارتفاع حرارة تسخين الأرض لدرجتين إضافيتين مقارنة بدرجة ونصف الدرجة، وستشهد المناطق الاستوائية الارتفاع الأكبر في عدد أيام «الحرّ الشديد غير المألوف».
• شحّ المياه. تزايد عدد المناطق السكنية المدنية المعرّضة للجفاف الشديد:
- 1.5 درجة مئوية. 350 مليون شخص إضافي حول العالم
- درجتان مئوية. 411 مليون شخص إضافي حول العالم
من المتوقع أن تشهد منطقة البحر المتوسط تحديداً «تزايداً شديداً في الجفاف» في ظل ارتفاع التسخين درجتين مقارنة بـ1.5 درجة.
• النباتات والحيوانات. خسارة المزيد من الأجناس لأكثر من نصف تنوعها:
- 1.5 درجة. 6 في المائة من الحشرات، 8 في المائة من النباتات، 4 في المائة من الفقاريات.
- درجتان مئويتان. 18 في المائة من الحشرات، 16 في المائة من النباتات، 8 في المائة من الفقاريات
• الشعب المرجانية. وضع الشعاب المرجانية حول العالم:
- 1.5 درجة مئوية، «حالات وفاة جماعية متكررة»
- درجتان مئويتان. الشعب المرجانية «تختفي بغالبيتها»
• ارتفاع مستوى سطح البحر. تعرّض العالم لفياضانات ناتجة من ارتفاع مستوى سطح البحر في عام 2100 (دون تأقلم):
- 1.5 درجة مئوية. 31 إلى 69 مليون شخص حول العالم
- درجتان مئويتان. 32 إلى 80 مليون شخص حول العالم
تسجّل نصف درجة إضافية من التسخين تأثيراً ملحوظاً على الشعوب القاطنة في الجزر الصغيرة، والمعرّضة أكثر عن غيرها لارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها من تأثيرات التغيّر المناخي.
• المحاصيل الزراعية. من المتوقع أن تشهد المحاصيل الزراعية حول العالم تراجعاً في ظل ارتفاع تسخين الأرض لدرجتين إضافيتين مقارنة بدرجة ونصف الدرجة، وبخاصة في مناطق شبه الصحراء الأفريقية، وجنوب شرقي آسيا، ووسط وجنوب أميركا.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية

الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
TT

حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية

الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

طوّر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة روبوتات صغيرة بحجم الحشرات، قادرة على الطيران لفترات طويلة، مما يمهد الطريق لاستخدامها في التلقيح الميكانيكي للمحاصيل.

وأوضح الباحثون أن هذه الابتكارات تهدف إلى مساعدة المزارعين في مزارع متعددة المستويات، مما يعزز الإنتاجية ويقلل من الأثر البيئي للزراعة التقليدية، ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية (Science Robotics).

ويُعد تلقيح المحاصيل عملية أساسية لضمان إنتاج الفواكه والخضراوات، ويعتمد عادةً على الحشرات الطبيعية مثل النحل. إلا أن التغيرات البيئية واستخدام المبيدات أدّيا إلى تراجع أعداد النحل بشكل ملحوظ؛ مما يبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة.

في هذا السياق، يشير الفريق إلى أن الروبوتات الطائرة يمكن أن تأتي بديلاً واعداً، حيث يمكنها محاكاة وظائف النحل بدقة وسرعة في تلقيح النباتات بفضل تقنيات متقدمة تشمل الأجنحة المرنة والمحركات الاصطناعية، تمكّن هذه الروبوتات من أداء مناورات معقدة والطيران لفترات طويلة.

وأوضح الفريق أن الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق، ويتميز بقدرته على الطيران لمدة 17 دقيقة، وهو رقم قياسي يزيد بمائة مرة عن التصاميم السابقة. كما يمكنه الطيران بسرعة تصل إلى 35 سم/ثانية، وأداء مناورات هوائية مثل الدوران المزدوج في الهواء.

ويتكون الروبوت من أربع وحدات بأجنحة مستقلة، مما يحسن من قوة الرفع ويقلل الإجهاد الميكانيكي. ويتيح التصميم مساحة لإضافة بطاريات وأجهزة استشعار صغيرة مستقبلاً، ما يعزز إمكانيات الروبوت للاستخدام خارج المختبر.

وأشار الباحثون إلى أن العضلات الاصطناعية التي تحرك أجنحة الروبوت صُنعت باستخدام مواد مرنة مدعومة بالكربون النانوي، الأمر الذي يمنحها كفاءة أكبر. كما تم تطوير مفصل جناح طويل يقلل الإجهاد في أثناء الحركة، باستخدام تقنية تصنيع دقيقة تعتمد على القطع بالليزر.

ونوّه الفريق بأن هذه الروبوتات تُعَد خطوة كبيرة نحو تعويض نقص الملقحات الطبيعية مثل النحل، خصوصاً في ظل التراجع العالمي في أعدادها.

ويأمل الباحثون في تحسين دقة الروبوتات لتتمكن من الهبوط على الأزهار والتقاط الرحيق، إلى جانب تطوير بطاريات وأجهزة استشعار تجعلها قادرة على الطيران في البيئة الخارجية.

كما يعمل الباحثون على إطالة مدة طيران الروبوتات لتتجاوز ساعتين ونصف ساعة؛ لتعزيز استخدامها في التطبيقات الزراعية وتحقيق الزراعة المستدامة.