حطام سفن غارقة في اليونان يروي قصة التجارة في العصور القديمة

العلماء يسعون لإنشاء مركز دراسات ومتحف للآثار الغارقة

العثور على أكثر من 300 قطعة أثرية من حطام السفن
العثور على أكثر من 300 قطعة أثرية من حطام السفن
TT

حطام سفن غارقة في اليونان يروي قصة التجارة في العصور القديمة

العثور على أكثر من 300 قطعة أثرية من حطام السفن
العثور على أكثر من 300 قطعة أثرية من حطام السفن

تمكن علماء آثار في اليونان من العثور على حطام ما لا يقل عن 58 سفينة، يزخر الكثير منها بالقطع الأثرية، ويرى العلماء أن هذا الاكتشاف يعد أكبر كم من حطام السفن يجري الكشف عنه في بحر إيجة شرق اليونان وربما في البحر المتوسط بأسره.
ووفقا للمراقبين فإن هذا الحطام يروي قصة مدهشة، تظهر كيف أن سفناً محملة بالبضائع سافرت عبر بحر إيجة والبحر المتوسط والبحر الأسود واجهت مصيرا مشؤوما، بسبب عواصف مفاجئة بينما حاصرتها المنحدرات الصخرية في المنطقة. ووفقا لما تم الإعلان عنه فإن علماء آثار عثروا على حطام كم كبير من السفن في قاع البحر بالقرب من أرخبيل فورنوي الصغير في شرق بحر إيجة قرابة جزيرة ساموس، ويضم سفنا تعود لعصور مختلفة منذ اليونان القديمة وحتى القرن الماضي، ومعظم الحطام لسفن من العصر اليوناني والروماني والبيزنطي.
ووصف عالم الآثار الغارقة بيتر كامبل هذا الاكتشاف بالأمر المدهش قائلا إن من الصعب وصف مدى الحماس لأنه تم العثور على شيء سيغير كتب التاريخ، وقد عُثر على هذا الاكتشاف بواسطة فريق من علماء الآثار تحت الماء من اليونان والولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع الغواصين والصيادين المحليين في منطقة تمتد لمسافة 17 ميلا وتنتشر حول 13 جزيرة تشكّل منطقة «فورني» التابعة لجزيرة ساموس في بحر إيجة شرقي اليونان.
وقال كامبل: «قد يمكن أن أطلق عليه أحد أهم الاكتشافات الأثرية لهذا القرن ولدينا الآن قصة جديدة عن الطريق البحري الذي كان يربط البحر المتوسط القديم». بالإشارة إلى أنه قد قفز العدد بعد أحدث اكتشاف إلى 58 وهو ما دفع الفريق للاعتقاد بأن هناك المزيد من الأسرار الكامنة في قاع البحر هناك.
وشملت البضائع التي عُثر عليها داخل حطام السفن زجاجات وأواني، كما احتوى الحطام على حمولات السفن الغارقة من تحف وبضائع تعود إلى الفترة بين الحقبة الهلنستية والقرن الرابع الميلادي، مما يكشف عن العلاقات التجارية التي كانت وقتذاك بين قبرص وبلاد الشام واليونان ومصر. ووفقا للمصادر فإن الاكتشاف يجعل تلك المنطقة واحدة من المقابر الأكبر في العالم للسفن الغارقة.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم عدد السفن الغارقة في قاع المحيطات والبحار بما يربو على 3 ملايين سفينة وهو رقم تقريبي ويعود حطام بعض هذه السفن إلى الآلاف من السنين ويمكن أن يوفر مصدرا ثمينا للمعلومات التاريخية، فالسفن الغارقة هي شواهد على النشاط التجاري والحوار الثقافي بين الشعوب.
وترسم السفن ومحتوياتها صورة لحركة شحن البضائع على طرق من البحر الأسود واليونان وآسيا الصغرى وإيطاليا وإسبانيا وصقلية وقبرص وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا. وجمع الفريق أكثر من 300 قطعة أثرية من حطام السفن خاصة القوارير، مما أعطى علماء الآثار لمحة نادرة عن الأماكن التي كانت تنقل لها البضائع في أنحاء البحر المتوسط.
وقد تكون حمولة بقايا السفن الغارقة أحيانا ذات أهمية فنية كبرى، فقد عثر في حطام السفن اليونانية والرومانية على الكثير من التماثيل الثمينة المعروضة حالياً في المتاحف. وقال الدكتور جورج كوتسوفلاكيس من الهيئة اليونانية للآثار الغارقة وهو مدير مشروع المسح في فورنوي إن 90 في المائة من حطام السفن الذي تم اكتشافه في أرخبيل فورنوي يحمل شحنة قوارير، مضيفا أن القوارير كانت تستخدم قديما لنقل السوائل وأشباه السوائل، لذلك فإن معظم السلع المنقولة كانت خمورا وزيتا ومرق السمك وربما عسل النحل. وقال إن مرق السمك من منطقة البحر الأسود كان قديما سلعة باهظة الثمن.
وذكر كوتسوفلاكيس أن أكثر ما أثار حماس فريق التنقيب كان العثور على حطام سفن من البحر الأسود وشمال أفريقيا تعود لنهاية العصر الروماني نظرا لندرة العثور على شحنة سليمة من تلك المناطق في حطام سفن في بحر إيجة، مشيرا إلى أن الطقس السيئ هو التفسير الأكثر ترجيحا لغرق جميع السفن في نفس المنطقة التي تشهد عواصف مفاجئة وقوية وتحيط بها سواحل صخرية.
ووفقا للعلماء فإن السفن كانت تتوقف قديما في فورنوي لقضاء الليل قبل استئناف رحلته، فيما قال كوتسوفلاكيس: «هناك حطام لم يمس بالمرة. نشعر أننا أول من يعثر عليه لكنه موجود في مياه شديدة العمق، على عمق 60 مترا. عادة ما يكون الحطام في حالة جيدة من عمق 40 مترا وأدنى من ذلك. أي شيء أعلى من 40 مترا فقد الكثير من تماسكه أو تعرض للنهب في الماضي».
ويسعى الفريق، الذي يضم علماء آثار ومعماريين وخبراء ترميم وغواصين، لإنشاء مركز دراسات للآثار الغارقة في فورنوي ومتحف محلي لعرض اكتشافاتهم منذ هذه المنطقة التي يرونها على أنها واحدة من المقابر الأكبر في العالم للسفن الغارقة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».