الرئيس الفرنسي: لست ساذجاً في التعاطي مع طهران وندعو لسياسة أكثر تشدداً

ماكرون أكد أنه يتفق مع ترمب على الأهداف ويختلف معه حول المنهج

الرئيسان الفرنسي والإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيسان الفرنسي والإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الفرنسي: لست ساذجاً في التعاطي مع طهران وندعو لسياسة أكثر تشدداً

الرئيسان الفرنسي والإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيسان الفرنسي والإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

بعد 12 يوماً على البيان الفرنسي الصادر عن ثلاثة وزراء (الخارجية والداخلية والاقتصاد)، الذي وجّه أصابع الاتهام إلى جهاز المخابرات الإيراني، وتحديداً مديرية الأمن الداخلي فيه محملاً إياها مسؤولية الإعداد للمحاولة الإرهابية التي كانت تستهدف، نهاية يونيو (حزيران)، مؤتمراً للمعارضة الإيرانية في ضاحية فيلبانت الباريسية، تناول الرئيس إيمانويل ماكرون للمرة الأولى علناً هذه المسألة في حديث تلفزيوني مساء الجمعة من يريفان، عاصمة أرمينيا. ورغم أن ما قاله ماكرون لم يأتِ بجديد بالنسبة إلى ما هو معروف وثابت عن هذه المسألة، فإنه سعى لإيضاح مجموعة من النقاط أولاها أنه فعلاً أثار الملف مع الرئيس حسن روحاني وأنه طلب منه «توضيحات» وأن الأخير وعده بها ولكنها لم تأتِ حتى اليوم. وأكد ماكرون أنه تناول معه هذه المسألة مرتين.
وجدير بالذكر أنه التقاه في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن البيان الوزاري الفرنسي المثلث صدر بعد عودته من المدينة الأميركية وبعد عملية تدقيق قامت بها الأجهزة الفرنسية المختصة والتي خلصت إلى أن وزارة الاستخبارات هي المسؤولة عن التحضير للاعتداء. وبموجب ذلك فرضت باريس تجميد أصولها المالية واتخذت إجراء مماثلاً بحق شخصين إضافيين أحدهما مسؤول في الجهاز المخابراتي.
وتعتبر باريس أن التخطيط لمحاولة إيرانية إرهابية على الأراضي الفرنسية أمر «لا يمكن قبوله»، خصوصاً أنه يعيد إلى الأذهان عمليات إرهابية إيرانية قديمة حصلت على الأراضي الفرنسية في الثمانينات والتسعينات.
من جانب آخر، سعى الرئيس ماكرون لدحض الادعاء القائل إن سياسة باريس إزاء طهران تتسم بالسذاجة. وقال في المقابلة التلفزيونية المشار إليها إنه «لم يكن أبداً ساذجاً» في التعاطي مع إيران وهو «يعلم أن التعاطي معها ليس أمراً سهلاً» لا بل إنه يدعو، منذ بداية عهده، إلى «سياسة أكثر تشدداً» في التعامل مع طهران بحيث تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة ملفات رئيسية تتمثل في: تأطير نشاطات إيران النووية لما بعد عام 2025، وتحجيم برامجها الصاروخية والباليستية، و«احتواء» نفوذها الإقليمي. وأضاف ماكرون أن الخلاف بين باريس وواشنطن حول الملف الإيراني الذي خرج منه الرئيس الأميركي ترمب في مايو (أيار) الماضي، وأعقبه بفرض عقوبات مالية واقتصادية على طهران وعلى الشركات التي تتعاون معها، هو «على الطريقة والمنهج لا على الأهداف». وسبق لماكرون أن قال في اجتماع بمجلس الأمن الدولي برئاسة ترمب، إنه يتعين «منع إيران من الحصول على السلاح النووي إلى الأبد».
وأوضح أن «المزاج» الفرنسي إزاء إيران قد تدهور وتراكمت بين الطرفين الملفات الخلافية. فبالإضافة إلى محاولة الاعتداء المشار إليها، وربما بسببها بالدرجة الأولى، عمدت الخارجية الفرنسية إلى تحذير الرسميين وأعضاء السلك الدبلوماسي من التوجه إلى إيران في مذكرة كُشف النقاب عنها نهاية أغسطس (آب) الماضي.
ومن الجانب الإيراني، ثمة «مآخذ» على باريس لجهة «عدم كفاية» التدابير والإجراءات التي تتخذها لتمكين إيران من الاستمرار في الاستفادة مما يوفره لها الاتفاق النووي. كذلك تأخذ عليها «تأخر» الشرطة الفرنسية في حماية سفارة طهران في باريس من «هجوم» بالحجارة قامت به مجموعة كردية إيرانية، إضافة إلى تنديدها الدائم بسماح فرنسا لتنظيم «مجاهدي خلق» بالوجود والعمل على الأراضي الفرنسية.
رغم هذه المعطيات، ما زالت باريس تدافع عن الاتفاق النووي. وفي هذا السياق، توقف ماكرون عند حجتين رئيسيتين: الأولى، أن وأد الاتفاق سيعني فقدان أي آلية للرقابة على تقدم البرنامج النووي الإيراني، والأخرى وجود «خطر باشتعال المنطقة» إذا حصل مثل هذا الأمر، أي أن دفن الاتفاق وتخلي إيران عن التزاماتها النووية بشأنه وعودتها إلى التخصيب العالي كما هدد مسؤولوها بذلك، سيستتبع تدابير وإجراءات من الجانبين ستدفع المنطقة إلى حافة الهاوية.
بيد أن التزام باريس بالاستمرار في الاتفاق ليس «مجانياً»، لأنها تطالب طهران باستمرار العمل التام بمضامينه، رغم خروج الإدارة الأميركية منه وبالابتعاد عن أي عمل يمكن اعتباره «استفزازياً»، وأخيراً القبول بالدخول في مفاوضات جديدة حول المسائل الثلاث التي ذكّر بها الرئيس ماكرون في حديثه التلفزيوني. والحال أن طهران ما زالت تؤكد أنها سائرة في الاتفاق «ما دامت مصلحتها القومية مضمونة».
لكن الأمور ستتطور في الأسابيع القادمة وتحديداً منذ الرابع من الشهر القادم، حيث تدخل الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية التي تطال صادرات النفط والغاز والمعاملات المالية حيز التنفيذ. وعندها سيتبين ما إذا كانت باريس ومعها الدول الموقِّعة على الاتفاق النووي «باستثناء الولايات المتحدة» قادرة على تمكين إيران من الاستفادة من إجراءاتها بحيث تعتبر أن مصلحتها القومية ما زالت مؤمّنة، أم أن العقوبات ستضيّق الخناق عليها بحيث ستدفع إلى الخروج بدورها من الاتفاق وعندها سيُفتح الباب على كل الاحتمالات.



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.