الاغتيالات «تكتيك» تجيده جماعات الإسلام السياسي المتطرفة

تحول استخدام العنف إلى آلية رائجة لدى معظم جماعات «الإسلام السياسي»، وبرز ضمن هذه الآلية خصوصاً «تكتيك» التصفية الجسدية للشخصيات التي ترى هذه الجماعات أن وجودها يشكل خطراً عليها.
ورأى خبراء ومحللون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن جماعة «الإخوان» طوَّرت آلية التصفية الجسدية لأعدائها وخصومها على مر العصور، وأن تلك الآلية تشهد ازدهاراً بالتزامن مع تعاظم الضغوط على الجماعة. وأضافوا، أن «الجماعة استخدمت الاغتيالات ضد أشخاص من داخل التنظيم، مثل تصفية القيادي الإخواني سيد فايز»، مؤكدين أن «عمليات الاغتيالات لدى (الإخوان) لها بُعد ديني بإباحتها، وسياسي بتصفية الأشخاص المعيقين لدعوتها، أو المُختلفين معها، حتى لو كانوا من داخل التنظيم من أجل التخويف». وأشاروا إلى أن «الجماعة لن تكفّ مستقبلاً عن الاغتيالات، وسوف تزداد على مستوى العالم العربي والإسلامي والأوروبي».
ويذهب المحللون إلى أن «التنظيم الخاص لـ(الإخوان) كان انقلابياً يهدف إلى قلب أنظمة الحكم بالقوة في الدول؛ بل يعتقد البعض الآخر أن الاغتيالات وسفك الدماء كان منهجاً ينظر له مشايخ (الإخوان) ودعاتهم، فيستدلون به وينسبونه كذباً للدين؛ حتى يحققوا هدفهم في الوصول للسلطة». وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «الإرهاب جزء من العملية الجهادية في عقلية جماعة (الإخوان)، وجزء منها التصفية الجسدية، والاغتيال سواء المادي أو المعنوي... فالاغتيال المادي هو القتل المباشر، أما المعنوي فهو الادعاء على دولة أو نظام، أو شخص بالباطل باتهامه بالتكفير، أو أنه يعمل ضد الإسلام بإهدار دمه».
بينما أكد صلاح الدين حسن، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، أن عمليات الاغتيالات لدى «الإخوان» لها بُعدان سياسي وديني... فالديني بإباحة الجماعة للاغتيالات على مرجعية شرعية تقول «إزالة الأشخاص بتصفيتهم يجوز شرعاً»، وتستند في ذلك إلى وقائع اغتيالات في التاريخ الإسلامي؛ فـ«الإخوان» تعتبر الاغتيال سُنّة... والإشكالية الكبيرة في ذلك أن الجماعة تعد نفسها مُختصة بإقامة دولة إسلامية، وأنها جماعة المسلمين الموكل لها عودة الدولة الإسلامية - على حد زعمهم -؛ فالمشكلة هنا فكرية آيديولوجية.
وأضاف عبد المنعم: أنه على مدار تاريخ الجماعة لجأ «الإخوان» إلى الاغتيالات ضد شخصيات سياسية، وضد أشخاص من داخل التنظيم، مثل تصفية القيادي الإخواني سيد فايز من خلال علبة حلوى مفخخة، إثر اختلاف وقع بينه وبين أعضاء التنظيم، موضحاً أن «الإخوان» تلجأ إلى تصفية الخصوم للسيطرة على الهدف والأهداف الأخرى، وتلجأ إلى ذلك للإخضاع والسيطرة، لتجعل التنظيم في موضع خوف من الآخرين، وتحذيرهم بالاستهداف عبر عمليات جديدة إذا خرجوا عن أفكارها.
وعن البعد السياسي من عمليات الاغتيال لدى «الإخوان»، أشار صلاح الدين حسن إلى أن الجماعة تلجأ إليها عندما تجد بعض الأشخاص من يعيقون دعوتها وتجب إزاحتهم عن الطريق، كما حدث مع أحمد الخازندار، ومحمود فهمي النقراشي، ومحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر... فالمسألة سياسية بحتة يقوم بها التنظيم الخاص أو السري للجماعة، موضحاً أنه في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي «الإخوان» كانت تعتبر أن المرحلة لا تسمح بتشكيل تنظيمات سرية تقوم بالاغتيالات؛ لكن كانت ترى أنه لا مانع أن تقوم أفرع التنظيم الأخرى بذلك؛ لأن الحالة السياسية في مصر حينها كانت تتطلب ذلك؛ لكن في سوريا واليمن استخدمت «الإخوان» السلاح؛ فالجماعة ترى أن كل دولة لها خصوصيتها وظروفها المكانية والزمانية.
كما يذهب بعض الباحثين أيضاً إلى أن «الإخوان» لا يزالون إلى الآن في كتبهم وأدبياتهم يمدحون أفراداً كان لهم دور كبير في قتل رؤساء ومسؤولين، بما يدل على عمق علاقتهم بهم ورضاهم عن توجهاتهم الإرهابية.
ويشار إلى أنه في عام 1941 بدأ الصدام بين الجماعة والسلطة في مصر، مع انتشار التصفيات الدموية التي قام بها «الإخوان»، فأصدرت حكومة النقراشي أمراً عسكرياً في ديسمبر (كانون الأول) 1948 «بحل الإخوان»، وبغلق الأماكن المخصصة لنشاطها، وبضبط جميع الأوراق والوثائق والمجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال والأشياء كافة المملوكة لها.
وأوضح الخبير صلاح الدين حسن، أنه عندما أطيح بمحمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013 لم يكن لدى «الإخوان» مانع أن تلجأ إلى العنف؛ لأن مسألة العنف ليست مبدأ ثابتاً؛ بل تتعلق بالظرفين الزماني والمكاني؛ لذلك وجدنا تشريعاً جديداً للعنف للجماعة، وفصائل تنفصل عن الجماعة، مثل «حسم ولواء الثورة»، وتحدثوا بعد ذلك عن أن «العنف ليس الأصل، لكن تغير الظروف أدت له».
ويشار إلى أن بداية فضح العلاقة بين «الإخوان» وحركة «لواء الثورة» عندما أعلنت الحركة أنهم يستقون فكرهم من سيد قطب (الأب الروحي لـ«الإخوان»)، وحسن البنا... وسبق أن رفع شعار حركة «حسم» (كف طويت إبهمه) مجموعات تابعة للجان نوعية تشكلت من شباب «الإخوان» بعد فض اعتصامين لأنصار الجماعة في ميداني «رابعة» بضاحية مدينة نصر شرق القاهرة، و«النهضة» بالجيزة في أغسطس (آب) عام 2013.
من جانبه، قال الخبير عمرو عبد المنعم، إن الجناح العسكري لـ«الإخوان» يدفعون على عمليات العنف؛ لكنهم لا يتبنونها، فأفكار شباب «الإخوان» خلال السنوات الماضية نجد فيها تأكيدات لممارسة العنف، وبعد ثورة «30 يونيو» التي أطاحت بحكم مرسي أصيب «الإخوان» بعنف لفظي و«دعشنة»، وبعض الشباب انضموا إلى «داعش» في سوريا، والبعض الآخر انضم إلى «حسم ولواء الثورة» وبدا كأنهم أصحاب مواجهة مع السلطات، لافتاً أن هناك محاضرة باسم «الإرهاب فرض والاغتيال سُنَّة» لقيادي من «الجماعة الإسلامية» يدعى أبو طلال القاسمي، «الإخوان» تطبق ما جاء فيها.
وعن مستقبل الاغتيالات لدى «الإخوان»، قال عبد المنعم، إن «هذا الأمر لن يكفّ وعمليات الاغتيالات لدى الجماعة سوف تزداد على مستوى العالم العربي والإسلامي والأوروبي». مضيفاً أن «الإخوان» تزعم أنها تعيش في مظلومية كبيرة منذ سنوات عدة من وجهة نظرهم؛ لذلك ابتكروا إبداعات مثل أحد الأبحاث التي صدرت عن محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح للجماعة، الذي قتل خلال مقاومته للشرطة المصرية في أكتوبر/تشرين الأول قبل عامين) بعنوان «السلمية المبدعة»، وهو استغلال مقنع للعنف والاغتيالات، وبعض «الإخوان» تحدثوا عن فكرة الانتقام من الأنظمة الحكومية، والمشاركة في المظاهرات والاستعداد للقتال... فجميع المؤشرات تشير إلى أن «الإخوان» اتخذوا منهجاً فكرياً متغيراً من العنف والمواجهة والجهاد.

- سجل «الإخوان» في الاغتيالات منذ تأسيسها
مقتل أحمد ماهر رئيس الوزراء المصري الأسبق عام 1945 وهي أول جريمة اغتيال سياسي لـ«الإخوان».
* قتل القاضي أحمد الخازندار في مارس (آذار) 1984... وبعده بأشهر مقتل رئيس الوزراء المصري الأسبق محمود فهمي النقراشي بعد قراره بحل «الإخوان».
* اغتيال حكمدار العاصمة المصرية سليم زكي في ديسمبر (كانون الأول) 1948... وفي العام نفسه اغتيل يحيى بن حميد حاكم اليمن في شهر مارس.
* محاولة استهداف فاشلة تعرّض لها الرئيس جمال عبد العناصر في 26 فبراير (شباط) 1954 خلال خطابه بميدان المنشية بالإسكندرية، بعدما أطلق محمود عبد اللطيف، أحد كوادر الجماعة، ثماني طلقات باتجاه الرئيس الأسبق ليصاب شخصيان وينجو عبد الناصر‏.
* اغتيال النائب العام المصري هشام بركات في يونيو (حزيران) 2015 عندما تحرك موكبه من منزله شرق القاهرة عبر سيارة مفخخة بجوار الرصيف.
* محاولة فاشلة لتفجير محكمة الاستئناف بوسط القاهرة عام 1949 بعدما توجه شفيق حاملاً بيده حقيبة لتفجيرها.
* في أغسطس عام 2016 تبنت «لواء الثورة» الإرهابية الهجوم على كمين العجيزي في مدينة السادات بمحافظة المنوفية بدلتا مصر... وأعلنت مسؤوليتها عن مقتل عميد شرطة.
* حركة «حسم» الإرهابية تسببت في مقتل 9 شرطيين وإصابة مثلهم... وفشلت في اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز، ورئيس محكمة جنايات القاهرة أحمد أبو الفتوح، ومفتي البلاد السابق علي جمعة.