امتناع الميليشيات عن دفع رواتب المعلمين يهدد جيلاً كاملاً بالضياع

طفل يمني انخرط أمس في مرحلة جديدة من برنامج إعادة التأهيل الذي دشنه «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» للأطفال الذين جندتهم الميليشيات الحوثية للقتال واتخذتهم دروعاً بشرية (واس)
طفل يمني انخرط أمس في مرحلة جديدة من برنامج إعادة التأهيل الذي دشنه «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» للأطفال الذين جندتهم الميليشيات الحوثية للقتال واتخذتهم دروعاً بشرية (واس)
TT

امتناع الميليشيات عن دفع رواتب المعلمين يهدد جيلاً كاملاً بالضياع

طفل يمني انخرط أمس في مرحلة جديدة من برنامج إعادة التأهيل الذي دشنه «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» للأطفال الذين جندتهم الميليشيات الحوثية للقتال واتخذتهم دروعاً بشرية (واس)
طفل يمني انخرط أمس في مرحلة جديدة من برنامج إعادة التأهيل الذي دشنه «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» للأطفال الذين جندتهم الميليشيات الحوثية للقتال واتخذتهم دروعاً بشرية (واس)

نبيل سعيد راجح المغلس، معلم من أبناء محافظة تعز، بدأ ممارسة المهنة التربوية منذ عام 2004 بمحافظة المهرة شرق اليمن، قبل أن يحط الرحال بصنعاء عام 2013، بعد سنوات من محاولات محمومة، كما يقول، ليكون في صنعاء مع أسرته، ليتمكن من متابعة علاج ابنه محمد الذي يعاني من مرض التوحد منذ ولادته، ولا يتوفر علاج لمرضه إلا في العاصمة.
لكن ذلك الهدف الذي ظل يسعى لتحقيقه لأكثر من عشر سنوات، سرعان ما أصبح سرابا، ليجد نفسه وابنه المريض وباقي أفراد الأسرة يعيشون وضعا بالغ الصعوبة، بسبب انقطاع الراتب الذي يعد مصدره الوحيد لإعالة عائلته وعلاج ابنه.
معاناة المغلس وهو في أوائل الأربعينات من عمره، وابنه المريض (محمد) الذي دخل منذ أيام عامه الثامن، يجسد بوضوح الوضع المعيشي الصعب لعشرات الآلاف من ممتهني التعليم في العاصمة ومختلف محافظات البلاد، ممن انقطعت مرتباتهم بسبب الحرب التي تعصف باليمن منذ نحو 4 أعوام، وأصبحوا يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة.
هذا الأمر انعكس سلبا على واقع العملية التعليمية برمتها، وأصبح ملايين الأطفال غير قادرين على مواصلة التعليم الأساسي، فيما تشير تقارير المنظمات الدولية المعنية بالطفولة إلى أن النزاع العسكري الدائر في البلاد منذ مارس (آذار) 2015، ألقى بتداعيات سلبية كبيرة على واقع التعليم في البلاد، ودفع بأعداد كبيرة من الأطفال إلى خارج مؤسسات التعليم.
وتشير التقارير الصادرة عن المؤسسات الرسمية المحلية والدولية إلى أرقام مخيفة لأعداد الأطفال اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم محرومين من حق التعليم بسبب الحرب وتداعياتها الكارثية على هذا القطاع الحيوي، وما نجم عن ذلك من انقطاع مرتبات العاملين فيه.
ويقول مسؤولو وزارة التربية والتعليم بأن «عدد المتسربين من التعليم جراء الحرب وصل إلى نحو ثلاثة ملايين طالب وطالبة، فيما تقدر منظمة الطفولة والأمومة (يونيسيف) أعداد الأطفال الذين أصبحوا خارج المدارس بسبب الصراع بنحو مليوني طالب وطالبة، في حين تتوقع منظمات حقوقية أن تصل أعداد الذين قد يتعثر التحاقهم بالمدارس العام الدراسي الحالي 2018 - 2019 إلى نحو خمسة ملايين طفل يمني، إذا لم يتم صرف الرواتب للكادر التربوي، ممن اضطرتهم الحاجة إلى الانقطاع عن مهنتهم والتوجه للبحث عن مصادر رزق جديدة».
بيد أن التربوي نبيل المغلس، وجد نفسه مجبراً على مواصلة مهنته بمدرسة عبد الإله غبش الأساسية الثانوية، بمديرية آزال بصنعاء؛ لكن دون مقابل، فحالة ابنه محمد الصحية لا تسمح له بالانتقال بعيداً عن العاصمة، غير أنه لم يعد في استطاعته تأمين تكاليف العلاج الشهري المطلوب لابنه، الذي تعرض مؤخرا لتراجع صحي واضح، بعد أن كان قد بدأ في التحسن قبل أن تنقطع المرتبات.
ويضيف المغلس، وهو الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة غبش، أن الإعانات التي يتلقاها من حين لآخر من قبل الأهل والأقارب بالكاد تكفي لتوفير القوت الضروري لأفراد أسرته، المكونة من 4 أفراد، هم: الزوجة، والطفلة يسرى ذات العشر سنوات، وأخوها المريض محمد، وشقيقها الأصغر طه، وعمره 7 سنوات. لكن هذا الأخير وبسبب الوضع المعيشي الصعب الذي تعيشه الأسرة أصبح ضيفا دائما على منزل خالته وزوجها، «الذي يعمل في مهنة حرة غير التدريس»، قالها المغلس بابتسامة عريضة وهو يشرح كيف كانت تجربته التربوية الحافلة الممتدة لـ12 عاماً في مدرسة خليفة علي مخبال بمنطقة الضبوط في مدينة الغيضة بمحافظة المهرة (شرق اليمن)، قبل أن تضطره ظروف ولده الصحية إلى الانتقال إلى العاصمة قبل أشهر على اندلاع الحرب التي حولت حياته وحياة أسرته إلى جحيم وصراع للبقاء على قيد الحياة، بلغ ذروته في العامين الأخيرين مع انقطاع الرواتب.
هذا الواقع «الجحيم» بحسب وصف المغلس، ما هو إلا نموذج مصغر لما بات عليه حال معشر الموظفين في اليمن، وفي طليعتهم التربويون البالغ عددهم 145 ألف معلم، الذين أصبح انقطاع مرتباتهم بمثابة كارثة تهدد جيلا كاملا بالضياع، وترمي بالملايين من فلذات الأكباد إلى قارعة الطرقات، الأمر الذي يجعل مستقبل البلد برمته أمام تحديات ومخاطر قد لا تحمد عقباها.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».