كربتشنكو تدرس يوسف إدريس حسب منهج «الواقعية الاشتراكية»

كربتشنكو تدرس يوسف إدريس حسب منهج «الواقعية الاشتراكية»
TT

كربتشنكو تدرس يوسف إدريس حسب منهج «الواقعية الاشتراكية»

كربتشنكو تدرس يوسف إدريس حسب منهج «الواقعية الاشتراكية»

مفاتيح نقدية جديدة لعالم يوسف إدريس الإبداعي، وعلاقة الكتابة بحياته الشخصية، تكشف عنها المستشرقة الروسية فاليريا كربتشنكو، في كتابها «يوسف إدريس» الصادر حديثاً عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، وترجمه إلى العربية الروائي الدكتور إيمان يحيي. يتضمن الكتاب أحد عشر فصلاً ومقدمة وخاتمة. وصدر الكتاب باللغة الروسية عام 1980. ويترجم للعربية للمرة الأولى. وكان موضوع أطروحة دكتوراه قدمتها كربتشنكو إلى معهد الاستشراق بموسكو، وتمت مناقشتها وإجازتها، لكنها واصلت البحث واستكملت الدراسة، وأخرجت كتابها الذي يعتبر، حسب المترجم، من أكثر الكتب النقدية غوصاً في العالم الإبداعي ليوسف إدريس الذي يعتبره النقاد عميد القصة العربية القصيرة، وهو نتاج ساعات طويلة ولقاءات متكررة سجلتها المؤلفة معه، بحثاً عن مصادر إبداعه وحياته الشخصية وتأثيرها على قصصه.
كان إدريس قد أشار إلى أهمية بحث كربتشنكو في حوار له نُشر في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، بينما تحدث بمرارة عن كتاب المستشرق الهولندي مارسيل كربر شويك، الذي نشر بعنوان «الإبداع القصصي عند يوسف إدريس». ولم يتسن لإدريس في حياته أن يطلع على كتاب كربتشنكو، ولم تعش المستشرقة الروسية لترى كتابها يصدر بالعربية.
يمثل الكتاب إحدى المحاولات الجادة لسبر أغوار ظاهرة إدريس الإبداعية. وقد تأخرت ترجمته كثيراً إلى اللغة العربية، رغم أن كثيراً من الدراسات العربية والأجنبية حول أدب إدريس ترجع إليه في نسخته الروسية. فهو يثير كثيراً من القضايا والإشكاليات، أبرزها هو نزوع الأديب العربي إلى أن يخصّ الدارس الأجنبي لإبداعاته بالبوح بأسراره وسيرته، وربما لا يفعل ذلك مع العربي.
استفادت كربتشنكو في دراستها لإبداعات إدريس من مقابلات متعددة ومتكررة معه في القاهرة وموسكو، ما بين نهاية خمسينات وسبعينات القرن الماضي، واستطاعت أن تكتشف أبعاداً جديدة وطبقات قراءة متعددة للنص الأدبي، من منظور مدرسة «الواقعية الاشتراكية»، بما يثير هذا المنهج من نقاشات بين اعتراض وتأييد، إلا أن ذلك التناول يظل شاهداً بقدر كبير على مرحلة ومدرسة في الدراسات النقدية أثرت وما زالت تؤثر على الذائقة الأدبية في بلادنا. لكن قراءة كربتشنكو في كتابها تبدو شاملة وعميقة في الوقت نفسه، حيث تنتقل بين عمل وآخر، وبين شخصياته وسياقاته، وتعطى صورة ديناميكية حية لتطوراته الفكرية في مراحل إبداعه المختلفة. وفي إطار رؤية بانورامية لأعمال إدريس، تتتبع كربتشنكو شخصيات قصصه ورواياته، وما طرأ عليها من تحولات عكست بدورها تغير مواقف الكاتب الفكرية والسياسية والفنية.
والكتاب يعكس عموماً رؤية المدرسة الروسية للاستشراق تجاه إبداع يوسف إدريس، باعتبارها وجهاً مختلفاً عن المدرسة الغربية التي تعاملت معه بشكل عدواني وغير موضوعي، حسب رأى إدريس نفسه.
وتعنى المؤلفة في ثنايا كتابها باستكشاف جماليات نصوص إدريس، خصوصاً تلك التي يستلهم فيها عوالم الفلاحين المصريين وسكان الأحياء الشعبية في المدن وممثلي الطبقة الوسطى. وهي تربط إبداعه بمسيرة الأدب المصري الحديث، محاولة استكشاف موقعه فيه، وترى أنه من دون هذا الإطار الأدبي التاريخي، لا يمكن إدراك قيمة إدريس الإبداعية.


مقالات ذات صلة

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

ثقافة وفنون جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة....

ميرزا الخويلدي (الشارقة)
ثقافة وفنون مائة عام على صدور كتاب الريحاني «ملوك العرب» (دارة الملك عبد العزيز)

الرياض تحتفي بالريحاني وبكتابه «ملوك العرب» في مئويته الأولى

استعرض المشاركون في الندوة إسهامات الريحاني بوصفه كاتباً متعدد المجالات وأكدوا أهمية توثيق تاريخ المنطقة ومجتمعاتها.

عمر البدوي (الرياض)
ثقافة وفنون أمين الريحاني

«ملوك العرب» في مئويّته: مُعاصرنا أمين الريحاني

قيمة كتاب «ملوك العرب» كامنة في معاصرتها لحياتنا ولبعض أسئلتنا الحارقة رغم صدوره قبل قرن. ولربّما كانت قيمة الريحاني الأولى أنه لا يزال قادراً على أن يعاصرنا.

حازم صاغيّة
كتب مختبر فلسطين... قنابل يدوية بدل البرتقالات

مختبر فلسطين... قنابل يدوية بدل البرتقالات

يتجاوز الصحافي أنتوني لونشتاين، الخطوط المحلية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في كتابه الاستقصائي «مختبر فلسطين: كيف تُصَدِّر إسرائيل تقنيات الاحتلال إلى العالم»

عبد الرحمن مظهر الهلّوش (دمشق)
كتب سردية ما بعد الثورات

سردية ما بعد الثورات

لا تؤجل الثورات الإفصاح عن نكباتها، هي جزء من حاضرها، وتوقها إلى التحقق، وتلافي تكرار ما جرى، بيد أنها سرعان ما تصطنع مآسيها الخاصة، المأخوذة برغبة الثأر

شرف الدين ماجدولين

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.