فرنسا تودّع شارل أزنافور بجنازة وطنية وبحضور 3 رؤساء للجمهورية

ماكرون يلقي خطاباً في تأبين المغني والشاعر الذي يجعل الدموع أقل مرارة

عائلة المغني الراحل شارل أزنافور ونظرة وداع لنعشه أثناء جنازته أمس (أ.ف.ب)
عائلة المغني الراحل شارل أزنافور ونظرة وداع لنعشه أثناء جنازته أمس (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تودّع شارل أزنافور بجنازة وطنية وبحضور 3 رؤساء للجمهورية

عائلة المغني الراحل شارل أزنافور ونظرة وداع لنعشه أثناء جنازته أمس (أ.ف.ب)
عائلة المغني الراحل شارل أزنافور ونظرة وداع لنعشه أثناء جنازته أمس (أ.ف.ب)

انتهز الرئيس الفرنسي مناسبة جنازة شارل أزنافور، أمس، ليتحدث عن قيمة الراحل ككاتب للنصوص دخلت كلماته في تشكيل الذاكرة الوطنية، قائلاً إنه «شاعر يجعل الدموع أقل مرارة». كما أشار إيمانويل ماكرون إلى الهوية الفرنسية التي ازدادت ثراء بما قدمه أبناء المهاجرين من إبداع. وتوفي المغني ليلة الاثنين الماضي، عن 94 عاماً، في منزله بجنوب فرنسا، البلد الذي ولد فيه لوالدين مهاجرين من أرمينيا. ورغم أن عائلته كانت غير ميالة لإقامة جنازة وطنية له، بناء على رغبته، إلا أن أرملته وأبناءه نزلوا عند رغبة الآلاف من المعجبين الذين رأوا أنه يستحق تكريماً رسمياً. ومن المقرر أن يودع أزنافور الثرى في مدفن العائلة ببلدة مونفور، غرب باريس، إلى جانب والديه وابن له فارق الحياة شاباً.
في التاسعة من صباح أمس، اصطف مئات المشيعين في ساحة مبنى «الأنفاليد» في باريس، يتقدمهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، وعدد من وزراء الحكومات الحالية والسابقة، وكذلك الرئيسان السابقان نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند وممثلو الطوائف الدينية المختلفة وحشد من أهل السينما والمسرح والغناء والأدب. وكان مبنى «الأنفاليد» قد شيّد سنة 167. في عهد الملك لويس الرابع عشر ليكون مأوى للعسكريين المعاقين في الحروب. وهو يضم حالياً المتحف العسكري وضريح الإمبراطور نابليون الأول، بالإضافة إلى المتحف العسكري ومستشفى وكاتدرائية.
حرص أزنافور على إبعاد عائلته عن أضواء الإعلام. وكانت الجنازة فرصة ليشاهد ملايين الفرنسيين، للمرة الأولى وعبر شاشات التلفزيون، زوجته السويدية الأصل أوللا تورسيل التي كان قد اقترن بها عام 1967. ووقفت الأرملة وأولادها في الصف الأول، محاطة بالرؤساء وكبار الحاضرين. ولوحظ أن وقوف ساركوزي وهولاند جنباً لجنب ساهم في إذابة جليد الخلاف السياسي بينهما، حيث تصافحا واستغرقا في أحاديث وابتسامات مجاملة أثناء انتظار بدء المراسم. وكانت كارلا بروني ساركوزي، زوجة الرئيس الأسبق، هي المبادرة إلى تحية هولاند وتبادل عبارات ودية معه.
وصل نعش أزنافور، محمولاً على أكتاف فرقة من الحرس وملفوفاً بالعلم الفرنسي، على أنغام عزف حزين على البوق لموسيقى أرمنية، وسار وراءه حارسان يحملان باقة من الأزهار بألوان العلم الأرميني. بعد ذلك عزف النشيد الوطني للبلدين، مع العلم أن المغني الراحل زار بلد أجداده للمرة الأولى، عام 1964. وكان في الأربعين من العمر. وقد تكررت زيارته وحفلاته مرات كثيرة وكان سفيراً يدعم إحياء ذكرى المجزرة التي تعرض لها شعبه. وهو لم يحصل على الجنسية الأرمينية إلا بعد استقلال أرمينيا، أوائل التسعينات الماضية.
بعد كلمات التأبين، جرى عزف موسيقى «خذوني»، وهي واحدة من أشهر الأغنيات التي كتب أزنافور كلماتها وغناها من مجموع 1200 أغنية في رصيده الفني الثري. وجاء في كلماتها: «إنهم يأتون من آخر العالم- يجلبون معهم أفكاراً متشردة لها انعكاسات سماوات زرق وسراباً- يجرون عطراً متبّلاً لبلاد مجهولة- خذوني إلى نهاية الأرض- خذوني إلى بلاد العجائب- يبدو لي أن البؤس سيكون أقل إيلاماً في الشمس». وقد استعار عدد من المطربين العالميين هذه الأغنية وغيرها من ألحان الفنان الراحل، وأدوها بلغات مختلفة، أمثال ألفيس بريسلي وفرانك سيناترا وراي تشارلز وليزا مينيللي وألتون جون، نقلاً عن أزنافور الذي كان يفتخر بأنه صنع مجده من لا شيء. فهو في بدايات ظهوره على المسرح الغنائي، برعاية من المغنية الكبيرة إديت بياف، تعرض لسخرية كبار النقاد، ومنهم من أصبح، فيما بعد، من أقرب أصدقائه. لكنه لم يكن يجد حرجاً في الاعتراف بأنه لم يكن يملك من مقومات الشهرة أي ملمح، فهو ضئيل القامة، متواضع الوسامة، ذو صوت مشروخ ولكنة غريبة. مع هذا تسلح بطموح لا يقهر في أن يصبح فناناً معروفاً، وساعدته في ذلك موهبته كشاعر يكتب نصوصاً غنائية مدهشة. وفي إشارة مفارقة لقصر قامته، وضعت محطة «بي إف إم» الإخبارية الفرنسية، أمس، عنواناً لمراسم النقل الحي لجنازته هو «وداع العملاق». ومن جهتها، أعلنت أكاديمية «سيزار» التي تمنح الجوائز والتكريمات السنوية للسينما الفرنسية أن الدورة المقبلة ستحمل اسم شارل أزنافور، المغني الذي شارك في عشرات الأفلام كممثل وحاز في العام الماضي على «سيزار الشرف».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».