والدة العاهل الإسباني تجمع النفايات في جزيرة مينوركا

الملكة صوفيا شاركت في حملة لتدوير المخلفات على الشواطئ وفي البحار بجزيرة كالا توليرا الإسبانية (إ.ب.أ)
الملكة صوفيا شاركت في حملة لتدوير المخلفات على الشواطئ وفي البحار بجزيرة كالا توليرا الإسبانية (إ.ب.أ)
TT

والدة العاهل الإسباني تجمع النفايات في جزيرة مينوركا

الملكة صوفيا شاركت في حملة لتدوير المخلفات على الشواطئ وفي البحار بجزيرة كالا توليرا الإسبانية (إ.ب.أ)
الملكة صوفيا شاركت في حملة لتدوير المخلفات على الشواطئ وفي البحار بجزيرة كالا توليرا الإسبانية (إ.ب.أ)

استيقظ سكّان قرية Teulera الصغيرة التي تقع على الساحل الشرقي لجزيرة مينوركا، من أرخبيل الباليار الإسباني، منذ أيام على حركة غير مألوفة في ساعات الصباح المبكرة التي لا ينشط فيها سوى الصيّادين العائدين من ليل البحر يفرغون غلالهم ويجمعون شباكهم على رصيف الميناء الصغير. فالحركة لا تدبّ في هذه القرية التي تمتدّ على أطرافها الشواطئ الرملية الساحرة إلّا مع غروب الشمس، عندما يبدأ السيّاح بالتدفّق على مقاهيها ومطاعمها بعد أن يكونوا قد أمضوا نهارهم يتنزهون على شطآنها ويستحمّون في مياه خلجانها المظلَّلة بشجيرات الصنوبر البرّي التي أحْنَت قاماتها للرياح.
إنها الملكة صوفيّا، ابنة ملك اليونان السابق ووالدة العاهل الإسباني فيليبي السادس، التي حلّت في هذه القرية تقود مجموعة من المتطوعين الشباب في حملة للنظافة من أجل جمع النفايات المرميّة على شواطئ الجزيرة التي تعجّ بالسياح خلال فصل الصيف. وكانت الملكة تجمع النفايات بيديها كواحدة من المتطوعين في الحملة التي تندرج ضمن مشروع علمي بيئي لدراسة تركيب النفايات المهملة وتقدير حجمها وتحديد أنواعها، تمهيداً لوضع استراتيجية تحول دون استمرار هذه الممارسات وتحافظ على البيئة. وبعد أن انتهى المتطوعون من جمع النفايات وفرزها، رافقت الملكة فريقاً علميّاً على متن زورق شراعي يقوم بجمع النفايات البلاستيكية والعائمة، ثم تناولت طعام الغداء مع أعضاء المجلس البلدي وبعض أهالي القرية، قبل أن تعود إلى بالما عاصمة جزيرة مايوركا، حيث اعتادت العائلة المالكة الإسبانية تمضية إجازتها الصيفية.
ويتزامن هذا النشاط الذي دأبت الملكة على المشاركة فيه، مع اليوم العالمي للبحار الذي يحشد أكثر من ألفي متطوع من كل أنحاء إسبانيا يقومون بتنظيف الشواطئ من النفايات الصلبة.
وترأس الملكة مؤسسة اجتماعية نشطة تحمل اسمها وتتعاون مع هيئات ومؤسسات إنمائية وبيئية في مجالات الرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، مثل الاتحاد الإسباني لبنوك الأغذية التي تجمع الفائض من الأطعمة وتوزّعه على المحتاجين والمهاجرين. كما تتعاون منذ سنوات مع الاقتصادي محمد يونس من بنغلاديش، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006 عن مشروعه الرائد إنشاء بنك يقدّم القروض الصغيرة للفقراء، وبخاصة النساء في المناطق الريفية.
وقد استغلّت الملكة عطلة الصيف للمشاركة في أنشطة بيئية عدة مثل مشروع حماية السلاحف البحرية المهددة بالانقراض في جزيرة فورتيفنتورا، وتفقدّ عدد من المشافي والمصحّات النفسانية التي تشرف مؤسستها على إدارتها. كما شوهدت، كعادتها، تتنقل في شوارع مدينة بالما وهي تقود بنفسها سيّارة صغيرة بمحرّك كهربائي الدفع، ثم تستخدم كيساً من القماش لحمل مشترياتها عوضاً عن استهلاك الأكياس البلاستيكية.
وقد أطلقت مؤسسة الملكة صوفيّا مطلع هذا العام، بالتعاون مع محمد يونس، مشروعاً لمساعدة المهاجرين على إنشاء مؤسسات تجارية صغيرة، لا تهدف إلى زيادة أرباحها بل إلى تأمين استدامتها وتحسين أوضاع العاملين فيها وإيجاد فرص عمل جديدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».