«إنجا هانم» مسجد أثري في الإسكندرية يفتح أبوابه مجدداً

تم ترميمه على نفقة الأهالي

المسجد من الخارج
المسجد من الخارج
TT

«إنجا هانم» مسجد أثري في الإسكندرية يفتح أبوابه مجدداً

المسجد من الخارج
المسجد من الخارج

وسط زحام قصص التاريخ المليئة بالصراعات بين زوجات الأمراء والملوك، ومنافستهن على النفوذ في «الحرملك»؛ خلّد التاريخ أسماء بعضهن في مجال الأعمال الخيرية، التي ما زالت تحمل بصماتهن حتى اليوم، ومن بينها مسجد (إنجا هانم) زوجة الخديوي سعيد باشا. ويقع المسجد الذي تم بناؤه عام 1854 ميلاديا، في حي محرم بك، بوسط مدينة الإسكندرية، ليظل شاهدا لأكثر من قرن ونصف على ما مرت به المدينة الساحلية من أحداث.
وقال جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة الآثار المصرية، في بيان صحافي، إنه «تم بدء مشروع درء الخطورة وترميم مسجد (إنجا هانم) في مارس (آذار) 2018، بالتعاون مع وزارة الأوقاف ومنطقة آثار الإسكندرية ووجه بحري، بعدما تبرع أبناء محافظة الإسكندرية بتحمل كل التكاليف الخاصة بأعمال الترميم».
وأضاف مصطفى أن «المسجد كان يعاني من سوء الحالة المعمارية والإنشائية نتيجة العوامل الجوية المحيطة به، وتسرب مياه الأمطار والأتربة من سقف المسجد».
وأمس قررت وزارة الآثار المصرية إعادة فتح المسجد، أمام المصلين، بعد انتهاء عمليات ترميمه التي تكلفت نحو مليوني ونصف المليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري). وكانت وزارة الآثار قد سجلت المسجد أثرا بالقرار رقم 415 لسنة 2008، ليصبح خامس المساجد الأثرية بالإسكندرية.
بدوره، يقول محمد متولي، مدير عام الآثار الإسلامية بالإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» إن «اللوحة التأسيسية للمسجد تحمل اسم جشم آفت هانم، الذي تم افتتاح المسجد بسببها، بينما ظل اسم إنجا هانم على ألسنة الناس واشتهر به».
ومسجد «إنجا هانم» مستطيل الشكل، ومقسم إلى أربعة أروقة موازية لجدار القبلة، أوسعها الرواق الخلفي المخصص حاليا للنساء، ويقسم الأروقة تسعة أعمدة من الرخام، التي تحمل عقودا مدببة بينها روابط خشبية.
يقع الباب الرئيسي بالجهة الشمالية وتعلوه لوحة تأسيسية كُتب عليها آية قرآنية وتاريخ الإنشاء «أنشأت وجددت بنا هذا المسجد سعادة جشم آفت هانم حرم سعادة خديوي مصر دام على مر الأيام سنة 1286هـ» ويتوسط المحراب جدار القبلة ويعلوه زخرفة على شكل الطبق النجمي محاط بأشكال نباتية وعلى يساره منبر خشبي».
وأضاف متولي قائلا: «أعمال الترميم تمت لأول مرة طبقا لمواصفات وإشراف الأثريين حيث تضمنت تغيير العوارض الخشبية التالفة بسقف المسجد وملحقاته، ومعالجة الشروخ بالجدران من الداخل والخارج، واستعدال ميول المئذنة والهلال الخشبي ومعالجة عناصرها الخشبية؛ بالإضافة إلى التغيير الكامل لشبكتي الصرف والكهرباء».
وينير المسجد من الداخل في النهار، سبع نوافذ مستطيلة مزينة بالزجاج الملون وسبع نوافذ علوية، يزينها الزجاج الأبيض، وتظهر النوافذ العلوية من خارج المسجد، وتتوسطها قبة دائرية.
ويوضح «متولي» أن أعمال التطوير شملت أيضا ترميم جميع العناصر الخشبية المكونة لسقف المسجد من عوارض وألواح؛ وكذلك إزالة الدهانات المستحدثة من على الأعمدة الرخامية للمسجد ومن اللوحات التأسيسية، وعمل تدعيم وتقوية لحفظ العناصر الرخامية الأصلية بهدف إرجاع الشيء إلى أصله، للحفاظ على هيئته وطبيعته الأثرية.
وتسابقت سيدتان من «الحرملك» المصري على بناء المسجد إبان فترة الأسرة العلوية خلال القرن التاسع عشر، وكانت لكل واحدة منهما بصمتها الخاصة، فالسيدة إنجا هانم حرم الخديوي سعيد باشا، خصصت أرضا ومبلغا ماليا لبناء هذا المسجد، وخصصت وقفا بمدينة دمنهور يدر أموالا للإنفاق عليه، إلا أنه بعد طلاقها وتغير الحاكم لم تستطع استكمال البناء، لتستكمله خليفتها جشم آفت هانم، زوجة الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر من 1863 إلى 1879م، بحسب وصف متولي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».