«التحقيقات الجينية» تكشف مرتكبي الجرائم القديمة

عالمة أنساب أميركية رصدت «قاتل ولاية كاليفورنيا الذهبي» بعد أكثر من 4 عقود

«التحقيقات الجينية» تكشف مرتكبي الجرائم القديمة
TT

«التحقيقات الجينية» تكشف مرتكبي الجرائم القديمة

«التحقيقات الجينية» تكشف مرتكبي الجرائم القديمة

شكّلت بربارا راي - فينتر، المحققة البارعة المتخصصة بعلم الأنساب الجيني، الذي يحدد النسب والقرابة بين الأشخاص اعتماداً على الجينات، مصدر إلهام للآخرين لمساعدة السلطات الأمنية في القضايا الجنائية التي يكتنفها الغموض، بعيداً عن الجدالات القائمة حول الأخلاقيات والخصوصية.
قررت المحققة التي ساعدت في حل قضية «قاتل الولاية الذهبي» أن تبقي هويتها سرية في بداية التحقيق، وقالت في حديث للإعلام الأميركي «كنت خائفة على سلامتي؛ لهذا السبب تأخرت كثيراً قبل الخروج إلى الأضواء».
لكن المحامية التي تبلغ 70 عاما من العمر وتعيش في ولاية كاليفورنيا، شعرت بأنها باتت جاهزة للإعلان عن هويتها، متسلحة بالتفاعل الذي حاز عليه الدور الذي لعبته في تحديد هوية جوزيف دي آنجلو، شرطي سابق يواجه اليوم تهماً بقتل 13 امرأة في أنحاء كاليفورنيا بين السبعينات والثمانينات.
تعتبر راي - فينتر الشخصية الأحدث ظهوراً في تحقيقات «قاتل الولاية الذهبي»، التي ألهمت الكثير من المتخصصين في علم الأنساب الجيني والمهرة في حل ألغازه لعرض خدماتهم على السلطات الأمنية. وعلى الرغم من أن هذا التحالف بين المحققين والعلماء أثمر عن ثمانية اعتقالات على الأقل في الأشهر الأربعة الأخيرة، فإنه يثير ارتياب البعض في مجتمع علم الأنساب.

تحقيقات جينية

يعود تحوّل راي - فينتر من عملها الأساسي محامية إلى خبيرة في تقنيات التحقيق الجيني إلى جهود بذلتها لمساعدة قريب لها، عرفت حديثاً أنه من عائلتها. وفقد التقى الاثنان عبر موقع «فاميلي تري دي إن إيه»، (أي «موقع شجرة العائلة وفقاً للحمض النووي») عام 2012، بعد أسابيع قليلة من معرفة القريب الجديد أن الرجل الذي رباه ليس والده البيولوجي.
في ذلك الوقت، وجدت المحامية أن موقع DNAAdoption.org، المختص بتحليل الحمض النووي للأشخاص الذين جرى تبنيهم، يقدم صفوفاً تعليمية حول كيفية استخدام مطابقات الحمض النووي، والأشجار العائلية، والسجلات العامة للعثور على الآباء البيولوجيين.
لم تكن راي - فينتر تلميذة عادية؛ لأنها حازت دكتوراه في علم الأحياء قبل حصولها على شهادة الحقوق. وكمحامية متخصصة في براءة الاختراع، ركزت في عملها على اختراعات التقنيات البيولوجية، وكانت غالباً تتعاون مع شركات متخصصة في اختراعات البيولوجيا الجزيئية.
انتقلت المحامية التي تتحدر من نيوزيلندا إلى الولايات المتحدة الأميركية مع زوجها السابق جي كريغ فينتر، عالم الجينات الذي اكتسب لاحقاً شهرة واسعة لمهارته في كشف سلسلة الجينوم البشري.
وبعد فترة قصيرة من إنهائها هذه الدورة، بدأت بتعليمها. وهي اليوم تخوض محادثات مع وكالات أمنية مختلفة لحل ما يقارب 50 قضية تتضمن جرائم قتل غامضة.

تحديد الهوية

كيف وصل بها الأمر إلى المشاركة في التحقيق بالجرائم؟ عام 2015، قدمت راي – فينتر المساعدة لمحقق كان يحاول تحديد هوية امرأة تدعى ليزا في العقد الثالث من عمرها، كانت قد اختطفت وهي طفلة.
أمضت ليزا ثلاثين عاماً من حياتها وهي تظن أن الشخص الذي أساء إليها وهجرها، ومن ثم أدين بارتكاب جريمة قتل، هو والدها. وخلال التحقيق، اكتشف المحققون أن حمض ليزا النووي لم يطابق حمض ذلك الرجل النووي. وبدأت الأسئلة حول هوية والديها الحقيقيين، والمكان الذي أتت منه، لكن المتهم رفض الإجابة على الأسئلة المتعلقة بأصولها.
بعد 20000 ساعة من العمل ومساعدة أكثر من 100 متطوع، نجحت راي – فينتر أخيراً بالاعتماد على تقنياتها، في تحديد اسم المرأة عند الولادة وهو «داون»، وتواصلت مع جدها، أقرب أفراد عائلتها الأحياء المهتمين بالتواصل معها.
وتمكنت المحامية المتخصصة في علم الأنساب أيضاً من حصر أسماء الرجال الذين يحتمل أن يكون أحدهم والد ليزا بمجموعة من الرجال الذين تزوجوا بالتزامن مع تاريخ مولدها. لكن الرجال الذين استطاعت أن تصل إليهم رفضوا الخضوع لفحص الحمض النووي. إلا أنها ورغم هذا الرفض، تمكنت ليزا التي لم تكن تعرف شيئاً عن أصولها، من الوصول إلى شجرة عائلية تضم آلاف الأشخاص.
بعدها، علم شخص يدعى هولز، بعمل راي - فينتر في هذه القضية عام 2017؛ مما دفعه إلى التساؤل «بعد نجاحها في التوصل إلى تحديد هوية هذه الفتاة من خلال أدلة قليلة جداً، هل ستعجز عن تحديد هوية أحدهم من خلال عينة محفوظة من السائل المنوي»؟

احتدام الجدل

لم تكن راي - فينتر عالمة الأنساب الوحيدة التي تعاونت مع السلطات الأمنية والقضائية؛ لذا بدأت موجات من الجدل تستعر في مؤتمرات علم الأنساب حول ما إذا كان يجب التعاون مع هذه السلطات أم لا.
لا تستطيع الأجهزة القضائية البحث في مواقع متخصصة بعلم تحديد الأنساب مثل موقع «23 أند مي» (لرصد نوع الحمض النووي) دون إذن من المحكمة، إلا أن حل هذه المشكلة كان متوفراً لدى علماء الأنساب الذين يعملون في حل قضايا التبني، فهم يستطيعون تحميل أدلة من مسرح الجريمة على موقع «جي إي دي ماتش» (GEDmatch)، وهو عبارة عن موسوعة إلكترونية تشبه «ويكيبيديا»، لكن للبحث في الأحماض النووية، وتعرف بشروطها غير الصارمة في خدمة الزبائن.
وقد رأى البعض في مساعدة السلطات المختصة للدخول والبحث في هذا الموقع ثغرة لاستغلال المستخدمين وخيانة ثقتهم، بينما شعر آخرون بأنه لا بأس بهذه المساعدة، لكن كان من الأفضل لو أنها قدمت دون جلبة، لتفادي نفور الناس من الموقع.
أما راي – فينتر، فقد أكدت أنها لم تكن تعلم بهذه الأحاديث، وقالت «لم أدخل في أي من هذه الجدالات». كما أنها قررت، وبعد الاطلاع على قضايا هولز السابقة، أن تساعده. لكنها لم تعرف بتفاصيل قضية «قاتل الولاية الذهبي» إلا لاحقاً.

القاتل الذهبي

وعلمت المحامية لاحقاً أن جرائم الرجل لم تنحصر في قتل 13 امرأة فحسب، بل إنه أيضاً عمد إلى اغتصاب عشرات أخريات، فزادتها هذه المعلومات إصراراً على المساعدة في القضية.
وقالت «يجب منع هذا الرجل من التجول على الطرقات».
يشيع اليوم مفهوم خاطئ مفاده أن حل قضية معينة باستخدام هذه المقاربة الجينية الجديدة بسيط كما هو الحال عند العثور على تطابق جيني في قاعدة بيانات معينة. لكن الحمض النووي هو بنظر راي - فينتر دليل أولي متواضع.
ويعتبر هذا الدليل دون قيمة، وتحديداً إذا وقع بين يدي شخص لا يملك خبرة في مجال علم الأنساب الجيني، وفي حال كان يعود إلى قريب من الدرجة الثانية أو الثالثة عثر عليه في قاعدة بيانات موقع GEDmatch.
تضمنت قضية «قاتل الولاية الذهبي» الكثير من العوائق التي كان يجب تخطيها. وقد تمثلت الخطوة الأهم بملاحقة جميع أقارب المشتبهين المحتملين حتى النجاح في تحديد هوية جد مشترك بينهم. خلال البحث، تبين أن أجداد الكثير من المشتبه بهم هم من المهاجرين الإيطاليين الجدد؛ مما أوصل الفريق إلى طريق مسدود في تحديد البيانات المرتبطة بالأشجار العائلية.
وأخيراً، ومن خلال التركيز على الجانب البريطاني من شجرة العائلة، بدأ الفريق في تحقيق تقدم ووضع خطوط عريضة تقريبية للأشجار، التي سيصار أخيراً إلى دمجها.
بعدها، تولت الباحثة راي - فينتر قيادة الفريق نحو كيفية ملء فروع الأشجار عبر استخدام سجلات الولادة، وقصاصات الجرائد، وحسابات التواصل الاجتماعي، وبيانات الأشجار العائلية.
وكشفت راي - فينتر أن متدربيها، ومن بينهم شخصان من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ومحاميان من وكالة مقاطعة «ساكرامنتو كاونتي» إلى جانب هولز، كانوا طلاباً مهرة وسريعي التعلم.

رصد المجرم

لكن الفصل الصعب يكمن في تعلم كيفية مقارنة ملفي حمض نووي كروموسومي (من كل الكروموسومات عدا الجنسية)، وفهم ما تشير إليه الأجزاء المتداخلة، لمعرفة الفرع الذي يجب التركيز عليه من الشجرة، وتوضيح ما إذا كانت هذه الأجزاء ستتوافق مع بعضها لتحديد الشخص المجهول.
وقال هولز، إن علماء الأنساب الجينية أمثال راي - فينتر قيّمون جداً لأنهم «يفهمون اختبار الحمض النووي، ووراثة الحمض النووي، وجوانب علم الأنساب»، وهذه المهارة نادراً ما تتوافر في شخص واحد. بعد أشهر عدة، برز عدد من المشتبهين المحتملين الجدد بناءً على أعمارهم وتاريخهم في كاليفورنيا؛ مما فرض تحقيقات إضافية. استخرج الفريق عينة حمض نووي من الرجل الأكثر شبهة بينهم. لم يجد المحققون تطابقاً، لكنهم أكدوا أنه من أفراد العائلة القريبين من القاتل الذهبي؛ مما ساهم في توفير معلومات مهمة.
بعدها، لجأت راي - فينتر إلى أداة للتوقع لتحديد لون العينين على موقع GEDmatch، فتوصلت إلى أن عيني القاتل زرقاوان. من جهة أخرى، رجح موقع «برومتياز.كوم»، المتخصص في تحليل المخاطر الصحية بأن يكون المشتبه به يعاني من الصلع المبكر.
رجل واحد من بين المشتبهين الذين كان المحققون يبحثون في معلوماتهم كانت عيناه زرقاوين، وهو «دي آنجلو»، ليلاحظوا بعدها أيضاً من خلال صورة رخصة القيادة انحسار الشعر في رأسه.
عرف المحققون أن هذا النوع من التوقعات قد يكون مضللاً بعض الشيء، لكنهم أخذوا بعين الاعتبار الأدلة المتراكمة التي تدفعهم إلى السير باتجاه محدد. وانطلاقاً من هذا الاتجاه، رجحت الإجراءات البوليسية التقليدية أن يكون دي آنجلو هو غالباً المشتبه به. وأخيراً، بعد الحصول على عينة منسية من حمضه النووي وإثبات التطابق، تم اعتقاله.
بعد فترة قصيرة من إعلان تحديد هوية قاتل الولاية الذهبي، أعلنت شركة «بارابون»، المتخصصة في استشارات علم الأدلة الجنائية، أنها تعتزم إطلاق ذراع متخصصة في علم الأنساب. من جهتها، كشفت سيسي مور، عالمة متخصصة في علم الأنساب الجيني ومعروفة بعملها في قضايا التبني، عن اختراقات تم تحقيقها في قضايا تعود لست جرائم قتل وجريمتي اعتداء جنسي.
ورأى كولين فيتزباتريك، عالم متخصص في الصواريخ، تحول لاحقاً إلى علم الأنساب الجيني، أن قضية قاتل الولاية الذهبي تثبت أنهم يستطيعون الدخول في مجال حل جرائم القتل. وتجدر الإشارة إلى أن فيتزباتريك يشارك اليوم في التحقيق بعشرات جرائم القتل لصالح منظمة «آيدينتيفايندر إنترناشيونال» العاملة في مجال البحث الجنائي.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.