السعودية هلا الغرباوي... مصممة تعتمد على الجرأة والمتدربين

TT

السعودية هلا الغرباوي... مصممة تعتمد على الجرأة والمتدربين

لا تحاول هلا الغرباوي، مصممة الأزياء السعودية الشابة، تصنّع التواضع وهي تتحدث عن أسلوبها في التصميم. فهي تسرد بفخر كيف نجحت في دمج العربي التقليدي بالغربي المنفتح. نجاح تقول إنه أُثبت لها في معهد «إسمود» العالمي في برلين الذي تخرجت منه العام الماضي. عندما التقينا كانت تضع اللمسات الأخيرة على مجموعتها الأولى بعد التخرج والتي عرضت في اليوم التالي. كان معمل الملابس في منطقة شونابيرغ في برلين، يضج بحركة ناعمة. 4 متدربات انشغلن بخياطة تفاصيل صغيرة على الملابس التي كانت مقررة للعرض. «كل من يعمل معي متدربون»، تقول هلا. وتضيف أن جامعات تتصل بها وتسأل إذا كانت لديها فرص للتدريب أم لا. فهنا يمر المتدربون بكل مراحل ولادة الثوب من التصميم إلى التنفيذ، تماماً كالمراحل التي تعلمتها هي عندما دخلت الجامعة.
وعلى عكس تصاميمها الجريئة، ابتعدت هلا في مجموعتها الأولى عن الألوان الصارخة. ورغم أنها نوعت في الألوان فإنها التزمت بالألوان التقليدية مثل الأسود والأحمر والأرجواني. ولكن جرأة الملابس كانت لافتة في هذه المجموعة، وتتناقض بعض الشيء مع ما هو متوقع منها بالنظر إلى هويتها، فضلاً عن قولها إنها مجموعة موجهة للسعوديات والأوروبيات على حد سواء.
تقول عندما أسألها عن ذلك: «بالطبع أنا حتى لا أرتدي الملابس التي أصممها بالشكل المعروض، بل أعمد إلى تبطينها. فما هو مناسب على منصات العرض لا يكون دائماً مناسباً في الواقع». أمضت هلا فترة من تدريبها المهني الذي كان عليها أن تؤديه أثناء دراستها في الجامعة، في السعودية. تقول: «أحببت أن أفهم السوق السعودية»، مضيفة أن الموضة تغيرت كثيراً في السنوات الماضية. فهناك «ألوان باتت مقبولة بشكل غير مسبوق». لكن الأسود يبقى المفضل لديها فيما يخص تصميم العباءات لأنه «الأكثر أناقة». تروي أنها تدربت لدى مصمم في جدة عام 2015 وانتهت بتصميم 15 عباءة نالت إعجاب الكل. وتعيد نجاحها إلى قدرتها على الدمج بين التقليدي والحديث «هم يصممون ملابس تقليدية، وأنا أخذت معي التأثير الغربي ودمجته مع العربي». وتعترف أنها أثناء عملها في السعودية تلقت «بضع ملاحظات» بسبب تصاميمها الجريئة.
التأثير كان أيضاً معكوساً. عندما عادت إلى ألمانيا من تدريبها في جدة، صممت مجموعة التخرج انطلاقاً من اللباس السعودي التقليدي مدموجاً بالموضة التي كانت رائجة في الغرب أيام الثمانينات، أي «الألوان الصارخة والأشكال الهندسية». وتبرر اختيارها للثمانينات كونها الفترة التي شهدت فيها السعودية الطفرة النفطية. وتقول: «كان تحدياً كبيراً بالنسبة لي، لأني كنت أعمل منفردة وعملت على تجهيز المجموعة كاملة وحدي بدءاً من التصميم وصولاً إلى الخياطة».
تتذكر أيضاً كيف أنها بدأت تعمل في هذا المجال هواية أولاً بعد تخرجها من كلية الفنون في جامعة الملك عبد العزيز، وقبل أن تنتقل إلى ألمانيا لتدرس تصميم الأزياء. تقول وهي تضحك: «عندما بدأت بالدراسة رأيت الفرق بين الهواية والتخصص… لم أكن أعرف الكثير عن الخياطة، فعندما كنت أعمل في السعودية كان لدي خياطون. اكتشفت بعد أن بدأت الدراسة كيف كانوا يستغلون عدم معرفتي بأمور التفصيل للقماش والخياطة لتجاوز تعديلات لا يريدون تأديتها».
بمزيد من الفخر تشير إلى أنها كانت العربية الوحيدة بين مجموعتها في جامعة إسمود، وأنها كانت من بين طلاب قلائل تم اختيارهم للمشاركة في عرض في الصين، حيث قدمت مجموعة التخرج، التي دمجت فيها الأشكال الهندسية والألوان البراقة باللباس السعودي التقليدي. حين عادت إلى برلين كانت تحمل معها جائزة «هامبل» للمصممين الشباب.
لا تخفي أن مجموعة التخرج كانت «جريئة جداً» والسبب أنها كانت مشروعاً فنياً، وليس تجارياً. مجموعتها الجديدة التي طغى عليها اللون الأسود استوحتها من المهندس المعماري الأميركي فرانك غيري الذي يعمل بالأشكال الهندسية الحادة، والمصمم الإسباني فلافيو سيميلو، ثم دمجت هذه التأثيرات بموضة السبعينات. أطلقت على مجموعتها اسم «ديسافيو» وهي كلمة إسبانية تعني «التحدي»، لأنها بكل بساطة تحدت نفسها بالعمل وحدها على مجموعتها. فهي لا تعتمد على موظفين بل متدربين ما زالوا طلاباً، «لهذا يمكنني القول: أنا صممت المجموعة واخترت الأقمشة والألوان وحكتها مع المتدربين».


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.