فلسطينيو لبنان يعتبرون إنهاء خدمات {أونروا} قضاءً على قضيتهم

حميد: قرار ترمب يؤدي إلى توطين مقنّع

أطفال يلهون في مخيم برج البراجنة الفلسطيني جنوب العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)
أطفال يلهون في مخيم برج البراجنة الفلسطيني جنوب العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)
TT

فلسطينيو لبنان يعتبرون إنهاء خدمات {أونروا} قضاءً على قضيتهم

أطفال يلهون في مخيم برج البراجنة الفلسطيني جنوب العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)
أطفال يلهون في مخيم برج البراجنة الفلسطيني جنوب العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)

يقرأ اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الإعلان الأميركي عن وقف مساعدات الأونروا على أنه إنهاء لقضيتهم وتركهم لمصير مجهول. ولا يغريهم الكلام عن احتمال توطينهم مقابل تسويات تمهد لـ«صفقة العصر»، وذلك لأن «تجربتنا في لبنان لا تترك لنا أي حلم بحياة لائقة ولو بالحد الأدنى»، حسب أنور، من مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية.
تقول ريان، التي تعمل مدرسة لدى جمعية «الإخوة الفلسطينية» في المخيم: «عندما نسمع بوقف تمويل الأونروا يصيبنا الرعب، كيف سنحصل على الرعاية الطبية وكيف سنعلم أولادنا؟». وتضيف: «مأساتنا لن تنهيها جنسية لبنانية أو عربية. أما إذا كان الحل عبر جنسية أوروبية فهذا عز الطلب».
وماذا عن حق العودة؟ تجيب ريان، المدرِّسة والمتخصصة في علم الاجتماع: «حق العودة يتحدث عنه جدودنا. أنا لا أريد هذا السراب. أريد مستقبلاً واعداً لي ولأولادي». وقرار ترمب الذي يرعب الفلسطينيين، رد عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بمطالبة الجامعة العربية باتخاذ قرار بهذا الشأن، كما دفع وزير الخارجية جبران باسيل إلى مطالبة الدول العربية بسد نقص التمويل الأميركي، ذلك أن القرار الأميركي يعيد «فزاعة» توطين اللاجئين الفلسطينيين إلى التداول.
وفي هذا الصدد، يقول النائب في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها برّي، أيوب حميد لـ«الشرق الأوسط»: «نصوص الدستور تنفي أي إمكانية للتوطين أو ما يمكن أن يغيّر الصيغة اللبنانية بتلاوينها. لكن الإدارة الأميركية تريد القضاء على القضية الفلسطينية عبر خطوات متلاحقة بدأت بنقل سفارتها إلى القدس وإعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل وقرار يهودية الدولة، واليوم قرار وقف تمويل الأونروا... هناك سلسلة من الأحداث تقود إلى صفقة العصر. ولا ننسى التشتيت الممنهج للفلسطينيين في المخيمات الكبيرة في سوريا والأردن ولبنان وترك شؤون اللاجئين الفلسطينيين لتتحملها الدول المضيفة، هناك مسار يُستكمل، ومع القرار بشأن الأونروا تكبر التداعيات على المجتمع اللبناني».
ويتابع: «الحديث عن التوطين ليس وليد اللحظة. ففي مراحل سابقة كانت هناك إغراءات لدفع لبنان إلى هذه الخطوة رغم تمسك الفلسطينيين منذ عام 1948 بحق العودة، ومثل هذا القرار يؤدي إلى توطين مقنع حتى لو لم يحصل التوطين بالشكل الرسمي».
أما مدير مركز تطوير للدراسات هشام دبسي فيقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يحصل هو خطوط عريضة لملامح شرق أوسط جديد، وفيه غموض هدام ومرعب يمس بالأهداف الرئيسية للفلسطينيين، والدليل ما بدأ يقدم منذ أسبوع عن كيان فلسطيني مستقل في غزة وكونفدرالية بين الضفة والأردن. هنا نتكلم عن مساحة من الغموض في السياسات الأميركية في معالجة شؤون المنطقة باتجاه شرق أوسط جديد. وهذه الحالة بكل تناقضاتها الداخلية والخارجية تجعل مناقشة ما يجري في الأونروا جزءاً من الصورة الشاملة».
ويرى دبسي أن «الذعر في لبنان مدفوع الأجر من جانب الممانعين الذين التقوا مع اليمين المسيحي اللبناني المتطرف لاستخدام الموضوع الفلسطيني. وكل هذه الموجة الاستخدامية ستزول مع أي حل لموضوع الأونروا بدأت تبحثه دول أوروبية مع روسيا والصين. ما يجعل التورط في الاستنتاجات السريعة غير مفيد».
لكن واقع الحال الفلسطيني لا يهتم بالتحليل. يقول محمد عطعوط، وهو صاحب دكان للقهوة عند مدخل المخيم، لـ«الشرق الأوسط»: «قبل سؤالي عن الأونروا، اسألوا عن أحوالنا، اللاجئون الفلسطينيون يعيشون يأساً كاملاً. المهم أن نخرج من هذا البلد. أريد جنسية تحترمني كإنسان. إذا سنحت لي فرصة المغادرة سأترك دكاني ولن أنتظر حتى أبيعه، نحن نموت على أبواب المستشفيات ويأتي من يبشّرنا بزوال الأونروا». ويرى محمد أن «السياسيين كاذبون يريدون استمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين ليتاجروا بقضيتهم». ورغم نقمته يبقى حلم محمد أن «يعود إلى قرية الكويكات في قضاء عكا، التي لا يعرفها لكنه يحتفظ بصور لها. فهو مستعد أن يمضي ما بقي من حياته هناك ولو في خيمة، أما مناطق الحكم الذاتي فلا يشعر بأي انتماء إليها».
ابتسام درويش ترى أن إلغاء الأونروا يعني «أن نجوع أكثر مما نحن جائعين. فأنا لا أذهب إلى طبيب لأني لا أملك ثمن الدواء، أكتفي بما أحصل عليه من الأونروا». ابتسام تشعر أن خيارها الوحيد هي العودة إلى فلسطين. أما وسام علي فهو يريد الهجرة. ويقول: «إذا أقفلوا الأونروا فإنهم يمحون الشاهد الوحيد على قضيتنا. فليفتحوا لنا البحر، ويحضروا البواخر لإخراجنا من لبنان. العودة إلى فلسطين لن تكون ممكنة لأن ما يجري هو قتل لقضيتنا».
ويقول رئيس جمعية «الإخوة الفلسطينية للعمل الثقافي والاجتماعي» حسن مصطفى، لـ«الشرق الأوسط»: «الفلسطينيون روّضوا أنفسهم على تحمل الآلام التي يسببها لهم الآخرون. وسنصمد لأنه لا خيار آخر لدينا غير التمسك بما هو قائم لمواجهة مفاعيل هذه الإجراءات». ويضيف: «الأونروا التي أنشئت بفعل نكبة 1948، شاهد على واقع الناس في مخيمات لبنان، وأي محاولة لإلغائها وإلحاق الفلسطينيين بمؤسسة دولية أخرى سوف تقودنا إلى المرحلة النهائية في مشروع القضاء على القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة. وبعد 70 عاماً من النضال يأتي الإسرائيلي ويقول إنه صاحب الحق في هذه الأرض، بالتالي لا وطن لدينا وسنبقى تائهين نسأل من يوطننا».
ويشير مصطفى إلى أن «لدى الفلسطينيين مشكلة حقيقية في لبنان. فالدولة التي ترفع صرختها ضد التوطين عليها أن تنسق مع المرجعية الفلسطينية لأنها صاحبة القضية، وليس من خلال مؤتمرات صحافية أو تصريحات. كما أن عليها أن تحسّن أوضاع الفلسطينيين».
ويضيف: «نحن نطالب الدولة اللبنانية بأن تحترم كرامتنا، إذ لا يمكن أن تبقى المخيمات الفلسطينية بؤر حرمان، في المقابل نشدد على احترام السيادة اللبنانية. نتعاطى بإيجابية مع السلطات اللبنانية ونتوقع أن تعاملنا بالمثل، ولا علاقة لنا بالصراعات الطائفية والمذهبية، فقد حان الوقت لرؤية مشتركة تتيح مواجهة مشروع تصفية القضية الفلسطينية».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.