بيرت رينولدز.. من فتى الشاشة إلى نجمها الذابل

مستمر رغم التقدم في العمر

بيرت رينولدز
بيرت رينولدز
TT

بيرت رينولدز.. من فتى الشاشة إلى نجمها الذابل

بيرت رينولدز
بيرت رينولدز

40 سنة مرت على قيام ممثل اسمه بيرت رينولدز بلعب كرة القدم، وهو الذي جاء من اليارد قبل أن يلج التمثيل. المناسبة كانت بطولته لفيلم بعنوان «اليارد الأطول» أو حسب الأصل «The Longest Yard» الذي حققه المخرج الراحل روبرت ألدريتش عملا جمع حوله أكثر من فئة من فئات المشاهدين؛ هواة الأفلام عموما، وهواة الممثل رينولدز، وهواة الرياضة، وهواة أفلام السجون.
حكاية ذلك الفيلم كانت، بإيجاز، أن إدارة أحد السجون طلبت من لاعب كرة سجين تدريب فريق من المسجونين لمنازلة فريق من الحرس، على أن تنتهي المباراة بهزيمة الفريق الأول لرفع شأن الفريق الثاني. هذا لن يحدث. هذا اللاعب الممارس الذي قاده سوء طالعه لتمضية فترة سجن لا يستطيع أن يمتثل للأوامر ويغش في اللعب، وليذهب مدير السجن الفاسد (إيدي ألبرت) إلى الجحيم.
بيرت رينولدز (78 سنة) لا يستطيع أن يؤدي دور لاعب كرة اليوم، ولا أن يشترك في فيلم يقوم على الحركة والمطاردة، لكنه يستطيع الاستمرار رغم سنوات عمره. وقد ظهر في حفنة من الأفلام في العامين الأخيرين، أهمها ما توجه مباشرة إلى سوق الأسطوانات («هاملت وهوتش») وانتهى من ثلاثة أفلام باشر العمل فيها منذ أواخر العام الماضي، وهي «قائمة جيب» لجانب روب لاو وجسيكا كلارك، و«هولو كريك» مع ستيف دارون وغويسلا مورو و«إلبو غريس» لجانب وتني غوين ومايكل أبوت.
دوره أول في كل هذه الأفلام لكن «قائمة جيب» هو الوحيد الذي سيعرض سينمائيا، بينما من شبه المؤكد أن الفيلمين الآخرين سيتوجهان إلى رفوف محلات الفيديو، أو سيُعرضان مباشرة على الإنترنت لقاء اشتراك.
إلى هذا هناك فرصة كبيرة تتلألأ أمامه إذن...
الفرصة مرهونة بقيام المخرج العائد بدوره بعد غياب، بيتر بوغدانوفيتش، بتحقيق «قمر محظوظ» الذي جمع فيه بعض وجوه الماضي: بيرت رينولدز، سيبيل شيبرد، كولين كامب والمغني ويلي نلسون. وكان مقررا للفيلم أن يبدأ التصوير هذا الشهر، لكن جمع عشرة ملايين دولار لفيلم من بطولة من فاتهم قطار الشباب ليس سهلا. لو أن الميزانية مائة مليون أو أكثر والفيلم من بطولة مجهولين دون الـ20 سنة يقارعون مخاطر الكواكب المتوحشة أو كوارث المستقبل، لكان هذا أهون بكثير.

* هندي أحمر
إذا ما حدث هذا الفيلم، فلن يكون الأول بين المخرج بوغدانوفيتش والممثل رينولدز. ففي عام 1975 استعان به لكوميديا عاطفية بعنوان «عند حب أبدي»، وفي العام التالي، قدمه في فيلم عن تاريخ العروض السينمائية الأولى عنوانه «نيكولوديون» وجلب إليه رينولدز وعددا من الممثلين المعروفين في ذلك الحين، مثل رايان أونيل، وابنته تاتوم أونيل، وستيلا ستيفينز وبرايان كيث. الفيلم كان من بين أفضل ما قام بوغدانوفيتش، وهو مخرج موهوب، بتحقيقه.
قبل ذلك بـ40 سنة، كان بيرت ولد في مدينة لانسينغ، ولاية ميتشيغان، من أصول جمعت بين أم من قبيلة شيروكي الهندية ومهاجر ألماني إلى الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الـ19. لعب كرة القدم وبرز فيها ثم اضطر لتركها بعدما أصيب بجرح في ساقه، ثم تعرض لحادثة سيارة، مما وضع حدا لطموحاته الرياضية.
واحدة من المنح الدراسية التي قدمت إليه قادته إلى الانخراط في سلك التمثيل، لكن بيرت لم يكن واثقا من أنه يريد أن يصبح ممثلا، وقبل عملا في المسرح لكي يقتات منه. في عام 1958 التقى بالممثلة جوان وودوورد التي عرفته على وكيل أعمال، وهذا وجد له أدوارا صغيرة في مسلسلات تلفزيونية درامية وبوليسية ورعاة بقر. وأحد هذه المسلسلات كان «غنسموك» حيث ظهر في 50 حلقة ما بين 1962 و1965 لاعبا شخصية الحداد ذي الأصل الهندي الأحمر، الذي يصاحب بطل الحلقات (جيمس آرنس) في مهامه من حين لآخر.
في عام 1961 وجد نفسه ينتقل إلى العمل في فيلم سينمائي بعدما اختاره المخرج بول وندكوس، القادم بدوره من التلفزيون، لشخصية شاب اسمه هوك أدامز. البطولة الفعلية كانت لجورج هاملتون لكن بيرت، كما يروي في مذكراته، كان سعيدا بأن يرى نفسه أمام الكاميرا السينمائية.
الفيلم التالي كان بوليسيا بعنوان «قيادة مسلحة» ودوره فيه كان صغيرا. لكن من الفيلم الثالث، سنة 1965 وما بعد، وجد نفسه وقد أصبح بطلا لأفلامه. ذلك الفيلم كان جاسوسيا بعنوان Operation C‪.‬I‪.‬A وفيه ينتقل بيرت رينولدز إلى سايغون (ولو أن التصوير جرى في تايلاند) لمعرفة هوية المخططين لسلسلة من الاغتيالات، ووضع حد لهم.
في فيلمه الرابع «نافايو جو»، وجدناه يلعب دور هندي أحمر في مهمة انتقام من كل أولئك الذين شاركوا في قتل زوجته (ومنهم الإسباني فرناندو راي). الفيلم كان وسترن سباغتي من إخراج أحد أعلامها سيرجيو كوربوتشي، لكن مجرد حدوثه هو تقارب ملحوظ بين بداياته وبدايات الممثل كلينت إيستوود. الاثنان تنافسا طوال الستينات والسبعينات على مركز النجومية الأول.
فيلما وسترن آخران لحقا بهذا الفيلم كلاهما أميركي؛ «100 بندقية» لجانب (لاعب الكرة) جيم براون والممثلة راكيل ولش، الفيلم الذي احتفى بمشاهد ساخنة لم يكن الجمهور الأميركي تعود عليها بين امرأة بيضاء (ولش) ورجل أسود (براون)، ثم «سام ويسكي» مع كلينت ووكر وأوسي ديفيز.

* رينولدز مخرجا
السبعينات بدأت بفيلم مغامرات عنوانه «الغش» لم يبال به أحد، لكن الفيلم الثاني في مطلع السبعينات كان أكثر نجاحا وقبولا، وهو «بوليس» (Fuzz) المأخوذ عن واحد من روايات الكاتب إد ماكباين (كتبه تحت اسم مستعار هو إيفان هنتر).
بيرت رينولدز هو التحري كاريللا ومعه جاك وستون في دور التحري ماير وتوم سكيريت وراكيل ولش وجيمس ماكشين وستيف انهات، وكلهم وراء قاتل يتجاوزهم ذكاء إلى أن يسقط في الشرك، وقام به يول براينر.
لكن الفيلم الأهم بين كل ما سبق، الذي سيبقى من بين أهم ما لعبه بيرت رينولدز من أعمال هو «خلاص» للبريطاني جون بورمان (1972).
فيلم غير عادي حول أربعة رجال أعمال من المدينة (رينولدز وجون فويت وند بيتي وروني كوكس) يصلون إلى قرية تقع في منطقة جنوب أميركية تطل على نهر سيختفي من الوجود حال الانتهاء من بناء سد عليه. يتركون سيارتيهما في الجوار ويركبون مركبين صغيرين في رحلة بحرية إلى ذلك المجهول والموحش من الطبيعة، قاصدين مغامرة مع الماء في سكون بعيد عن الحياة المعتادة. لكن المغامرة التي تطالعهم مختلفة، فإلى جوار هذا البعد الحضاري والمكان الموحش، بل في صميمه، شخصيات تشابهه. حادثة اعتداء بعض المسلحين القرويين جنسيا على أحد هؤلاء الرجال (بيتي) وتهديدهم حياته وحياة رجل آخر (كوكس). رينولدز هو أقوى هؤلاء شكيمة وأكثرهم شراسة، وهو يقتل المعتدي، ومن حينها هم في جحيم رغبة في الخلاص من الموقع. الأمر الذي لا يجري من دون خسائر.
دور عادي في فيلم عادي لوودي ألن بعد «خلاص» هو «كل شيء أردت معرفته عن الجنس وخشيت أن تسأل» (1972) وبعده فيلم بوليسي هامشي للمخرج باز كوليك بعنوان «تحرٍ»، ثم وسترن جيد من رتشارد سرافيان عنوانه «الرجل الذي أحب كات دانسينغ» مع الإنجليزية سارا مايلز في دور أرستقراطية خطفتها عصابة يقودها رينولدز فتقع في حبه بينما يقوم زوجها (جورج هاملتون) باستئجار القتلة لمحو العار.
منه إلى فيلم خفيف من سباق السيارات ومطارداتها عنوانه «صاعقة بيضاء»، ثم توالت الأدوار بين الخفيف («سموكي أند ذ بندتس») والتشويقي («غاتور»: «هوبر») والعاطفي («البدء من جديد»). لكنه وسط ذلك، قرر أن الوقت حان لكي يقوم بالإخراج، ونفذ ذلك في فيلم درامي مشحون بقدر من الوجدانيات اسمه «النهاية».
استقبل الفيلم جيدا لكنه لم يستعجل تقديم فيلم ثان من إخراجه، إلا من بعد عدة سنوات كان مثل فيها نحو عشرة أفلام أخرى. في عام 1981 قام بتحقيق فيلم بوليسي لعب فيه دور تحرٍ عنيد يقارع فيه أشرار مدينة أتلانتا، ومنهم الإيطالي فيتوريو غاسمان والأميركي هنري سيلفا.
فيلمه الثالث كمخرج كان «ستيك» (1985)، وفيه لعب دور خريج سجن يقارع الأشرار الذين يحيطون به. وكان قبل ذلك بعام مثل الفيلم الوحيد مع كلينت إيستوود، وهو «حرارة مدينة» الذي سيبقى واحدا من أضعف ما مثله كل منهما، بفضل إخراج رديء من رتشارد بنجامين.
كان عليه الآن أن يرتدي سنوات عمره وأم بطولة «حرارة» (1986) و«مالوني» (1987)، ثم مثّل فيلمين خفيفين، هما «استأجر شرطيا» (1987) و«تغيير قنوات» (1988)، من قبل أن يعايش تلاشي الاهتمام السابق به كنجم سينمائي. بقي في الجوار لمعظم سنوات التسعينات، لكن قبضته على شباك التذاكر تراخت، ولو أن المخرج الجيد بول توماس أندرسون وجد له الدور المناسب في «بوغي نايتس» (1997) لاعبا شخصية منتج لأفلام البورنو.
بعد ذلك، هو في أي دور يعرض عليه فشوهد في عشرات الأفلام التي غاب بعضها عن رادار المشاهدين، إثر إنتاجها باستثناء «اقتل بل 2» لكوينتين تارنتينو (2004). في عام 2005 قررت هوليوود تقديم إعادة صنع فيلم «اليارد الأطول»، فجيء به في دور صغير للذكرى.
لم ينقطع رينولدز فعليا عن العمل، ولو أنه توقف عن الظهور لعامين ما بين 2008 و2010. مثل أي سينمائي موهوب وناجح غير مقتنع بأن دوره انتهى لمجرد أنه تجاوز الخمسين، ما زال رينولدز مثابرا على العمل. ربما يجلس ليلا لمشاهدة قديمه، لكنه في النهار ممثل يأخذ الأوامر وينفذها ويبتسم لنفسه، كونه لا يزال يجد الأدوار بصرف النظر عن قيمتها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».