احتجاجات البصرة غير كافية للتعجيل بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة

كتلة «دولة القانون - الفتح» تضغط للحصول على حصة

جانب من الجلسة الافتتاحية للبرلمان العراقي الجديد الاثنين الماضي (رويترز)
جانب من الجلسة الافتتاحية للبرلمان العراقي الجديد الاثنين الماضي (رويترز)
TT
20

احتجاجات البصرة غير كافية للتعجيل بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة

جانب من الجلسة الافتتاحية للبرلمان العراقي الجديد الاثنين الماضي (رويترز)
جانب من الجلسة الافتتاحية للبرلمان العراقي الجديد الاثنين الماضي (رويترز)

تحت وطأة الاحتجاجات العاصفة في البصرة، وخروجها عن السيطرة في أيامها الأخيرة، عقد مجلس النواب العراقي الجديد، أمس، جلسة «استثنائية»، رغم عدم استكماله الإجراءات البروتوكولية لبدء ولايته. الجلسة التي تقدّم بطلب عقدها 51 نائباً من كتلة «سائرون»، وهي أكبر الكتل فيه (54 نائباً)، كُرّست لمناقشة الأوضاع في البصرة حصراً، ومن المؤكد أنه لولا تأزم هذه الأوضاع على نحو خطير للغاية، بعد إقدام متظاهرين على مهاجمة وحرق مقار لأحزاب وميليشيات شيعية ومؤسسات أخرى، ما كان لهذه الجلسة أن تُعقد.
جلسة أمس لا تشبه أي جلسة لأي برلمان، عراقي أو غير عراقي؛ هي جلسة ناقصة الشرعية والأهلية، تبدو كما لو أن لا أم لها ولا أب، فالجلسة الأولى (الافتتاحية) للمجلس عُقدت في الثالث من الشهر الحالي، بعد نحو أربعة أشهر من انعقاد انتخاباته، في 12 مايو (أيار) الماضي، لكن تلك الجلسة التي رأسها أكبر الأعضاء سناً انفرط عقدها وهي في منتصف الطريق. فبحسب الدستور، كان يتعين أن يُنتخب فيها رئيس المجلس ونائبان اثنان له، ليُصار بعد ذلك إلى انتخاب المجلس رئيساً جديداً للجمهورية، يقوم بدوره بتكليف الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان بتشكيل الحكومة الجديدة.
تلك الجلسة انفرطت بسبب انسحاب نواب كتلتي دولة القانون (نوري المالكي) والفتح (هادي العامري)، اللتين أعلنتا أنهما شكلتا الكتلة الأكبر (البناء)، ويتوجب بالتالي تكليفهما بتشكيل الحكومة الجديدة، بيد أن هذا الإعلان قابله إعلان من كتلتي سائرون (الصدرية المدنية) والنصر (حيدر العبادي) بأنهما الكتلة الأكبر. ومع المنسحبين، غادر قاعة البرلمان النواب الكرد الذين برروا انسحابهم بالرغبة في البقاء على الحياد، فاختل نصاب الجلسة، ولم يفلح رئيس السن في إعادة المنسحبين للاستمرار بالجلسة، فأعلنها «جلسة مفتوحة».
وبموجب أحكام الدستور وقانون الانتخابات العراقيين، لا توجد «جلسة مفتوحة»، فالمادة 55 من الدستور تنصّ على انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه في الجلسة الأولى حتماً، بوصفها الخطوة الأولى اللازمة لتشكيل هيئتي السلطة التنفيذية الجديدة (رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء).
كانت هناك سابقة في ما خصّ «الجلسة المفتوحة». ففي انتخابات 2010، فازت القائمة العراقية (إياد علاوي) بـ91 مقعداً، ما جعلها الكتلة الأكبر في البرلمان، لكنّ «دولة القانون» التي حصلت على 89 مقعداً أعلنت بعد الانتخابات، عند عقد الجلسة الأولى لبرلمان 2010، أنها شكلت مع قوائم شيعية أخرى الكتلة الأكبر. الطبقة السياسية اختلفت يومها على مَنْ هو صاحب الكتلة الأكبر، والأحقية في تشكيل الحكومة، وبقي البرلمان معطلاً أشهراً عدّة، ولم تتشكل حكومة، ولجأ الطرفان إلى المحكمة الاتحادية التي انحازت إلى جانب «دولة القانون»، فحكمت بأن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل داخل البرلمان، وليست التي تفوز بأكثر المقاعد عدداً في الانتخابات، لكن المحكمة قضت أيضاً بعدم دستورية «الجلسة المفتوحة»، وألزمت مجلس النواب بالانعقاد واستئناف أعماله.
الآن، يتكرر المشهد تقريباً، مع اختلاف أن أياً من الكتلتين الزاعمتين أن كلاً منهما هي الأكبر ليس في وسعها إثبات ذلك. فبعد انفراط عقد الجلسة الأولى، لم يكن بالإمكان انتخاب هيئة رئاسة البرلمان التي لها وحدها سلطة تحديد الكتلة الأكبر، ومن دون هذه الخطوة ليس في الإمكان أيضاً انتخاب رئيس الجمهورية الذي له وحده سلطة تكليف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة. كتلتا «دولة القانون» و«الفتح» تدركان أنهما ليستا الكتلة الأكبر، وأن الكفة تميل لصالح «سائرون» لتشكيل الكتلة الأكبر، ومن بعدها الحكومة. وعليه، فإن انسحابهما من الجلسة الأولى كان مقصوداً لمنع البرلمان من المضي في تشكيل هيئة رئاسته، وبالتالي تعطيل الاستحقاقات الدستورية التالية، والقصد من هذا هو إرغام الطرف الآخر (سائرون) على التوقف عن السعي لتشكيل الأكبر، والاتجاه بدلاً من ذلك للعودة إلى النسق السابق في تشكيل الحكومات، وهو تمثيل الجميع فيها على وفق نظام المحاصصة.
تمثيل «دولة القانون - الفتح» في الحكومة الجديدة حيوي لهما، فالكتلتان تخشيان من عواقب خروجهما من السلطة، وأكثر ما يُقلقهما هو أن تقوم حكومة تشكّلها «سائرون - النصر» بفتح ملفات الفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة في عهد حكومتي نوري المالكي (2006 - 2014)، وهو ما يُمكن أن يتسبّب في إطاحة قيادات في كتلة «دولة القانون - الفتح».
ما يرجح موقف «دولة القانون - الفتح» في الصراع الحالي على تشكيل الحكومة الجديدة أن الكتلة الكردية لم تُفصح حتى الآن عن الكتلة التي يُمكن أن تنضم إليها، ومن دون الكتلة الكردية سيكون من شبه المستحيل تشكيل الكتلة الأكبر. والكتلة الكردية تقول إنها تنتظر ما تقدمه لها الكتلتان المتنافستان على صعيد المطالب الكردية، المتمثلة على نحو خاص بتطبيق المادة 140، الخاصة بوضع كركوك والمناطق المُختلف عليها، وحصّة إقليم كردستان من الموازنة العامة، ودفع رواتب البيشمركة بوصفهم جزءاً من المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية، بحسب الدستور. والواقع أن موقف الكتلة الكردية يخدم موضوعياً كتلة «المالكي - العامري»، التي تعمل للاحتفاظ بنظام المحاصصة، ما دامت غير قادرة على تشكيل الكتلة الأكبر، والاستئثار بتشكيل الحكومة.
موضوعياً، الضغط الحاصل من أحداث البصرة يُفترض أن يدفع بالأطراف جميعاً للتعجيل في تشكيل الحكومة الجديدة، تفادياً لانفجار أكبر في الأوضاع، ولامتداد النيران المندلعة هناك إلى مدن عراقية أخرى، بينها العاصمة بغداد، لكن من الواضح أن هذا لن يحصل قبل أن تتأمن لـ«دولة القانون - الفتح» الحصة التي يريدانها في الحكومة الجديدة.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.