عرضت مجموعة من الباحثين اليابانيين مراجعة للآليات التي يُسهم بها العرق في نشوء حالات حساسية التهاب الجلد التأتبي (Atopic Dermatitis)، وهو المرض الذي يعتبر من أنواع حساسية الجلد الشائعة في العالم، والتي تضاعفت الإصابات بها ثلاث مرات خلال الثلاثين سنة الماضية. كما قدمت مجموعة من الباحثين الأميركيين مراجعة أخرى لدور اضطرابات إفراز العرق في الإصابة بحالات حساسية التهاب الجلد التأتبي.
وتأتي نتائج هذه الدراسات الطبية الحديثة لتلقي مزيداً من الضوء على الجهود الطبية في محاولات فهم العلاقة بين الأمراض الجلدية وغير الجلدية من جهة، وبين عمليات إفراز العرق والاضطرابات التي قد تعتريها من جهة أخرى.
- حساسية الجلد
وكان الباحثون من جامعتي ناكازاكي وأوساكا باليابان، قد نشروا دراستهم الحديثة تحت عنوان: «دور العرق في التسبب بمرض التهاب الجلد التأتبي»، وذلك ضمن عدد أغسطس (آب) الماضي من المجلة الدولية لعلم الحساسية (Allergology International). وقال الباحثون اليابانيون: «العرق هو عبارة عن سائل شفاف تصنعه الغدد العرقية، وتشارك المكونات المختلفة للعرق في حفظ التوازن لتنظيم درجة حرارة الجسم، ولترطيب الجلد، وعمل جهاز المناعة فيه. وبالتالي، يلعب العرق دوراً رئيسياً في الحفاظ على توازن البشرة الجلدية. ولذلك فإن التعرق غير الطبيعي يضر صحة الإنسان بسهولة».
وأوضح الباحثون اليابانيون ذلك بقولهم: «وعلى سبيل المثال، في حالات حساسية التهاب الجلد التأتبي، تم التأكد من حصول حالة من الركود في إفراز العرق، ويُصاحب ذلك انسداد في أنبوب العرق (Sweat Tube) أو مسام العرق الجلدية (Sweat Pore)، ما يعيق إفراز العرق من داخل الغدد العرقية نفسها. وأيضاً يحصل تسرّب للعرق من الغدد العرقية إلى الأنسجة المحيطة بها. وفي السنوات الأخيرة، تم توضيح فرضية أن حالة حساسية التهاب الجلد التأتبي هي في حقيقة الأمر عبارة عن متلازمة ركود العرق (Sweat Stasis Syndrome) وذلك من خلال الاستعانة بتقنية تحليل ديناميكية إفراز الغدة العرقية للعرق (Dynamic Analysis Technique)، وأن حصول اضطراب إفراز العرق وتسريب العرق إلى الأنسجة الجلدية المحيطة، هما من أسباب التهاب الجلد ونشوء حالة الحكة الجلدية».
وأضاف الباحثون اليابانيون القول: «وعلاوة على ذلك، ومن نتائج تحليل العمليات الكيميائية الحيوية للعرق لدى المرضى الذين يعانون من حالة حساسية التهاب الجلد التأتبي، تم التأكد من أن تركيز الغلوكوز في عرقهم يزيد وفقاً لنوعية البشرة لديهم، مما يشير إلى أن ارتفاع نسبة غلوكوز العرق تؤثر على التوازن في الجلد. كما كشفت تحليلات متعددة الأوجه للعرق لدى الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر عن جوانب جديدة في علم الأمراض، وهو ما يجعل من المتوقع أن تسهم التدابير المناسبة لعلاج العرق في السيطرة على المدى الطويل على مرض ألزهايمر».
وضمن عدد فبراير (شباط) الماضي من مجلة علوم طب الجلدية (Journal of Dermatology Science)، قدمت مجموعة باحثين من كليات الطب في كل من جامعات أريزونا وكاليفورنيا وميامي ودريسكل في فيلاديلفيا، نتائج مراجعة دور آليات اضطرابات إفراز العرق في حالات حساسية التهاب الجلد التأتبي. وقال الباحثون: «إن الضعف في قدرات الجلد على الحجز، (فيما بين داخل الجسم وخارجه) هو شيء مرافق لحالات حساسية التهاب الجلد التأتبي، مما يتسبب في جفاف الجلد وتهيجه، وزيادة نفاذ عدة عناصر من خلاله، كالمهيجات الجلدية والمواد المسببة للحساسية ومسببات الأمراض الميكروبية. وفي الحالات الطبيعية يعمل العرق في تكوين جانب من ذلك الحاجز الواقي للبشرة».
وأضاف الباحثون الأميركيون قول ما ملخصه أنه قد تمت ملاحظة وجود اختلافات في عملية إفراز العرق (Perspiration) والعوامل المحفزّة لها، وآليات حصولها لدى المرضى الذين يُعانون من حالات حساسية التهاب الجلد التأتبي، وذلك مقارنة بالأشخاص غير المصابين بحساسية هذه الحالة الجلدية المرضية. وأن تلك الاختلافات في تكوين العرق وطريقة إفرازه لم تنل الاهتمام اللازم في تصنيفها كأحد العوامل المؤثرة في نشوء حالات الحساسية هذه وتفاقم الإصابة بها، ولذا فإن مراجعتهم العلمية هذه تناقش هذا الدور لاضطرابات إفراز العرق، ونوعية التفاعلات التي تحصل على الجلد فيما بين كل من: مكونات جهاز مناعة الجسم، ومكونات سائل العرق، وخلايا طبقة الجلد. وهو ما يُسلط الضوء على قيمة إدارة الجسم لعملية إفراز العرق، والدور المهم لذلك في الحالات المرضية لحساسية التهاب الجلد التأتبي.
- الغدد العرقية
وتشير المصادر الطبية إلى أن الشخص البالغ لديه نحو 2.6 مليون غدة عرقية في جلد جسمه. وباستثناء الشفتين والحلمتين والأعضاء التناسلية الخارجية، تتوزع هذه الغدد العرقية على جلد الجسم كله بنسب متفاوتة. وتشريحياً، تقع الغدد العرقية في طبقة الأدمة (Dermis) التي هي إحدى طبقات الجلد العميقة، وبقرب بصيلات الشعر ونهايات الشبكة العصبية للجلد.
وبشكل أساسي، تتكون الغدة العرقية من أنبوب طويل مجوف، جزء منه ملفوف في طبقة الأدمة، والجزء الآخر يصعد كأنبوب طويل إلى مسام فتحات السطح الخارجي لطبقة البشرة الجلدية. وفي الجزء الملفوف يتم إنتاج سائل العرق، ويتم دفعه إلى سطح الجلد عبر الجزء الأنبوبي الصاعد. وتتصل الخلايا العصبية من الجهاز العصبي الودي اللاإرادي (Sympathetic Nervous System) بالغدد العرقية. وهناك نوعان من الغدد العرقية:
> النوع الأول هو «الغدد العرقية المفرزة» (Eccrine Sweat Glands) التي توجد في جلد باطن الكفين والقدمين وعلى اليدين والجبهة، ومناطق أخرى من جلد الجسم المُعرض بشكل مباشر للخارج، ويخرج عرق هذه النوعية من الغدد إلى المسام الجلدية.
> النوع الثاني هو «الغدد العرقية المفترزة» (Apocrine Sweat Glands) التي توجد في جلد مناطق الإبطين والأعضاء التناسلية وفتحة الشرج.
وتختلف غدد هذين النوعين من الغدد العرقية في كل من الحجم، والعمر الذي يصبحان نشطين فيه، ومكونات سائل العرق الذي يصنعانه.
وبالمقارنة بينهما، فإن «الغدد العرقية المفرزة»، تبدأ العمل من حين الولادة، وتنتج عرقاً خالياً من الدهون والبروتينات. بينما تبدأ «الغدد العرقية المفترزة» في العمل مع سن البلوغ، وتفرز عرقاً يحتوي بروتينات ودهوناً.
وتأثيرات وجود أو عدم وجود البروتينات والدهون تتضح في سبب ظهور رائحة العرق، ذلك أن وجود البروتينات والدهون في عرق منطقة الإبطين والأعضاء التناسلية، يحفز البكتيريا الموجودة في تلك المناطق على تناول تلك الدهون والبروتينات كغذاء لها، وبالتالي تفرز البكتيريا عدداً من المواد الكيميائية ذات الرائحة. هذا بخلاف العرق الذي تفرزه «الغدد العرقية المفرزة» في جلد بقية مناطق الجسم والخالي من البروتينات والدهون. ولذا فإن تنظيف مناطق الإبطين والأعضاء التناسلية هو أفضل وسيلة للتغلب على رائحة العرق، عبر إزالة البكتيريا المتسببة بتكوين تلك المركبات الكيميائية ذات الرائحة.
> وهناك نوع ثالث من الغدد العرقية التي تحولت من غدد تفرز العرق إلى غدد لا تفرز العرق، وهي الغدد التي توجد في جلد قناة الأذن الخارجية، والتي مهمتها إنتاج شمع الأذن، وتسمى «Ceruminous Glands».
- تعرّق الجسم
يعرق الإنسان طوال الوقت غالباً، ولكنه قد لا يشعر بذلك إلا عند وجوده في أجواء حارّة، أو عند ممارسة الجهد البدني أو الانفعال العاطفي. وبالأصل، يعتبر إفراز العرق هو وسيلة الجسم للتبريد وتخليص الجسم من كميات الحرارة الزائدة فيه. والمصدران الرئيسيان لتراكم الحرارة في الجسم هما العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، ضمن ما يُعرف بالعمليات الأيضية للتمثيل الغذائي (Metabolism). والمصدر الثاني هو الطاقة الحرارية التي تنتج مع تحريك العضلات واستهلاك السكريات والدهون في إنتاج الطاقة. وهناك مصادر أخرى، مثل حصول التهابات ميكروبية في الجسم، والوجود في أجواء مناخية حارة، وغيرها من مسببات ارتفاع حرارة الجسم.
وعندما يتم إفراز العرق، وينتشر على سطح الجلد، فإنه يتبخر، وبالتالي يبرد الجسم. وهذه البرودة تحصل وفق مبدأ فيزيائي بسيط، مفاده أن الماء عندما يتبخر يسحب معه الحرارة من الجسم الذي هو عليه، وهي التي تُسمّى «حرارة التبخير». ولكل كيلوغرام ماء يتبخر، يتم سحب كمية 450 ألف سعر حراري. وبعد تبخر سائل العرق، تبقى الأملاح، مثل الصوديوم والكلوريد والبوتاسيوم، على بشرة الجلد.
- عوامل مؤثرة في نجاح إفراز العرق لتبريد الجسم
> يعتمد نجاح الجسم في إفراز العرق بشكل كاف، لحفظ توازن برودة الجسم، على ثلاثة عوامل داخلية وعامل خارجي. وتشمل العوامل الداخلية في الجسم:
> العامل الأول هو توفر العدد الطبيعي من الغدد العرقية. ولذا في بعض الحالات التي يقل فيها عدد الغدد العرقية، مثل التقدم في العمر أو الأطفال الصغار أو حروق الجلد، تتدنى كفاءة عمل الغدد العرقية في إنتاج سائل العرق والنجاح في تبريد الجسم.
> العامل الثاني هو أن إفراز الغدد العرقية للعرق لا يتم بشكل تلقائي؛ بل يتحكم الجهاز العصبي في ذلك، عن طريق الجهاز العصبي اللاإرادي. ولذا فإن في حالات ضعف الجهاز العصبي في منطقة الجلد يتدنى إفراز العرق في الأجواء الحارة، وخاصة لدى كبار السن والأطفال ومرضى السكري وغيره، وبالتالي لا ينجح الجسم في تبريد نفسه بوسيلة إفراز العرق بشكل كاف.
> العامل الثالث هو توفر السوائل في الجسم، وهذا له دور مهم في تسهيل تكوين الغدد العرقية لسائل العرق. ولذا في حالات جفاف الجسم ينخفض إفراز العرق.
وهناك عامل خارجي مهم في استمرار نشاط عملية إفراز العرق، وهو درجة الرطوبة في الأجواء المحيطة بالجسم؛ ذلك أن تدني رطوبة الهواء المحيط بالجسم يُسهل عملية تبخر سائل العرق عن سطح الجلد، ما يُتيح فرصة أكبر لإفراز مزيد من العرق لتبريد الجسم عند الوجود في أجواء حارة. أما في حالات ارتفاع رطوبة الهواء الخارجي، فإن عملية تبخر سائل العرق عن سطح الجسم تكون ضعيفة، وبالتالي يقل إفراز العرق، وتتدنى قدرة الجسم على تبريد نفسه حينئذ.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أشخاصاً لديهم قدرة على تحمل حرارة الأجواء، بينما آخرون يشعرون بشكل أكبر بدرجة الحرارة المرتفعة نفسها. والسبب هو ما يُعرف بـ«تكيف الغدد العرقية»، ذلك أن الإنسان الذي تعود أن يعيش في أجواء باردة أو معتدلة البرودة، حينما ينتقل إلى منطقة حارة مناخياً فإنه يستطيع إفراز كمية لتر واحد من سائل العرق في الساعة كأقصى حد، ولكن لو استمر في البقاء لستة أسابيع في تلك المنطقة الحارة مناخياً، فإن الغدة العرقية تنشط وتستطيع أن ترفع من كفاءة قدرتها على إنتاج سائل العرق ليصل إلى 3 لترات في الساعة، وبالتالي يُصبح جسمه أعلى قدرة على تبريد نفسه.
وإضافة إلى التفاعل العاطفي وزيادة نشاط الحركة العضلية، قد تحصل اضطرابات في الجسم ترفع من وتيرة إفراز الغدد العرقية للعرق. ومنها اضطرابات الهرمونات المرافقة لبلوغ سن اليأس من المحيض، وزيادة نشاط الغدة الدرقية، وتناول بعض أنواع المشروبات المحتوية على الكافيين، وتناول بعض أنواع الأدوية، وزيادة نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي.
محاولات علمية لفهم دور اضطرابات إفراز العرق في الأمراض الجلدية
مع تضاعف أعداد الإصابات بحساسية التهاب الجلد
محاولات علمية لفهم دور اضطرابات إفراز العرق في الأمراض الجلدية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة