الأطباء في الشبكات الاجتماعية: استشارات مجانية.. وتشخيص عن بعد

الأطباء في الشبكات الاجتماعية: استشارات مجانية.. وتشخيص عن بعد
TT

الأطباء في الشبكات الاجتماعية: استشارات مجانية.. وتشخيص عن بعد

الأطباء في الشبكات الاجتماعية: استشارات مجانية.. وتشخيص عن بعد

عوالم صغيرة شكلتها شبكات التواصل الاجتماعي، التي تشهد إقبالا كبيرا من قبل مختلف الفئات الاجتماعية، بما في ذلك شريحة الأطباء الذين استثمروا حساباتهم عبر هذه الشبكات في تحويلها إلى أشبه ما يكون بعيادات طبية إلكترونية، يقدمون خلالها الاستشارات المجانية لمتابعيهم، في حين يتبادلون أحيانا الأسئلة معهم لمعرفة وضعهم الصحي قبل الرد وتقديم الاستشارة، فيما يمكن تسميته «التشخيص عن بعد»، الأمر الذي يضفي روحا مغايرة لحضور الأطباء في هذه الشبكات الاجتماعية.
ويرى الدكتور خالد الغامدي، بروفسور في قسم الأمراض الجلدية بجامعة الملك سعود في الرياض، أن كثيرا من الناس أصبحوا يبحثون عن المعلومات الصحية من خلال الشبكات الاجتماعية بعد أن صارت جزءا من حياتهم، ويضيف قائلا: «أرى أن هذا الأمر له مميزات وعيوب، فهو يسهم في التثقيف الصحي لكنه يشكل عبئا أكبر على الطبيب، لأن الطبيب مشغول دائما مع العيادات والمرضى، وربما يكون أستاذا جامعيا كذلك، مما يضيف له مسؤوليات التدريس والمحاضرات».
ويتابع الغامدي حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «الكثيرون يعتقدون أن الطبيب متاح عبر الشبكة الاجتماعية خلال الـ24 ساعة، وهذا غير صحيح، وفي حال عدم الرد على بعض الاستفسارات تكون ردة فعلهم سلبية، مما يضع الأطباء في حرج.. كما أن البعض يعتقد أنه من خلال 140 حرفا في (تويتر) فإنه يستطيع أن يحصل على استشارة متكاملة ووصفة طبية، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وقد يضر أكثر مما ينفع».
وبسؤال الغامدي عن موثوقية المعلومات الصحية التي تتناقلها الشبكات الاجتماعية، يقول: «المعلومات الطبية الصادرة من شخص متخصص رائعة وتصل للجمهور بسرعة، لكن مع الأسف أصبحت شبكة (تويتر) بشكل خاص داعما لمدعي الطب والمتاجرين بصحة الناس؛ مثل الذي يدعون أنهم مختصون في طب الأعشاب والعطارة بينما هم بلا شهادات، فنجد متابعيهم بالآلاف». ويردف قائلا: «مشكلة كثير من الناس أنهم دائما ما يبحثون عن الخط الأقصر، بدلا من عناء الذهاب للطبيب وحجز الموعد وإجراء التحاليل».
ويبدو أن الإقبال اللافت على حسابات الأطباء دفعهم لتوضيح ضرورة أن لا يكون ذلك بديلا لزيارة الطبيب، كما يرى الدكتور عيسى الخثيمي، وهو استشاري نساء وولادة، إذ يغرد قائلا: «لا تعتمد كليا على ما ينشره الأطباء في (تويتر)، بل يجب عليك استشارة طبيبك المعالج وأخذ النصائح والإرشادات التي تفيدك». في حين يغرد الدكتور سلطان الخنيزان، وهو استشاري جلدية، بالقول: «ما نقوم به أنا وزملائي الأطباء في (تويتر) هو لتثقيف وتوعية المجتمع، وليس للتشخيص والعلاج.. لا شيء يغني عن زيارة طبيبك».
يأتي ذلك في ظل الإقبال اللافت الذي تجده شبكة «تويتر» تحديدا في السعودية، حيث أعلن موقع «بيزنس إنسايدر» عبر دراسة أعدها خلال الشهر الماضي، عن تصدر السعودية لدول العالم في عدد الأشخاص الذين يستخدمون «تويتر» من إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت فيها، وبلغ عدد مستخدمي «تويتر» في السعودية 4.8 مليون، بنسبة تمثل 41 في المائة.
وفي دراسة حديثة أصدرتها الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، بعنوان «شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات الصحية لدى الجمهور السعودي»، أعدته الدكتورة زينب أبو طالب، كشفت هذه الدراسة أن موقع «يوتيوب» يحظى بأعلى درجات المتابعة بوصفه مصدرا للمعلومات الصحية مقارنة بشبكات التواصل الاجتماعية الأخرى، يليه موقع «تويتر» ثم موقع «فيس بوك»، ثم بقية مواقع الشبكات الاجتماعية.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن مستوى اعتماد الجمهور السعودي على شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها مصدرا للمعلومات الصحية ما زال في المستوى المتوسط «أحيانا» لبعض الشبكات و«النادر» لشبكات أخرى، وأن مستوى الثقة لدى الجمهور السعودي بشبكات التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات الصحية ما زال متدنيا، وحتى الشبكات التي حظيت بمستوى متوسط لمتابعة الشأن الصحي عبرها وهي «يوتيوب» و«تويتر» فإن المبحوثين إجمالا لم يجزموا بالثقة في تلك المعلومات.
وتضمنت أكثر الموضوعات الصحية التي يتابعها الجمهور السعودي عبر شبكات التواصل الاجتماعي «الصحة العقلية والنفسية» و«أمراض الشيخوخة» ثم «الأمراض الموسمية غير الخطيرة» وأقلها متابعة هي «نوع محدد من الأمراض» و«الإسعافات الأولية» و«صحة المرأة والطفل». وأوضحت نتائج الدراسة أن الفئة العمرية فوق الـ40 سنة هم الأكثر اعتمادا على مواقع الشبكات الاجتماعية إجمالا في الحصول على المعلومات الصحية.
في حين تظهر دراسة أخرى أجريت أخيرا في الولايات المتحدة الأميركية أن نحو 33 في المائة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات الطبية والصحية، وأبدى نصف المشاركين ارتياحهم لمشاركة المعلومات الطبية والحصول عليها من شبكات الإعلام الاجتماعي، وخاصة «تويتر»، الأمر الذي يشير إلى تغير آلية استفادة المستخدم لهذه الشبكات الاجتماعية التي أصبحت من المصادر الهامة في التثقيف الصحي؛ عالميا وعربيا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».