حريق الآثار المصرية في متحف البرازيل يصيب القاهرة بالحزن

أبرزها تابوت «منشد آمون» ومومياء «الأميرة خريمة» من العصر الروماني

تابوت حوري  -  مومياء قطة جاتو
تابوت حوري - مومياء قطة جاتو
TT

حريق الآثار المصرية في متحف البرازيل يصيب القاهرة بالحزن

تابوت حوري  -  مومياء قطة جاتو
تابوت حوري - مومياء قطة جاتو

تسبب الحريق الضخم الذي التهم متحف ريو دي جانيرو الوطني في البرازيل، في تدمير 700 قطعة من الآثار المصرية الفريدة، كانت تعد أكبر وأقدم مجموعة من الآثار المصرية، في أميركا الجنوبية، وأعرب علماء آثار مصريون عن أسفهم لضياع جزء من التراث المصري القديم، مطالبين بوضع شروط على متاحف العالم، تكفل حماية الآثار المصرية المعروضة هناك، أبسطها وأهمها التأمين ضد الحريق.
وكان المتحف يضم مجموعة كبيرة من الآثار المصرية، حصل عليها عن طريق الإهداء أو الشراء من المزادات، فجزء كبير من هذه المجموعة وصل إلى البرازيل عن طريق التاجر الإيطالي نيكولا فنغوا الذي أحضر مجموعة من مقتنيات عالم الآثار الإيطالي جيوفاني باتيستا بلزوني من مرسيليا إلى البرازيل، واشتراها الإمبراطور البرازيلي بيدرو الأول عام 1826، وتعد أكبر مجموعة من الآثار المصرية في الأميركتين.
الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار المصري الأسبق، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مجموعة الآثار المصرية بمتحف ريو دي جانيرو، كانت الأكثر جذباً للزوار، خصوصاً المومياوات»، مشيراً إلى أنه زار المتحف قبل نحو 5 سنوات، وشاهد المجموعة المصرية التي تضم مومياوات، وتماثيل أوشابتي، معظمها من مكتشفات عالم الآثار الإيطالي بلزوني، الذي كان يقوم بأعمال حفائر أثرية في مدينة الأقصر، جنوب مصر، ومعبد الكرنك، (واحد من أهم المعابد المصرية القديمة في الأقصر)، وحصلت عليها البرازيل عن طريق مزاد.
وأضاف حواس أن «من أهم المعروضات في هذا المتحف تابوت منشد آمون (شاه آمون إن سو)، وهو تابوت خشبي ملون من العصر المتأخر، أهداه الخديو إسماعيل للإمبراطور البرازيلي بيدرو الثاني عام 1876».
وأوضح الدكتور بسام الشماع، عالم المصريات، لـ«الشرق الأوسط»، أن «أهمية هذا التابوت ترجع إلى جماله، وطريقة إنتاجه، إضافة إلى شخصية صاحبه، الذي كان منشداً للإله آمون، وهذه مكانة كبيرة، كما أنه من العصر الوسيط الثالث، تحديداً الأسرة 23 (750 عاماً قبل الميلاد)، وهذه فترة نادرة في آثارها»، مشيراً إلى أن «الجزء اللافت للنظر في هذا التابوت، الذي يمنحه أهمية كبيرة»، هو أنه «لم يفتح».
ومن بين الآثار المصرية المهمة التي فُقدت في الحريق، مومياء لأميرة من الفترة الرومانية تدعى «خريمة» أو «أميرة الشمس»، ويقول الشماع إن «هذه المومياء مميزة في تنكيك التحنيط، ولا يوجد سوى 8 مومياوات في العالم تم تحنيطها بهذا الأسلوب».
يُشار إلى أن المجموعة المصرية بالمتحف الوطني البرازيلي الذي أتت عليه النيران، كانت تضم 3 توابيت لكهنة آمون، هم: حوري وبستجيف وحارسيس، ويقول الدكتور الحسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجموعة المصرية ضمت 3 توابيت لكهنة آمون، إضافة إلى مجموعة من تماثيل الأوشابتي (التماثيل المجيبة)، يعود معظمها للملك سيتي الأول، كما ضمت عدداً من المومياوات البشرية، والحيوانية لقطط وأسماك وتماسيح، ولوحات جنائزية، وتمثالاً من البرونز للإله آمون»، مشيراً إلى أنه زار المتحف عام 2013، وشاهد المجموعة المصرية، التي «تعتبر من أهم مقتنيات المتحف».
وكان القانون المصري حتى عام 1983 يسمح ببيع وإهداء الآثار، كما كان يسمح للمستكشف الأجنبي باقتسام نتائج الحفائر مع مصر، وبموجب هذا القانون خرجت الكثير من القطع الأثرية من مصر، ليتم عرضها في مختلف متاحف العالم، التي لا تستطيع مصر المطالبة بها لأنها خرجت بشكل قانوني، وإن كانت اتفاقية اليونيسكو لحماية الآثار الموقعة عام 1970 تسمح لمصر بالمطالبة بأي آثار خرجت من البلاد بشكل غير قانوني بعد توقيعها.
من جهته، قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «كثيراً من الآثار المصرية المعروضة بمتاحف العالم خرجت بشكل قانوني، حيث كان القانون يسمح بالقسمة والبيع والإهداء، كما أنه لا يجوز لمصر المطالبة بأي آثار خرجت قبل توقيع اتفاقية اليونيسكو عام 1970، وكل ما تستطيع المطالبة به هو الآثار التي خرجت عن طريق الحفائر خلسة بعد هذا العام، أو التي لا يملك أصحابها سند ملكية لها».
وأثار الحادث التساؤلات والشبهات نتيجة لعدم وجود تأمين كافٍ بالمتحف الوطني البرازيلي ضد الحريق، وهي أبسط درجات التأمين، وجدد الجدل بين الأثريين المصريين الذين يطالبون باستعادة الآثار المصرية في الخارج.
وقال الشماع: «يجب أن نستغل هذا الحادث الذي تسبب في ضياع جزء كبير من تراثنا في المطالبة بعودة آثارنا المصرية في الخارج»، مشيراً إلى أن «الحادث بهذا الشكل يثير الكثير من التساؤلات والشكوك، التي ستكشف عنها نتائج التحقيقات».
واتفق معه عبد البصير، وقال إن «الحادث مريب وهناك لغز وراءه»، متسائلاً: «أين وسائل الإطفاء والتأمين، التي يتم توفيرها في أصغر متاحف العالم»، مشيراً إلى أن «الحادث يدق ناقوس الخطر، وعلينا أن نخاطب المتاحف حول العالم للتأكد من أن آثارنا مؤمنة بالشكل الكافي».
وأكد حواس على أن «الحادث يشير إلى إهمال من جانب المسؤولين عنه في تأمينه وحمايته»، مطالباً بأن «يكون لمصر مسؤولية أدبية على آثارها المعروضة في الخارج» للتأكد من «عرضها وتأمينها بشكل لائق»، على حد قوله، وقال: «أي متحف يهمل في حماية الآثار المصرية لا بد أن نستردها منه».
ووفقاً للصور التي تداولتها وكالات الأنباء، فإن الحريق الذي بدأ في مساء الأحد الماضي، واستمر حتى الساعات الأولى من صباح الاثنين، دمر المتحف بكامل محتوياته البالغ عددها نحو 20 مليون قطعة، وإن خرجت بعض التصريحات المقتضبة من بعض المسؤولين البرازيليين تقول إنه «تم إنقاذ بعض المعروضات»، لكن حتى الآن لم يتضح ماهية وعدد القطع التي تم إنقاذها.
ووصف الشماع الحادث بأنه «كارثة حضارية»، مشيراً إلى أن المتحف كان يضم 20 مليون قطعة، وعمره 200 عام، وبعض معروضاته تحكي تاريخاً مهماً لأميركا الجنوبية، حيث يضم هيكلاً لديناصور، وآثاراً لنيزك.
وقال عبد البصير إن «المتحف كان يضم إلى جانب الآثار المصرية، جمجمة وجزءاً من هيكل عظمي يعتبر الأقدم في تاريخ الأميركتين، ويعود لسيدة تدعى لوتسيا، وعمره 12 ألف عام»، معرباً عن «حزنه الشديد على ضياع متحف بهذه الأهمية».
من جانبه اعتبر حواس، الحادث، بمثابة «يوم حزين لكل الأثريين والعاملين في مجال المتاحف»، وقال: «نحن نبكي على ضياع هذا الكم من التاريخ والتراث العالمي والمصري»، متسائلاً: «كيف لا يكون بمتحف بهذا الحجم أبسط وسائل التأمين ضد الحريق»، معتبراً الحادث «الأول من نوعه في التاريخ».
ويعود تاريخ إنشاء المتحف إلى عام 1818، وتم الاحتفال مؤخراً بمرور 200 عام على إنشائه، وكان المبنى مقراً لإقامة العائلة الملكية البرتغالية، قبل أن يسكنه إمبراطور البرازيل، ثم تحول إلى متحف وهيئة علمية بحثية، وكان يضم 20 مليون قطعة، ولم تعلن البرازيل رسمياً حتى الآن سبب الحريق، وحجم الدمار الذي سببه، لكن الأنباء تشير إلى خسارة نحو 90 في المائة من المعروضات، ونقلت وسائل الإعلام عن وزير الثقافة البرازيلي سيرغيو ليتسيو قوله إن «الحادث قد يكون ناجماً عن ماس كهربائي، أو عن سقوط منطاد هوائي ورقي ساخن على سطحه».


مقالات ذات صلة

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق هضبة الأهرامات في الجيزة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

غضب مصري متصاعد بسبب فيديو «التكسير» بهرم خوفو

نفي رسمي للمساس بأحجار الهرم الأثرية، عقب تداول مقطع فيديو ظهر خلاله أحد العمال يبدو كأنه يقوم بتكسير أجزاء من أحجار الهرم الأكبر «خوفو».

محمد عجم (القاهرة )

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».