التضخم التركي يلامس 18 % للمرة الأولى في 15 عاماً... والليرة تترنح

ترقب واسع لاجتماع «المركزي» في ظل ضغوط إردوغان لعدم تحريك أسعار الفائدة

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال كلمته أمام منتدى الأعمال التركي القيرغيزي أمس (أ.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال كلمته أمام منتدى الأعمال التركي القيرغيزي أمس (أ.ب)
TT

التضخم التركي يلامس 18 % للمرة الأولى في 15 عاماً... والليرة تترنح

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال كلمته أمام منتدى الأعمال التركي القيرغيزي أمس (أ.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال كلمته أمام منتدى الأعمال التركي القيرغيزي أمس (أ.ب)

قفز معدل التضخم في تركيا إلى أعلى معدلاته منذ 15 عاما، ليسجل مستوى يلامس 18 في المائة خلال أغسطس (آب) الماضي، بحسب إحصائيات رسمية، ما ألقى بمزيد من الضغوط على الليرة التركية المنهارة، في الوقت الذي سعت فيه الحكومة إلى تبديد المخاوف بشأن وضع البنوك، على خلفية تحذيرات لوكالات التصنيف الائتماني الدولية من الانهيار المتسارع لليرة وأثره على القطاع المصرفي. وأكدت أن البنك المركزي التركي قادر على تطبيق الآليات التي تحد من تأثير أي أخطار محتملة.
وكشفت بيانات صادرة عن هيئة الإحصاء التركية، أمس (الاثنين)، عن أن مؤشر أسعار المستهلكين سجل 17.9 في المائة خلال شهر أغسطس الماضي على أساس سنوي، وهي أعلى قراءة مسجلة منذ أواخر عام 2003، ومقابل 15.85 في المائة، المسجلة في يوليو (تموز) السابق عليه. ويعد المعدل الذي وصل إليه التضخم في تركيا أحدث إشارة على تصاعد الاختلالات في اقتصاد البلاد.
وبحسب تقديرات سابقة، كان من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في تركيا ليصل إلى 17.6 في المائة خلال الشهر المنصرم. وجاءت الزيادة في معدل التضخم بفعل ارتفاع تكاليف النقل، التي زادت بنحو 27 في المائة خلال أغسطس الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017.
ويعد التضخم في تركيا عند هذه القراءة أعلى من 3.5 ضِعف المستهدف من جانب البنك المركزي في البلاد، البالغ 5 في المائة، ما يعني وضع مزيد من الضغوط على البنك لرفع معدل الفائدة في البلاد، الذي يتمسك الرئيس رجب طيب إردوغان بشدة بتخفيضه، معلنا نفسه «عدوا للفائدة».
وعلى أساس شهري، ارتفع معدل التضخم بواقع 2.3 في المائة خلال أغسطس، مقابل التوقعات بصعود قدره 2.23 في المائة. وأظهر بيان هيئة الإحصاء التركية ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين في تركيا بنسبة 6.6 في المائة خلال أغسطس على أساس شهري؛ لكنه سجل 32.13 في المائة على أساس سنوي.
وانعكست أرقام التضخم الجديدة مباشرة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، لتعاني أمس تراجعا جديدا في بدايات تعاملات الأسبوع، بلغ 1.2 في المائة، ليسجل الدولار نحو 6.62 ليرة، مقارنة مع سعر إغلاق الأسبوع الماضي عند 6.58 ليرة للدولار.
ومن المقرر أن يتخذ البنك المركزي التركي قراره المقبل بشأن السياسة النقدية في اجتماع لجنة السياسة النقدية في 13 سبتمبر (أيلول) الجاري، وسط غموض حول قراره في تكبيله برفض الرئيس التركي لرفع الفائدة.
وأرجعت دراسة نشرتها وكالة «بلومبيرغ» الأميركية أول من أمس، السبب في تراجع الليرة إلى إحجام المركزي التركي عن رفع أسعار الفائدة إلى معدل يكفي لكبح جماح الارتفاع في أسعار المستهلكين. وأضافت أن من شأن بيانات التضخم أن تذكر جميع الأطراف بأن صناع السياسة الأتراك لم يتصرفوا بسرعة كافية لاحتواء مشكلة ارتفاع التضخم.
وبدأ مؤشر بورصة الأسهم التركية في إسطنبول تعاملات الأسبوع أمس على تراجع نسبته 0.47 في المائة أو 432.10 نقطة، ليفتح عند 92.291.29 نقطة. كما تراجعت مؤشرات قطاع البنوك والشركات القابضة بنسبة 0.36 و0.59 في المائة على التوالي.
وقال البنك المركزي التركي، إن التطورات الأخيرة في آفاق التضخم أظهرت «مخاطر كبيرة» على استقرار الأسعار، مشيراً إلى أنه سيضبط سياسته النقدية في اجتماعه المقبل في 13 سبتمبر الجاري، بما يتوافق مع أحدث التوقعات.
وأضاف، في بيان نشره في أعقاب صدور بيانات التضخم الجديدة، أنه «سيتخذ الإجراءات الضرورية لدعم استقرار الأسعار»، ما فسره البعض بأن البنك ربما يتمرد على رأي إردوغان.
وباتت تداعيات عدم السيطرة على التضخم وتراجع العملة في تركيا تتفاقم، ما يعرض البنوك التركية لخسائر فادحة. كما تتكبد الشركات مزيدا من الخسائر نتيجة استمرار تدهور الليرة.
ودعا الرئيس إردوغان في كلمة أمام منتدى الأعمال التركي القيرغيزي، في بشكيك أول من أمس، إلى التخلي عن اعتماد الدولار في المبادلات التجارية، قائلا إن الولايات المتحدة تتصرف مثل «ذئب ضار متوحش... فلا تصدقوها».
وأشار إلى أن بلاده بصدد التفاوض مع روسيا بشأن الاستغناء عن الدولار في مبادلاتهما التجارية، وذلك ردا على العقوبات الاقتصادية الأميركية، لافتا إلى أن بلاده تسعى لتطبيق الأمر نفسه مع الصين وإيران. وقال: «استخدام الدولار يضر بنا. لن نرضخ وسننتصر».
وأثار انهيار الليرة التركية مخاوف من أن الشركات قد تواجه صعوبات في سداد ديونها بالعملة الصعبة، وضغط أيضا على أسهم المصارف الأوروبية المنكشفة على تركيا. وقدر بنك «جيه بي مورغان» حجم الدين الخارجي التركي الذي يحل أجل استحقاقه في سنة حتى يوليو 2019 بنحو 179 مليار دولار، أي ما يعادل نحو ربع الناتج الاقتصادي للبلاد، وهو ما يشير إلى مخاطر حدوث انكماش حاد في الاقتصاد التركي الذي يعاني أزمة. ومعظم الدين (نحو 146) مليار دولار، مستحق على القطاع الخاص، وبخاصة البنوك.
وقال «جيه بي مورغان» في مذكرة: «إن الحكومة بحاجة إلى سداد 4.3 مليار دولار فقط، أو تمديد المبلغ، بينما يشكل الباقي مستحقات على كيانات تابعة للقطاع العام»، لافتا إلى أن الدين الخارجي المستحق على تركيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، اقترب العام الماضي من مستويات قياسية مرتفعة لم يصل إليها سوى قبل الأزمة المالية في عامي 2001 و2002.
وأشارت المذكرة إلى أن «احتياجات التمويل لفترة الـ12 شهرا المقبلة كبيرة، ودخول الأسواق أصبح مشكلة». ويستحق نحو 32 مليار دولار في الفترة المتبقية من 2018، وفقا لحسابات «جيه بي مورغان» التي استندت إلى بيانات البنك المركزي. وقال إن المدفوعات الكبيرة سيحل أجلها في سبتمبر الجاري، وأكتوبر (تشرين الأول)، وديسمبر (كانون الأول) المقبلين.
وأضافت المذكرة: «بما أن المصارف الأجنبية من المرجح أن تقلص انكشافها على تركيا جزئيا على الأقل، فإن تمديد أصل الدين قد يكون صعبا على بعض المؤسسات». وأشارت إلى أن الشركات لديها فيما يبدو أصول خارجية تكفي لتغطية المبالغ المستحقة عليها بالعملة الصعبة، وأن نحو 47 مليار دولار من الدين المستحق عبارة عن ائتمانات تجارية يمكن تمديدها بسهولة نسبيا. وقال البنك: «إن ديونا بنحو 108 مليارات دولار تستحق حتى يوليو 2019، تنطوي على مخاطر مرتفعة فيما يتعلق بتمديد آجال استحقاقها».
في غضون ذلك، اعتبر وزير الخزانة والمالية التركي، برات البيراق، أن هبوط الليرة التركية لا يمثل تهديدا للبنوك، مناقضا بذلك توقعات وكالات التصنيف الائتماني الدولية. وقال البيراق لوكالة «رويترز» الليلة قبل الماضية، إنه لا يتوقع مشكلات أو أخطاراً بسبب مستويات الدين، التي وصفها بأنها منخفضة نسبيا بالمعايير الدولية، قياساً بالناتج المحلي الإجمالي.
وعلى مدار أعوام، اقترضت شركات تركية بالدولار واليورو بفضل أسعار الفائدة المنخفضة؛ لكن هبوط الليرة 42 في المائة منذ بداية العام رفع كلفة خدمة الدين، ويخشى المستثمرون أن تشهد البنوك زيادة في الديون الرديئة، وتقع بالتالي في حالة إعسار.
وقال البيراق: «عندما ننظر إلى الأمر من خلال ميزانيات البنوك وكل قنوات الائتمان خلال هذه الفترة، نرى أنه ليس هناك ما يهدد القطاع المصرفي فيما يخص أسعار الصرف والعملة»، واستبعد المخاوف بشأن الدين، بما في ذلك ديون القطاع الخاص.
وذكر البيراق أن البنك المركزي التركي مستقل عن الحكومة، وسيتبنى الإجراءات اللازمة، في معرض دفاعه عن المؤسسة التي لم ترفع سعر الفائدة الأساسي على مدار ثلاثة أشهر تقريبا، على الرغم من تراجع قيمة الليرة.
وأضاف أنه منذ إعادة انتخاب إردوغان في يونيو (حزيران) بسلطات أوسع، ثمة توافق وثيق بين السياسيات المالية والنقدية. ورأى أن «البنك المركزي في تركيا قد يكون أكثر استقلالية من بنوك في دول أخرى، وسيستمر خلال هذه الفترة في اتخاذ خطوات لمواصلة هذا الاستقلال».



بكين تنتقد مساعي أميركية لإشعال «حرب الثوم»

مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
TT

بكين تنتقد مساعي أميركية لإشعال «حرب الثوم»

مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)

حثت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الساسة الأميركيين على ممارسة المزيد من «الحس السليم» بعد أن دعا عضو في مجلس الشيوخ الأميركي إلى إجراء تحقيق في واردات الثوم الصيني، مستشهدا بمخاوف بشأن سلامة الغذاء وممارسات العمل في البلاد.

وكتب السيناتور الجمهوري ريك سكوت إلى العديد من الإدارات الحكومية الأميركية هذا الأسبوع، واصفا في إحدى رسائله الثوم الصيني بأنه «ثوم الصرف الصحي»، وقال إن استخدام البراز البشري سمادا في الصين أمر يثير القلق الشديد.

وفي رسائل أخرى، قال إن إنتاج الثوم في الصين قد ينطوي على ممارسات عمالية استغلالية وإن الأسعار الصينية المنخفضة تقوض جهود المزارعين المحليين، ما يهدد الأمن الاقتصادي الأميركي.

وتعتبر الولايات المتحدة الصين أكبر مورد أجنبي لها للثوم الطازج والمبرد، حيث يتم شحن ما قيمته ملايين الدولارات منه عبر المحيط الهادئ سنويا.

وقالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، عندما سُئلت في مؤتمر صحافي دوري عن رسائل سكوت: «لم يكن الثوم ليتخيل أبداً أنه سيشكل تهديداً للولايات المتحدة... ما أريد التأكيد عليه هو أن تعميم مفهوم الأمن القومي وتسييس القضايا الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية وتسليحها لن يؤدي إلا إلى زيادة المخاطر الأمنية على سلسلة التوريد العالمية، وفي النهاية إلحاق الضرر بالآخرين وبنفسنا». وأضافت: «أريد أيضاً أن أنصح بعض الساسة الأميركيين بممارسة المزيد من الحس السليم والعقلانية لتجنب السخرية».

ومن المتوقع أن تتصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم عندما يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، بعد أن هدد بفرض تعريفات جمركية تتجاوز 60 في المائة على واردات الولايات المتحدة من السلع الصينية.

وخلال فترة ولاية ترمب الأولى، تعرض الثوم الصيني لزيادة التعريفات الجمركية الأميركية إلى 10 في المائة في عام 2018، ثم إلى 25 في المائة في عام 2019. وكان الثوم من بين آلاف السلع الصينية التي فرضت عليها تعريفات جمركية أعلى خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي كانت السمة المميزة لرئاسته.

ومن غير المرجح أن تهز أي إجراءات عقابية على الثوم الصيني وحده التجارة الثنائية الإجمالية، حيث تمثل شحناته جزءاً ضئيلاً فقط من صادرات الصين البالغة 500 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي.

وفي سياق منفصل، قال المكتب الوطني الصيني للإحصاء يوم الجمعة إن إجمالي إنتاج الحبوب في الصين بلغ مستوى قياسيا يتجاوز 700 مليون طن متري في عام 2024، مع تحرك بكين لتعزيز الإنتاج في سعيها لتحقيق الأمن الغذائي.

وقال وي فنغ هوا، نائب مدير إدارة المناطق الريفية، في بيان، إن إنتاج العام في أكبر مستورد للحبوب في العالم بلغ 706.5 مليون طن، بعد حصاد أكبر من الأرز الأساسي والقمح والذرة. وأظهرت بيانات المكتب أن هذا أعلى بنسبة 1.6 في المائة من حصاد عام 2023 البالغ 695.41 مليون طن.

وقال وي: «كان حصاد الحبوب هذا العام وفيراً مرة أخرى، بعد أن تبنت المناطق والسلطات الصينية بشكل صارم مهام حماية الأراضي الزراعية والأمن الغذائي، مع التغلب على الآثار السلبية للكوارث الطبيعية».

وتعتمد الصين بشكل كبير على الواردات من البرازيل والولايات المتحدة لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. وفي السنوات الأخيرة، كثفت الصين استثماراتها في الآلات الزراعية وتكنولوجيا البذور في إطار الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي. وأظهرت البيانات أن إنتاج الأرز في عام 2024 ارتفع إلى 207.5 مليون طن، بزيادة 0.5 في المائة على أساس سنوي، في حين نما إنتاج القمح بنسبة 2.6 في المائة إلى 140.1 مليون طن. وشهد الذرة قفزة أكبر عند مستوى قياسي بلغ 294.92 مليون طن، بزيادة 2.1 في المائة عن العام السابق. وانخفضت فول الصويا بنسبة 0.9 في المائة إلى 20.65 مليون طن.

ويعزى الحصاد الوفير إلى زيادة زراعة الأرز والذرة، بالإضافة إلى غلة أفضل من الأرز والقمح والذرة.

وقال وي إن المساحة المزروعة بالحبوب على المستوى الوطني بلغت حوالي 294.9 مليون فدان (119.34 مليون هكتار)، بزيادة 0.3 في المائة عن العام السابق في السنة الخامسة على التوالي من التوسع.

وارتفعت مساحة زراعة الأرز للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بنسبة 0.2 في المائة على أساس سنوي إلى 71.66 مليون فدان (29 مليون هكتار). كما ارتفعت مساحة زراعة الذرة بنسبة 1.2 في المائة إلى 110.54 مليون فدان (44.74 مليون هكتار). وانكمش حجم زراعة فول الصويا بنسبة 1.4 في المائة إلى 25.53 مليون فدان (10.33 مليون هكتار). كما انخفض حجم زراعة القمح بنسبة 0.2 في المائة إلى 58.32 مليون فدان (23.6 مليون هكتار).

وقالت وزارة الزراعة الصينية إنه على الرغم من زيادة الإنتاج، تظل الصين معتمدة على الإمدادات المستوردة من فول الصويا والذرة.