إيران أمام احتمال قيام نظام استبدادي بالكامل

تعاظم دور الحرس الثوري... على طريق الآلام نحو الديمقراطية

إيران أمام احتمال قيام نظام استبدادي بالكامل
TT

إيران أمام احتمال قيام نظام استبدادي بالكامل

إيران أمام احتمال قيام نظام استبدادي بالكامل

همّش قادة الحرس الثوري الإيراني سلطات مدنية خلال الشهر الماضي بشكل كبير لاختبار وتوجيه علاقات طهران مع واشنطن، وأصدروا إنذاراً نهائياً للرئيس الإيراني حسن روحاني بشأن إدارة الحكومة للشأن الاقتصادي. ولقد هدّد الحرس الثوري أثناء احتجاجات مناهضة للحكومة على خلفية الوضع الاقتصادي المتأزم، وقبيل العقوبات الأميركية، بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، في حين تنتشر الشائعات في عموم إيران باحتمال تأسيس الحرس الثوري نظاماً استبداديا عسكرياً بالكامل. وفي المقابل، لا يستبعد، ظهور تصدعات داخل قيادة الحرس الثوري التي تبدو في العادة متماسكة. مع أنه، يجب أولا توضيح خلفية الأمر، وبخاصة أن تدخل الحرس الثوري في الشؤون السياسية والتجارية الإيرانية ظل ممتداً على فترة طويلة.
كان المرشد الأعلى الإيراني الراحل آية الله روح الله الخميني هو من أنشأ الحرس الثوري الإيراني عام 1979 للتصدي لأي انقلاب عسكري من جانب الجيش، وإحكام هيمنته على الجماعات المتنوعة التي قادت الثورة ضد الحكم الملكي، وحماية اسم «الثورة الإسلامية». وكان على الحرس الثوري من الناحية الدستورية «الدفاع عن الثورة وإنجازاتها»، وهذه عبارة غامضة اختار الحرس الثوري تأويلها بشكل فضفاض منذ ذلك الحين للتدخل في المجال العسكري وغير العسكري. وبعد وفاة الخميني، وصعود «خلفه» علي خامنئي، رجل الدين الآتي من القيادات الوسيطة، إلى سدة الحكم عام 1989. اتسع نفوذ الحرس الثوري كثيراً، إذ اعتمد عليه خامنئي في تدعيم سلطته وتوطيدها، ما أسفر عن علاقة تكافلية - تعاضدية.
سيطرت شبكة محكمة للغاية من المحاربين القدامى، الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية (حرب الخليج الأولى) (1980 - 1988)، على المواقع القيادية في الحرس الثوري الإيراني. وظلت هذه الشبكة متماسكة طوال فترة الاضطراب السياسي التي سادت إيران، والتغيرات في قيادة الجيش حتى بداية عام 2010. على الأقل بحسب ما يوضح الخبير الأميركي ويل فولتون، تفصيلا في «شبكة قيادة الحرس الثوري الإيراني».
وسّع الحرس الثوري نطاق نفوذه السياسي كثيراً بعد عرضه عضلاته في حقبة التسعينات بعد نجاح حركة «الإصلاح». ونظر الحرس الثوري والمتشددون إلى تلك الحركة، التي كانت تدعو إلى تخفيف القيود الاجتماعية والسياسية وتحسين العلاقات مع العالم، باعتبارها خطراً مهلكاً يهدد الثورة، وإلى الداعين إليها باعتبارهم عملاء للغرب. وخلال الاحتجاجات الطلابية عام 1999. كتب قادة الحرس الثوري خطاباً مفتوحاً إلى محمد خاتمي، الرئيس الإيراني آنذاك، يحذرونه فيه من تدخلهم في حال عجزه عن السيطرة على الاحتجاجات. وأقدمت المؤسسات غير المنتخبة التابعة للحرس الثوري، والتي يهيمن عليها المتشددون، على «تطهير» هيئات الانتخاب من «الإصلاحيين» بحلول عام 2005. وبعد ذلك ساعد الحرس الثوري في انتخاب أحد أفراد الحرس الثوري القدامى، هو محمود أحمدي نجاد، رئيساً للجمهورية. وكذلك تولى الحرس قيادة حملات التنكيل بالإيرانيين الذين اعترضوا على الانتخابات المزوّرة عام 2009.
أثارت الاحتجاجات واسعة النطاق في نهاية عام 2017 وبداية 2018، وامتدت لنحو سنة وبدت كمؤشر لإرهاصات ثورة، قلقَا عميقاً في صفوف قيادة الحرس الثوري. كان غضب الإيرانيين من الإدارة الفاشلة للبلاد، وخاصة رفضها للإصلاح، هو القوة الدافعة المحركة لتلك الاحتجاجات. وخلص الباحث ميساغ بارسا في قراءته «الديمقراطية في إيران» إلى أن الدول والمجتمعات «كانت تحل صراعاتها تاريخياً باختيار أحد مسارين: إما الثورة أو الإصلاح، وإيران في طريقها نحو تبني المسار الثاني». ومن ثم سرت شائعات عن محاولات من الحرس الثوري بمحاولات للسيطرة بالكامل على البلاد عقب تباطؤ خطى الاحتجاجات، وأطلق أفراد الحرس القدامى الدعوة إلى اختيار رجل عسكري لشغل منصب الرئيس باعتبار ذلك هو الملاذ الأخير لإنقاذ النظام.
- الأزمة الحالية
اليوم، تتزامن الأزمة الداخلية مع حملة جديدة مما يوصف بـ«حرب اقتصادية» أميركية ضد إيران، ففي بداية شهر مايو (أيار) أعلن الرئيس دونالد ترمب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على إيران. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أصدر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، قائمة تتضمن 12 طلباً موجهاً إلى إيران منها وقف تخصيب اليورانيوم، ومنع انتشار الصواريخ الباليستية، والامتناع عن دعم جماعات من بينها حزب الله والحوثيون وطالبان، والانسحاب من سوريا كلياً. وصرح بومبيو قائلا: «سوف يتم إجبار إيران على الاختيار بين النضال من أجل الإبقاء على اقتصادها قائماً في الداخل، أو مواصلتها إهدار ثروة كبيرة على حروب في الخارج. لن يكون لديها موارد للقيام بالأمرين معاً».
وفي خضم الأزمات الداخلية والخارجية المتداعية، نشرت صحيفة «جافان» اليومية المرتبطة بالحرس الثوري في مايو (أيار) مقابلة طويلة، وعميقة على نحو مفاجئ، مع شخصية أكاديمية محافظة مؤيدة للحرس الثوري، وشخصية أخرى إصلاحية عن «محاسن ومثالب تولي رجل عسكري منصب الرئاسة»... واتفق الرجلان على أن القول بأن السياسة الإيرانية وصلت إلى طريق مسدود. إذ قال الأكاديمي المحافظ إن إيران «تتحول حالياً من دولة استبدادية إلى حكم استبدادي عسكري، يستطيع فيه رجل قوي تحقيق «نهضة» تؤدي في النهاية إلى الديمقراطية». إلا أنه لم يُشر مباشرة إلى الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس، على أنه ذلك «الرجل القوي»، بل قال إن الجيل الجديد من أعضاء قوات الـ«باسيج»، الذي يدرس له في الجامعة «أكثر توجها نحو الإصلاح من المفكرين»، و«يتعاونون مع مؤسسة الحرس الثوري». وبالتالي، وفق الأكاديمي المحافظ، «يمكن لذلك النظام الاستبدادي العسكري أن يكون بمثابة صدمة كهربائية تنعش المريض الميت وهو إيران، وتعيده إلى الحياة».
على الجانب الآخر، أثار تهديد إدارة ترمب بمنع إيران من تصدير النفط تماماً قلق مسؤولين إيرانيين بارزين. ففي 22 يوليو (تموز) قال الرئيس الإيراني حسن روحاني «على الأعداء أن يفهموا أن الحرب ضد إيران هي أصل كل الحروب، والسلام معها هو أصل السلام». وأردف أن طهران قادرة على إغلاق «مضايق أخرى» إلى جانب مضيق هرمز إذا كانت الولايات المتحدة تريد منع صادرات النفط الإيرانية.
وفي اليوم ذاته، حذر الرئيس ترمب عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً «إذا هددتم الولايات المتحدة مرة أخرى فستعانون من عواقب عانى منها قلة قبلكم عبر التاريخ». وعلى الأثر وبّخ قادة ومسؤولون إيرانيون الرئيس الأميركي، وأعربوا عن دعمهم لروحاني. وبعد إعلان المملكة العربية السعودية في 25 يوليو (تموز) تعليقها نقل شحنات النفط عبر مضيق باب المندب مؤقتاً إثر استهداف ناقلتي نفط بصواريخ موجهة من الحوثيين، كرّر الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، التهديد بإغلاق نقاط تفتيش استراتيجية زاعماً أن «كل ممرات نقل النفط تقع في نطاق سيطرة إيران»، مضيفاً أن «التهديد الأميركي بمنع صادرات النفط الإيرانية كلياً بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) غير واقعي».
في اليوم نفسه ألقى سليماني خطاباً قوياً نُشر على نطاق واسع قال فيه «يا سيد ترمب، لا تسمح كرامة الرئيس بالردّ عليك، لكنني سأرد عليك كجندي. أنا أقف ضدك... لم يعُد البحر الأحمر مكاناً آمناً للوجود الأميركي. يقف فيلق القدس في مواجهة الجيش الأميركي». كذلك أعلنت شخصيات إيرانية متشددة ومؤيدة للحرس الثوري دعمها لخطاب سليماني بحماسة رغم اعتراض البعض على تهميش سليماني للمؤسسة الدبلوماسية المدنية. وعلّق حجة الإسلام محمد جواد حجتي كرماني، العضو السابق في «مجلس خبراء القيادة»، الذي يتولى اختيار المرشد الأعلى والإشراف عليه، من منزل سليماني في محافظة كرمان، بتهذيب قائلا إن «الجنرال (سليماني) قد همّش وأقصى المؤسسة الدبلوماسية المدنية في الجمهورية الإسلامية». ونشرت وكالة أنباء «فارس»، التابعة للحرس الثوري، بياناً ينفي «الشائعات» بأن خامنئي قد وبّخ سليماني على خطابه.
- تناقض مواقف الحرس الثوري
وفي 29 يوليو نشر الموقع الإلكتروني للمرشد الأعلى علي خامنئي مقال رأي أشاد بتهديد روحاني، ومنه قوله «إذا لم يتم السماح لإيران بتصدير النفط، فلن تتمكن أي دولة في المنطقة من تصدير النفط». وجاء في مقال الرأي أن دعم خامنئي المتواصل لروحاني يعتمد على مواقفه تجاه «مؤامرة الحكومة الأميركية» وأنه متفق مع المسؤولين ولا «يبعث رسائل مختلطة إلى الأجانب». هذا، ورغم رفض البعض استبعاد توتر محدود في مضيق هرمز في حال خفض صادرات إيران من النفط إلى الصفر، فإن احتمال حدوث هذا التوتر، وفق مراقبين، ضعيف جداً. وللعلم، صرحت الصين بأنها لن تمتنع عن استيراد النفط من إيران بالكامل، وإن ذكرت أنها ستجعل حدود الواردات 800 ألف برميل يومياً. كذلك منحت الولايات المتحدة الهند إعفاءً في حال خفض وارداتها من النفط الإيراني إلى النصف. وفي أي حال، يتوقع المحللون في سوق النفط أن تنخفض صادرات إيران النفطية بمقدار مليون برميل ويتراوح حجمها في حدود المليون برميل.
ثم، في اليوم التالي، أي 30 يوليو، وجه الجنرال جعفري خطاباً مفتوحاً إلى روحاني بشأن توجهه فيما يتعلق بالاقتصاد، قال فيه «الدعم الكبير غير المسبوق» من جانب الحرس الثوري لتصريحات روحاني الحادة الموجّهة إلى الولايات المتحدة لن تعفيه من اتخاذ موقف «ثوري» بشأن الاقتصاد الذي يتدهور بخطى سريعة. ودعا جعفري روحاني إلى وضع حد للارتفاعات الحادة في أسواق النقد الأجنبي والعملات الذهبية، ومعالجة «الضعف» في الإدارة الاقتصادية التي يمارسها المسؤولون لعل «شعاع الأمل يشرق في قلوب المؤمنين». وفي اليوم ذاته أثار العرض، الذي قدمه الرئيس ترمب بإجراء مفاوضات «دون شروط مسبقة»، شعوراً بالصدمة في إيران، إذ رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إجراء مفاوضات مباشرة بين روحاني وترمب، وفي إشارة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وصف المتحدث الرئيس الأميركي أنه «لا يعوّل عليه». وعلى الجانب الآخر، رأى كثيرون من الإيرانيين من خلال وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أن على القيادة قبول عرض ترمب. ووافق بعض المسؤولين على ذلك التوجّه، أو على الأقل مناقشة الأمر في «المجلس الأعلى للأمن القومي».
ومع تباين ردود الأفعال، أصدر جعفري خلال يوم واحد (31 يوليو) خطاباً مفتوحاً آخر، لكنه كان موجهاً هذه المرة إلى ترمب قال «إيران ليست مثل كوريا الشمالية حتى توافق على طلبك... اعلم أن الأمة الإيرانية لن تسمح لمسؤوليها بالتفاوض مع الشيطان الأعظم ومقابلته... لن يتحقق أبدا حلمك بطلب مسؤولي الجمهورية الإسلامية من أمتهم الاجتماع بك، أو الحصول على تصريح لمقابلتك... اعلم أن هذا حلم سوف يصاحبك حتى نهاية رئاستك، وحتى القادة الأميركيين المستقبليين لن يروه وهو يتحقق». كذلك كتب جعفري «تدعم كل من الدولة والحكومة الإيرانية العظيمتين إحداهما الأخرى، وستظلان صامدتين حتى تحقيق النصر الكامل وإلحاق الهزيمة النكراء بالنظام المهيمن المتغطرس (الغرب) من خلال الاعتماد على الوعد الإلهي، والقائد العظيم، والموارد الداخلية، والاحتياطي الضخم الذي وهبه الله لهما، والقدرة على مقاومة العقوبات الظالمة واللاإنسانية التي فرضتموها». مع ذلك لم تكن ردود الأفعال تجاه خطاب جعفري إلى ترمب بحماسة ردود الفعل تجاه خطاب سليماني، والخطاب الأول لجعفري، خاصة في دوائر الحرس الثوري. كذلك لم يحظَ الخطاب إطلاقاً بتغطية في المنابر الإعلامية الرسمية للحرس الثوري، مثل صحيفة «صبح صادق» الأسبوعية. بل إن موقع «سيفا نيوز» محا الخطاب. غير أن بعض المنابر الإعلامية الأخرى المرتبطة بالحرس الثوري نشرته. وكانت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي هادئة مقارنة بردود الأفعال تجاه خطاب سليماني. ومن ثم، أشار مسؤولون إلى أن الخطاب كان مبادرة من جعفري، ولم يسبق مناقشته مع مسؤولين آخرين. وتجدر الإشارة أنه قبل يومين من الخطاب الثاني أوضح حشمت الله فلاح بيشه، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، سبب ردّ سليماني، وليس قائد الحرس الثوري (جعفري) على ترمب، قائلا بأن سليماني يتحدث عن ساحة معركة «هزمنا فيها الأميركيين». وفي حين قال بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، لوسائل الإعلام بأنه «لم يكن على علم» بأمر الخطاب حتى وقت نشره، أدان علي مطهري، نائب رئيس البرلمان، خطاب الجعفري. وبعدما كان مطهري سابقاً قد وافق على الرأي القائل بأن التفاوض في الوقت الحالي سيكون أمراً مهيناً، فإنه أخبر رئيس الحرس الثوري أن التفاوض في المستقبل يعتمد على قرارات يتخذها مسؤولون مدنيون. كذلك علّق كثيرون من الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي على جعفري بالقول «إنه يتجاوز حدوده».
- جعفري... إلى أين؟
تشير ردود الأفعال هذه، وبخاصة من الحرس الثوري، وبقوة إلى أن خطاب الجعفري جاء بمبادرة منه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مدة عمل جعفري كقائد للحرس الثوري البالغة 10 سنوات انتهت العام الماضي، إلا أنه جرى تمديدها لثلاث سنوات أخرى. وعليه، ينم توقيت ومحتوى خطابه عن محاولته المشاركة في المشهد السياسي بعد خطاب سليماني القوي، بينما تقوى الشائعات عن تأهب سليماني، أكثر قادة الحرس الثوري شعبية، للترشح للرئاسة وفي هذا الشأن تشير كل المعطيات إلى أنه لن يواجه منافسة حقيقية. وهذا، قد يعني أن جعفري يحاول الحفاظ على منصبه الحالي، أو يتطلع نحو منصب الرئيس. وفي الحالتين يوجد مؤشرات على التهميش والإقصاء العسكري للمؤسسات المدنية.
في هذه الأثناء، يزداد احتمال سيطرة الحرس الثوري على الوضع الإيراني كلياً من خلال الرئاسة في ظل تعقد وتدهور الأزمات الداخلية والخارجية للبلاد. ومعلوم أن خامنئي وضع نفسه حالياً في مأزق برفضه القاطع إجراء محادثات مع إدارة ترمب رغم تلميحه إلى أنه سيكون منفتحاً على إجراء محادثات مع إدارة أخرى. ويشعر «المرشد الأعلى» أن التفاوض «خط أحمر» في ظل الشروط الـ12 للإدارة الأميركية، ومنها وقف اختبارات الصواريخ النووية، والامتناع عن دعم جماعات مثل حماس وحزب الله. ومن جهة ثانية، هناك كلام غير مؤكد أن مسؤولين أميركيين سابقين في إدارة باراك أوباما نصحوا مبعوثين إيرانيين أخيراً بالانتظار حتى يأتي رئيس آخر. وحسب هذا الكلام، أدرك مسؤولو إدارة ترمب هذا الأمر، وأعلنت «مجموعة العمل الإيرانية» الجديدة في وزارة الخارجية الأميركية في 16 أغسطس (آب) اعتزامها تنسيق وشنّ حملة ضغط قصوى.
وهذا، ما من شأنه زيادة الأمور في إيران سوءاً، وبالأخص أن وضعها الداخلي اليوم ضعيف للغاية مقارنة بوضعها أثناء فرض العقوبات السابقة بين عامي 2012 و2013.
في ضوء ما سبق، يمكن للرئيس الإيراني المقبل اختيار مسار من اثنين: إما إحداث تغييرات أساسية وجذرية تحولية للتعامل مع مظالم الشعب، أو مواصلة السير في الطريق نفسه مع زيادة الظلم والقمع. وفي حين قد يعجّل المسار الأخير بنهاية النظام، قد ينجح المسار الأول في إطالة عمر النظام من خلال التعامل مع المظالم، خاصة، في ظل إدارة الحكومة حملة دعائية تحذر من تحوّل إيران إلى سوريا أخرى. ومن جهة أخرى، قلة من المراقبين يشكون بألا يكون لقادة الحرس الثوري تأثير كبير على اختيار «المرشد الأعلى» المقبل، وهذا ما يجعله مديناً لهم ولغيرهم من مراكز القوى الرئيسية، وهو ما سيدفعه نحو زيادة نفوذ وسلطة الحرس الثوري. مع ذلك، في النهاية، واجهت الثورة كل الحكومات التي لم تنجح في التعامل مع مطالبات شعبها ومع الصراعات، ومطالبة الإيرانيين بتمثيلهم سياسيا... وعليه، يوشك طريق إيران نحو الديمقراطية أن يصبح أكثر وعورة.
- خياران لطهران للخروج من مأزقها الحالي
> يرى المراقبون أن أمام القيادة الإيرانية خيارين للخروج من هذا المأزق: الأول هو التفاوض مع الولايات المتحدة، والثاني هو التمسك بالحياة.
خامنئي استبعد الخيار الأول في بوجود الإدارة الأميركية الحالية. والواضح أن الظروف الاقتصادية والسياسية في إيران مرشحة للتفاقم مع العودة إلى فرض العقوبات على البلاد، والتضييق الأميركي على النظام. ومن ثم، يتوقع تزايد الهجمات على حسن روحاني مع قرب انتهاء فترته الرئاسية الثانية، ما قد يدفعه للعمل مع الحرس الثوري لإدراكه أن النظام بأكمله يواجه خطر الفناء. وهنا، ذهب سعيد حجاريان، المنظّر والمفكر الإصلاحي البارز، بالفعل إلى القول باحتمال تعيين مسؤولين عسكريين في «حكومة الأزمة» التي يختارها روحاني للتعامل مع القضايا العميقة. وسيكون ذلك بالفعل بمثابة نصف هيمنة. من جهة أخرى، يمكن للحرس الثوري حينها دعم مرشح رئاسي مفضل له. ذلك السيناريو محتمل حتى إذا اضطرت طهران إلى اختيار مبدأ «المنفعة» والدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة.

- باحث إيراني – أميركي متخصص في الشؤون الإيرانية


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
TT

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ إن «الثنائي الشيعي»، المتمثل في حركة «أمل» و«حزب الله»، تمسّك بمرشحه رئيس تيار «المرَدة»، سليمان فرنجية، طوال الفترة الماضية، بينما امتنع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وزعيم «أمل»، عن الدعوة لأي جلسة انتخاب لعام كامل رابطاً أي جلسة جديدة بحوار وتفاهم مسبق. غير أن الوضع تغيّر، عندما ترك «الثنائي» تشدده الرئاسي جانباً بعد الحرب القاسية التي شنتها إسرائيل على «حزب الله»، وأدت لتقليص قدراته العسكرية إلى حد كبير، كما حيدّت قادته الأساسيين وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله. ثم أتى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الحليف الأساسي لـ«حزب الله» وإيران ليقطع «طريق طهران - بيروت» التي كانت الطريق الوحيدة لإمداد الحزب برّاً بالسلاح والعتاد، ليؤكد أن النفوذ الإيراني في المنطقة اندحر... ما اضطر حلفاء طهران في بيروت إلى إعادة حساباتهم السياسية. ولعل أول ما خلُصت إليه حساباتهم الجديدة، التعاون لانتخاب قائد الجيش، المدعوم دولياً، رئيساً للبلاد.

لدى مراجعة تاريخ لبنان المستقل، يتبيّن أن التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليس أمراً طارئاً على الحياة السياسية في البلاد، بل هو طبع كل المسار التاريخي للاستحقاقات الرئاسية اللبنانية.

ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أن «الخارج، منذ أيام بشارة الخوري، الرئيس الأول بعد استقلال لبنان عام 1943، كانت له الكلمة الأساسية في اختيار الرؤساء في لبنان وفرضهم. ويضيف: «الانتخابات لا تحصل بتوافقات داخلية... بل يبصم مجلس النواب على قرارات خارجية».

ويشرح أن الخوري انتُخب في مرحلة كان فيها التنافس البريطاني الفرنسي في أوجه، وكان البريطانيون يحاولون جاهدين وضع حد لنفوذ باريس في المشرق. ولذا، تعاونوا مع «الكتلة الوطنية» في سوريا والحكم الهاشمي في العراق والحكم في مصر ومع «الكتلة الدستورية» في لبنان، عندما كانت المنافسة على الرئاسة الأولى محتدمة بين إميل إده المدعوم فرنسياً، وبشارة الخوري المدعوم بريطانياً ومن حلفائهم العرب، وبما أن فرنسا كانت دولة محتلة وخسرت الحرب، نجح المرشح الرئاسي اللبناني الذي يريده البريطانيون الذين سيطروا يومذاك على منطقة الشرق الأوسط.

انتخاب كميل شمعون

ويلفت غانم، الذي حاورته «الشرق الأوسط»، إلى أنه بعد هزيمة الجيوش العربية في «حرب فلسطين» عام 1948، برز تنافس أميركي - بريطاني للسيطرة على المنطقة، فبدأت تسقط أنظمة سواء في مصر أو سوريا، وتبلور محور مصري - سعودي في وجه محور أردني - عراقي مدعوم بريطانياً. وفي ظل الاضطرابات التي كانت تشهدها المنطقة وإصرار الخوري على الحياد في التعامل مع سياسة الأحلاف، سقط الخوري، وانتُخب كميل شمعون بدعم بريطاني - عربي، وتحديداً أردني - عراقي. ومن ثَمَّ، إثر انكفاء بريطانيا بعد «حرب السويس» عام 1956، دخلت الولايات المتحدة في منافسة شرسة مع الاتحاد السوفياتي. وفي تلك الفترة كانت الموجة الناصرية كاسحة ما جعل شمعون يواجه بثورة كبيرة انتهت بتفاهم مصري - أميركي على انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً.

من فؤاد شهاب... إلى سليمان فرنجية

الواقع أن شهاب انتُخب عام 1958 بتوافق مصري - أميركي نشأ بعد انكفاء البريطانيين ونضوج التنافس الأميركي - السوفياتي وصولاً إلى عام 1964. عند هذه المحطة حين انتُخب شارل حلو، المحسوب أساساً على «الشهابيين»، رئيساً، في المناخ نفسه، ولكن هذه المرة برضىً فاتيكاني - فرنسي مع نفوذ مستمر أميركي - مصري.

ويضيف غانم: «بعد حرب 1967 انكفأت (الناصرية) وضعُفت (الشهابية) وانتشر العمل الفدائي الفلسطيني... وتلقائياً قوِيَ الحلف المسيحي في لبنان المدعوم غربياً، وفي ظل حضور فاقع لإسرائيل في المنطقة. وبعد اكتساح «الحلف الثلاثي» الماروني اليميني السواد الأعظم من المناطق المسيحية في الانتخابات، جاء انتخاب سليمان فرنجية عام 1970، بفارق صوت واحد، تعبيراً عن هذا المناخ وعن ميزان القوى الجديد في المنطقة».

الاجتياح الإسرائيلي و«اتفاق 71 أيار

ويتابع جورج غانم سرده ليقول: «انتخاب إلياس سركيس رئيساً عام 1976 جاء بتفاهم سوري - أميركي حين كان النفوذ والدور السوريين يومذاك في أوجه... وقد دخلت حينها قوات الردع السورية والعربية إلى لبنان». أما انتخاب بشير الجميل عام 1982 فأتى بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفي ظل دعم أميركي وأطلسي مطلق. وانسحب هذا المناخ على انتخاب أمين الجميل مع فارق وحيد هو أن المسلمين المعتدلين في لبنان الذين لم يؤيدوا بشير، أيدوا انتخاب شقيقه أمين.

لاحقاً، عام 1984، حصلت «انتفاضة 6 شباط» الإسلامية، فتراجعت إسرائيل وألغي «اتفاق 17 أيار» الذي فرضته تل أبيب بالقوة. وهكذا، بحلول عام 1988 لم يكن ميزان القوى المرتبك يسمح بانتخاب رئيس للبنان، فكانت النتيجة الشغور الرئاسي الذي استمر لمدة سنتين تخللتهما «حرب التحرير» والحرب بين الجيش و«القوات اللبنانية»... وانتهى بتوقيع «اتفاق الوفاق الوطني في الطائف» عام 1989، وهو اتفاق عربي - دولي أنتج انتخاب رينيه معوض، ثم مباشرة بعد اغتياله، انتخاب إلياس الهراوي. وظل لبنان يعيش في ظل هيمنة سورية، شهدت انتخاب العماد إميل لحود عام 1998 وتمديد ولايته حتى عام 2007.

ميشال سليمان وميشال عون

ويتابع جورج غانم السرد فيشير إلى أنه «في عام 2004، وبعد اجتياح العراق قامت معادلة جديدة في المنطقة، فتمدّدت إيران إلى العراق وازداد نفوذ (حزب الله) في لبنان، وخصوصاً بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005»، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ومع انتهاء ولاية إميل لحود الثانية، لم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس حتى عام 2008 حين كان هناك صعود قطري - تركي في المنطقة. وهكذا، جاء «اتفاق الدوحة» الذي أوصل العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بموافقة سعودية - مصرية بعد «أحداث 7 مايو/ أيار» التي كرّست نفوذ «حزب الله».

وأردف: «لكن اتفاق الدوحة سقط عام 2011 بعدما اندلعت الأزمة السورية، فضرب الشلل عهد الرئيس سليمان، وقد سلّم قصر بعبدا للفراغ عام 2014. وفي ظل التوازن السلبي الذي كان قائماً حينذاك، عاش لبنان فراغاً رئاسياً ثانياً طال لسنتين ونصف السنة في أعقاب تمسك (حزب الله) بمرشحه العماد ميشال عون. ولم تتغير التوازنات إلا بعد وصول الجيش الروسي إلى سوريا عام 2015، و(تفاهم معراب) بين عون ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، وأيضاً تفاهم عون مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وكانت هذه التفاهمات قد تزامنت مع حياد أميركي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران وعشية انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما... ما أدى إلى انتخاب عون رئيساً عام 2016».

غانم يلفت هنا إلى أنه «مع انطلاق عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ التشدد تجاه إيران والتصعيد ضد (حزب الله)، ولذا بدأ عهد عون يخبو... حتى بدأ يحتضر مع أحداث 17 أكتوبر 2019». ثم يضيف: «ومع انتهاء ولاية عون ترسّخ توازن سلبي بين (حزب الله) وحلفائه من جهة، والقوى المناوئة له من جهة أخرى، الأمر الذي منع انتخاب رئيس خلال العامين الماضيين. لكن هذا التوازن انكسر بالأمس لصالح خصوم إيران السياسيين، وهكذا أمكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد».

جوزيف عون

البرلمان اللبناني انتخب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي بـ99 صوتاً من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفراغ الرئاسي. وحمل «خطاب القسم» الذي ألقاه الرئيس المنتخب عون مضامين لافتة، أبرزها: تأكيده «التزام لبنان الحياد الإيجابي»، وتجاهله عبارة «المقاومة»، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة. كذلك كان لافتاً تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح». ولقد تعهد عون الذي لاقى انتخابه ترحيباً دولياً وعربياً، أن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

خشّان: كل رؤساء لبنان يأتون بقرار خارجي ويكتفي البرلمان بالتصديق عليهم

دولة ناعمة

الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه ليس خافياً على أحد أن «كل الرؤساء في لبنان يأتون بقرار خارجي، ويكتفي البرلمان اللبناني بالتصديق على هذا القرار بعملية انتخابهم»، ويضيف أن «لبنان عبارة عن دولة ناعمة تعتمد على الخارج، وهي مكوّنة من مجموعة طوائف تحتمي بدول عربية وغربية».

وتابع خشّان أن «مفهوم الدولة ركيك وضعيف في لبنان، والقسم الأكبر من اللبنانيين لا يشعرون بالانتماء للبلد. والمستغرب هنا انتخاب رئيس من دون تدخلات خارجية وليس العكس... لأنه واقع قائم منذ الاستقلال». ويشرح: «فرنسا كانت للموازنة الأم الحنون، والسُّنّة كانوا يرون مرجعيتهم جمال عبد الناصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم المملكة العربية السعودية. أما الشيعة فمرجعيتهم الأساسية إيران».

هزيمة «حزب الله»

وفق خشّان، «هزيمة (حزب الله) العسكرية نتج عنها هزيمة سياسية، وخصوصاً بعد سقوط نظام الأسد وفصل لبنان عن إيران جغرافياً، أضف إلى ذلك أن الحزب يتوق إلى إعادة إعمار مناطقه المدمّرة، ويدرك أنه لا يستطيع ذلك دون مساعدة خارجية... لقد استدارت البوصلة اللبنانية 180 درجة نحو أميركا ودول الخليج، كما سيكون هناك دور أساسي تلعبه سوريا، تحت قيادتها الجديدة، في المرحلة المقبلة».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن لبنان شهد منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي تطوّرات وأحداثاً استثنائية قلبت المشهد فيه رأساً على عقب. وبدأ كل شيء حين فجّرت إسرائيل أجهزة «البيجر» بعناصر وقياديي «حزب الله» ما أدى إلى قتل وإصابة المئات منهم. ثم عادت وفجّرت أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي ممهِّدة لحربها الواسعة. ويوم 23 سبتمبر باشرت إسرائيل حملة جوية واسعة على جنوب لبنان، تزامنت مع سلسلة عمليات اغتيال خلال الأيام التي تلت وطالت قياديي ومسؤولي «حزب الله» وتركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبدأت الاغتيالات الأكبر في 27 سبتمبر مع اغتيال حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، وتلاه اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما أنه في يوم 1 أكتوبر بدأت تل أبيب عملياتها العسكرية البرّية جنوباً قبل أن تطلق يوم 30 من الشهر نفسه حملة جوية مكثفة على منطقة البقاع (شرقي لبنان).

وتواصلت الحرب التدميرية على لبنان نحو 65 يوماً، وانتهت بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد سمح هذا الاتفاق للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتلال قرى وبلدات لبنانية حدودية على أن ينسحب منها مع انتهاء مهلة 60 يوماً.

ولكن، خارج لبنان، تواصلت الصفعات التي تلقاها المحور الذي تقوده إيران مع بدء فصائل المعارضة السورية هجوماً من إدلب فحلب في 28 أكتوبر انتهى في ديسمبر (كانون الأول) بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى الرغم من إعلان أمين عام «حزب الله» الحالي، الشيخ نعيم قاسم، أن حزبه سيساند النظام في سوريا، فإنه صُدم بسرعة انهيار دفاعات الجيش السوري، ما أدى إلى سحب عناصره مباشرة إلى الداخل اللبناني، وترك كل القواعد التي كانت له منذ انخراطه في الحرب السورية في عام 2012.

وأخيراً، في منتصف ديسمبر، أعلن قاسم صراحة أن «حزب الله» فقد طرق الإمداد الخاصة به في سوريا... أي آخر انقطاع طريق بيروت - دمشق.