تزايد الانقسام في «سوشيال ميديا» حول قضية سعد المجرد

لمجرد أثناء حفل في «مهرجان قرطاج» بتونس 2016 (إ.ف.ب)
لمجرد أثناء حفل في «مهرجان قرطاج» بتونس 2016 (إ.ف.ب)
TT

تزايد الانقسام في «سوشيال ميديا» حول قضية سعد المجرد

لمجرد أثناء حفل في «مهرجان قرطاج» بتونس 2016 (إ.ف.ب)
لمجرد أثناء حفل في «مهرجان قرطاج» بتونس 2016 (إ.ف.ب)

تفاقم الانقسام في «السوشيال ميديا» حول مغني «البوب» المغربي سعد لمجرد، بسبب الاتهامات الأخيرة التي وجهت إليه. ودافع مطربون وفنانون عن لمجرد بقولهم، إنه «كان ضحية مؤامرة، ولا بد من انتظار نتائج التحقيقات قبل الحكم عليه»؛ إلا أن ما فعله لمجرد أثار استهجان خبراء، وقال الناقد الفني المصري طارق الشناوي، لـ«الشرق الأوسط»، «إن النجاح اللحظي القوي يؤثر أحياناً على التركيبة النفسية للنجوم». وانتقدت الدكتورة إيمان عبد الله، أستاذ علم الاجتماع في مصر، المتعاطفين مع لمجرد بين أوساط الجمهور، متهمة إياهم بالمعاناة من مرض «الهوس بالشهرة».
ويواجه لمجرد للمرة الرابعة تهمة الاعتداء والعنف الجنسي، وتعرضت الفنانة التونسية هند صبري لحملة هجوم كبيرة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب انتقادها الفنان المغربي.
وردت الفنانة المصرية، آيتن عامر على تغريدة هند صبري، وقالت «أنا أول ما قرأت الخبر كان إحساسي مثلك بالضبط؛ لكن لا أريد أن أقنع نفسي به، أريد أن أنتظر ولا أتسرع في الحكم، إلى أن تصدر الحكومة الفرنسية بياناً بإقرار الواقعة أو تنفيها... وربنا يهديه».
الموقف نفسه اتخذه الممثل الكويتي طارق العلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، «لا بد من انتظار نتائج التحقيقات قبل الحكم على لمجرد»، مشيراً إلى «ضرورة معرفة ما الذي حدث بالفعل، وهل هو ضحية مؤامرة؟، أم قام بارتكاب هذه الجريمة بالفعل»، مضيفاً: أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، ومتسائلاً «ماذا سيكون موقف من هاجموه من الزملاء، إذا ثبتت براءته؟».
ونشر الممثل المصري محمد رمضان، مجموعة من الصور تجمعه مع لمجرد على موقع «إنستغرام»، مصحوبة بتعليق قال فيه «المظلوم (سالم) وإن ذمه الناس، والظالم (نادم) وإن مدحه الناس، ربنا ينصرك يا صاحبي، يا ابن الناس الطيبين، ويكفيك شماتة الأعداء».
وأشارت صحيفة «هسبريس» المغربية إلى تراجع شعبية لمجرد، وقالت الدكتورة إيمان عبد الله، إن «تكرار الواقعة نفسها أكثر من مرة دليل على اضطراب نفسي حقيقي، فمن يعانون خللاً نفسياً لا يبالون بحجم المشكلات التي قد يتعرضون لها إذا ارتكبوا مثل هذه الجريمة، وكل ما يهمهم هو تنفيذ ما يريدون دون أي اعتبار للعواقب».
وتفسر عبد الله انقسام المجتمع حول القضية رغم تكرارها، ودفاع الناس عن لمجرد، بأن «هناك حالة من الهوس بالشهرة في المجتمع، الذي أصبح يغفر للنجم الذي يحبه أي شيء، في إطار حالة من الانهيار القيمي في المجتمع».
وينتمي لمجرد إلى عائلة فنية، فوالده البشير عبدو، مطرب، ووالدته نزهة الركراكي ممثلة مسرحية، ولم تؤثر الاتهامات المتكررة التي تعرض لها على نجاحه وشهرته، حيث حققت أغنية Let go التي أطلقها في أغسطس (آب) عام 2017، 141 مليون مشاهدة على «يوتيوب»، بينما حصدت أغنية «غزالي غزالي» التي أطلقت قبل 5 أشهر 121 مليون مشاهدة.
ويقول الناقد طارق الشناوي، إن «هذه الوقائع لم تعد تؤثر على مدى شعبية الفنان»، ضارباً المثل بقضية الممثل المصري أحمد عز، الذي رفض إثبات نسب طفليه من الممثلة المصرية زينة، ورغم ذلك، فإن فيلمه الأول بعد القضية حقق «أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية» - على حد قوله -.
ورغم أن شعبية لمجرد قد لا تتأثر في ظل الدفاع المستميت من معجبيه؛ فإن هناك مخاطر قانونية تواجه المغني المغربي، وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية، إن «القضية قد تكون حاسمة؛ نظراً لتشدد القانون الفرنسي تجاه من يكررون فعلتهم». ويجرّم القانون الفرنسي الاغتصاب بكل أشكاله، بما فيه ذلك الاغتصاب الزوجي، ويعاقب الجاني بالسجن لمدة 15 عاماً، قد تزيد إلى 20 عاماً إذا تسبب الاغتصاب في إحداث عاهة مستديمة أو كانت الضحية تحت سن الخامسة عشرة، وترتفع العقوبة إلى 30 عاماً في حال تسببت الجريمة في وفاة الضحية، ويمكن أن يحكم على الجاني بعقوبة سالبة للحياة لو تبع الاغتصاب تعذيب للضحية، أما قضايا العنف الجنسي التي لا تصل إلى حد الاغتصاب فإن الجاني يعاقب بالسجن مدة 5 سنوات مع غرامة 75 ألف يورو، إلى 10 سنوات وغرامة 150 ألف يورو، حسب الحالة.
- فنانون اتُهموا بالتحرش والاعتداء الجنسي
لم يكن سعد لمجرد هو الفنان الوحيد الذي واجه اتهامات بالتحرش أو الاعتداء الجنسي، فمثل هذه الاتهامات انتشرت مؤخراً حول العالم، وبخاصة بعد نشر هاشتاغ Me too، على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأت نجمات هوليود فضح بعض الانتهاكات الجنسية التي تعرضن لها خلال مشوارهم الفني، ونرصد هنا أبرز هذه القضايا:
> واجهت الممثلة الإيطالية آسيا أرجنتو، مؤخراً دعوى تحرش رفعها ضدها زميلها جيمي بينيت، وقال إنها «اعتدت عليه أثناء عملها معه وهو في سن الـ17، وأنها اشترت صمته بمبلغ 380 ألف دولار»، وأثارت هذه القضية ضجة كبيرة، وبخاصة أن أرجنتو كانت من أوائل الممثلات اللاتي تبنين هاشتاغ Me too، باتهامها المنتج السينمائي الأميركي هارفي واينستين بالتحرش بها، وتبعتها نحو 70 امرأة أخرى.
> تعرض الممثل الأميركي مورغان فريمان (80 عاماً) لاتهامات بالتحرش من مساعدته وعدد من الممثلات، ونفى فريمان هذه الاتهامات بقوله إنه «كان يسعى دائماً لراحة من حوله من رجال ونساء، عبر بعض النكات، والمديح، لكنه لم يعتد على أحد جنسياً».
> الممثل الكوميدي بيل كوسبي (80 عاماً)، أدين بتهمة الاعتداء الجنسي على موظفة سابقة في تمبل أندريا كونستاند، حيث اعتدى عليها في منزله بمدينة فيلادلفيا عام 2004.
> الممثل الأميركي سيلفستر ستالون، واجه أيضاً اتهاماً مماثلاً، حيث اتُهم بالتحرش بسيدة قبل نحو 30 عاماً، وبالطبع نفى ستالون هذه التهم.
> المغنية الأميركية مادونا، قالت إنها تعرضت للاغتصاب عندما كان عمرها 19 عاماً، ومقدمة البرامج أوبرا وينفري تحدثت عن تعرضها للاغتصاب أكثر من مرة طوال حياتها، الأولى كانت عندما كان عمرها 9 سنوات.


مقالات ذات صلة

ضحية حادث الاغتصاب الجماعي في فرنسا تتحدث عن «محاكمة جبانة»

أوروبا جيزيل بيليكو (أ.ف.ب)

ضحية حادث الاغتصاب الجماعي في فرنسا تتحدث عن «محاكمة جبانة»

انتقدت ضحية حادث الاغتصاب الجماعي، جيزيل بيليكو، بشدة شهادة عدد من المتهمين في المحاكمة المتعلقة بعدد من جرائم الاغتصاب في جنوب فرنسا.

«الشرق الأوسط» (أفينون (فرنسا))
الولايات المتحدة​ بيت هيغسيث خلال مقابلة سابقة مع ترمب في 2017 (رويترز)

فريق ترمب يراجع ترشيح بيت هيغسيث لمنصب وزير الدفاع

استُبعد هيغسيث من حفل تنصيب بايدن في عام 2021، بسبب وشم لشعار يرفعه متطرفون بيض.

إيلي يوسف (واشنطن)
شمال افريقيا محمد الفايد (رويترز)

3 نساء يتهمن شقيق محمد الفايد باغتصابهن

اتهمت 3 نساء كنّ يعملن في متجر «هارودز» في لندن، صلاح الفايد، شقيق محمد الفايد، باغتصابهن عندما كان الرجلان يملكان المتجر الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم محمد الفايد (أ.ف.ب)

موظفة سابقة في «هارودز» تتهم الفايد بالاتجار بالبشر

في سياق الاتهامات الأخيرة المثيرة للجدل ضد الملياردير الراحل محمد الفايد، رفعت موظفة سابقة دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية في الولايات المتحدة، تتهم فيها…

العالم  
المديرة التنفيذية لـ«يونيسف» كاثرين راسل (الأمم المتحدة)

«يونيسف»: تعرّض واحدة من كل 8 نساء لاعتداء جنسي قبل ‏بلوغها 18 عاماً

تعرّضت أكثر من 370 مليون فتاة وامرأة في مختلف أنحاء العالم للاغتصاب أو لاعتداءات جنسية خلال طفولتهن أو مراهقتهن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)