ماكين... أسير حرب تحوّل إلى سياسي عنيد

اشتهر بدفاعه عن «القيم الأميركية» وخلافات حادة طبعت علاقته مع ترمب

ماكين خلال تجمع للحزب الجمهوري في سانت بول بولاية مينيسوتا في 4 سبتمبر 2008 (أ.ف.ب)
ماكين خلال تجمع للحزب الجمهوري في سانت بول بولاية مينيسوتا في 4 سبتمبر 2008 (أ.ف.ب)
TT

ماكين... أسير حرب تحوّل إلى سياسي عنيد

ماكين خلال تجمع للحزب الجمهوري في سانت بول بولاية مينيسوتا في 4 سبتمبر 2008 (أ.ف.ب)
ماكين خلال تجمع للحزب الجمهوري في سانت بول بولاية مينيسوتا في 4 سبتمبر 2008 (أ.ف.ب)

عُرف جون سيدني ماكين الثالث الذي وافته المنية أول من أمس، بدفاعه عن «القيم الأميركية»، وكان قبل ولوجه العمل السياسي في بلاده قد اكتسب شهرة واسعة بدوره البطولي في حرب فيتنام التي أسر فيها لأكثر من خمس سنوات. وفي السنة الماضية، اتسمت علاقته بالرئيس دونالد ترمب بخلافات حادة.
على غرار والده وجدّه قبله، وهما أدميرالان بأربع نجوم يحملان كذلك اسم جون ماكين، عاش السيناتور الراحل في خدمة بلاده، كطيار حربي في البحرية الأميركية ومن ثم كنائب في الكونغرس حتى وفاته أول من أمس عن عمر 81 عاما. وكان ليصبح هو كذلك أدميرالا لو أن صاروخ أرض - جو سوفياتي الصنع لم يضرب طائرته من طراز «إيه - 4 سكاي هوك» أثناء تحليقه فوق هانوي في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1967. ونجا ماكين بنفسه حيث هبط بمظلة في بحيرة صغيرة وسط المدينة لتستقبله عصابة غاضبة كانت على وشك قتله. وتعرضت ذراعاه وركبته اليمنى إلى كسور شديدة.
ونظراً لكون والده قائد جميع القوات الأميركية في المحيط الهادي، بقي ماكين أسير حرب لأكثر من خمس سنوات. وأطلق سراحه عام 1973 بعد اتفاقية باريس للسلام. لكن العواقب الجسدية للكسور التي لم تُعالج بشكل جيد عن قصد خلال أسره والتعذيب الذي تعرض له، كلفته مسيرته المهنية كطيار. وقال في مقابلة عام 1989: «لسبب ما لم تكن تلك الفترة هي فترتي، وأعتقد أنه لهذا السبب، كان مقدراً لي أن أفعل شيئا ما».
واتضح لاحقا أن هذا الشيء هو السياسة. فبعد عدة سنوات من عمله منسقاً خاصاً للبحرية في مجلس الشيوخ، انتقل ماكين إلى أريزونا، التي تنتمي إليها زوجته الثانية، ليفوز بمقعد في مجلس النواب الأميركي عام 1982 وكبرت طموحاته منذ ذلك الحين فصعد سريعا إلى مجلس الشيوخ (الهيئة التي تملك أعلى سلطة في الولايات المتحدة) ليمكث فيه 30 عاما.
ولطالما برز ماكين بصورة الجمهوري المتمرد العنيد حيث تحدّى حزبه بشأن قضايا تتراوح من إصلاح تمويل الحملات الانتخابية إلى الهجرة. ولم يؤمن كثيرا بالانضباط الحزبي، وهو موقف عززته خبراته السابقة في التمردـ كطالب عنيد في الأكاديمية البحرية الأميركية أو كسجين متهور يستفز سجانيه الفيتناميين.
وفي مذكرات تعود لعام 1999 تحت عنوان «عقيدة آبائي»، كتب ماكين «عزز نجاتي من الأسر الذي تعرضت له ثقتي بنفسي. وعلمني رفضي للإفراج المبكر عني أن أثق بأحكامي».
وكان ماكين غير التقليدي والمزدري للسلطة والمتعجرف أحيانا هو ذاته الذي قرر خوض انتخابات عام 2000 الرئاسية.
ومقدماً نفسه على أنه مرشح يتحدث بشكل «صريح»، عرض على الأميركيين رؤيته اليمينية المعتدلة مبتعداً عن المسيحيين المحافظين الذين نجح خصمه جورج بوش الابن آنذاك في جذبهم. وفشل ماكين عندها، إلا أنه استعاد صلابته وانتزع في النهاية الشعلة الجمهورية من بوش الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير. وفي عام 2008، تصالح مع المؤسسة الحزبية وفاز أخيرا بالترشح للرئاسة.
ومع اقترابه من البيت الأبيض، اتخذ قرارا عفوياً ومثيراً للجدل. فلن يغفر له الكثير من شركائه اختياره حاكمة ألاسكا التي لم يكن يعرف عنها الكثير، سارة بالين، نائب رئيس خلال الانتخابات. وسمح القرار ببروز «حزب الشاي (تي بارتي)» وصعود الشعبوية التي تجسدت لاحقاً بالرئيس الحالي دونالد ترمب.
وهيمن الديمقراطي باراك أوباما آنذاك على المشهد في الانتخابات ليخسر ماكين للمرة الثانية. وامتلك ماكين قدرة على تحريك الحشود. وفي واشنطن، اجتمع الصحافيون حوله في قاعات الكونغرس حيث بدا حاد اللسان وقليل الصبر. وفي إحدى المرات، قال لأحد الصحافيين «هذا سؤال غبي». وفي حالات أخرى، تحولت نبرته النزقة إلى انتقاص من الذات حيث قال في إحدى المرات: «لا أعتقد أنني شخص ذكي جدا».
وقد يكون كذلك سريع الانفعال خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تعني له الكثير على غرار القوات المسلحة والاستثناء الأميركي وفي سنوات لاحقة، التهديد الذي يشكله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه ماكين بأنه «قاتل ومجرم».
ولطالما سخر الجمهوريون من مواقف ماكين المؤيدة للتدخل العسكري حيث أشاروا إلى أنه لا يقول: «لا» إطلاقا على الحرب.
وحتى النهاية، بقي ماكين على قناعة بضرورة مشاركة القيم الأميركية والدفاع عنها حول العالم. وكان كثيراً ما يتوجه إلى بغداد أو كابل أو تايبيه أو كييف أثناء انتفاضتها، ليحظى باستقبال رئيس أكثر منه كنائب.
وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أدرجت موسكو اسمه على قائمة سوداء أعدتها للرد على العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة. وعلق هو على ذلك بالقول: «أعتقد أن هذا يعني أنني لن أتمكن من قضاء عطلة الربيع في صربيا». وعلا صوت ماكين عندما تعلق الأمر بروسيا وسوريا. لكنه كان في الواقع جنرالا لا يملك جيشا.
وبدا أن انتخاب ترمب ضرب عرض الحائط بكفاح ومبادئ السيناتور الجمهوري المخضرم الذي لم يخف استياءه من نزعة رجل الأعمال الملياردير القومية والحمائية إلى جانب مغازلته لبوتين واستخفافه الجلي بكرامة منصب الرئاسة. وعلق كذلك على استفادة ترمب أيام حرب فيتنام من تأجيلات متتالية أعفته من الخدمة في الجيش بسبب «نتوء عظمي» في كاحله.
وفي أحد أيام نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بعد مدة قصيرة من فوز ترمب بالرئاسة، ثار غضب ماكين أمام صحافيين كانوا يطلبون منه باستمرار في مبنى الكابيتول التعليق على تصريحات الرئيس المنتخب، فقال بجفاء: «لا أريد أن تطرح علي أسئلة عن دونالد ترمب بعد الآن. هذا حقي كسيناتور». غير أن هذا الطلب لم يلق استجابة إذ استأثر ترمب ونهجه بالنقاش السياسي العام وقلب رأسا على عقب تقاليد السياسة الخارجية الأميركية. لكن أكثر ما أثار استنكار السيناتور كان إصرار الرئيس على رفض الإقرار بالتدخل الروسي في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية. وازداد ماكين الذي كان يترأس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، استياء شهرا بعد شهر، وفتح تحقيقه البرلماني الخاص حول الملف الروسي. وثار غضبا عندما سمع الرئيس يتملق نظيره الروسي فلاديمير بوتين ويهادنه. وقال إن «الوثوق في كولونيل في كاي جي بي (الاستخبارات السوفياتية) بدل مجمل أجهزة الاستخبارات الأميركية ليس على الإطلاق وضع (أميركا أولا)» في إشارة إلى شعار ترمب الانتخابي.
وفي الأشهر الأخيرة من حياته، بدا كل ملف من الملفات المطروحة مناسبة لمجابهة الرئيس وتحديه. فكان ماكين واحدا من ثلاثة أعضاء من الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أفشلوا في يوليو (تموز) 2017 مشروع إلغاء الضمان الصحي المعروف باسم الرئيس السابق «أوباماكير»، ما أثار غضب ترمب. وهو كان يصف الرئيس بأنه «نزق» و«قليل الاطلاع»، وندد في خطاب بـ«القومية الهشة والزائقة التي يفتعلها أشخاص يفضلون إيجاد كبش محرقة على تسوية المشكلات».
وهاجم ترمب في أكتوبر 2017 في موضوع عزيز عليه، فقال خلال مقابلة حول فيتنام: «أحد أوجه النزاع الذي لن أتخطاه أبدا هو أن الأميركيين الأكثر تواضعا تم تجنيدهم في الخدمة العسكرية، في حين كان الأكثر ثراء يجدون طبيبا يعلن أن لديهم ورما عظميا»، في إشارة إلى الحجة التي تذرع بها الشاب دونالد ترمب للإفلات من الخدمة في حرب فيتنام. وبقي العداء جليا بين السيناتور والرئيس حتى النهاية. وقبل بضعة أسابيع، لم يشأ ترمب التلفظ باسم السيناتور الجمهوري خلال مراسم إصدار قانون دفاعي أطلق عليه «جون ماكين».



«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

«الجمعية العامة» تطالب بأغلبية ساحقة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة

من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)
من عملية تصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - إ.ب.أ)

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة يوم الأربعاء لصالح المطالبة بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار بين إسرائيل ومقاتلي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة والإفراج الفوري عن جميع الرهائن.

وتمثل المطالبة بوقف إطلاق النار الواردة في القرار الذي جرت الموافقة عليه بأغلبية 158 صوتا تصعيدا من جانب الجمعية العامة التي تضم 193 عضوا والتي دعت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي إلى هدنة إنسانية فورية في غزة ثم طالبت بها بعد شهرين.